التصلُّب المتعدِّد... إنهاك مَرضيّ مزمن وتكلفة عالية

مرض يُعيق قدرات عمل الدماغ

التصلُّب المتعدِّد... إنهاك مَرضيّ مزمن وتكلفة عالية
TT

التصلُّب المتعدِّد... إنهاك مَرضيّ مزمن وتكلفة عالية

التصلُّب المتعدِّد... إنهاك مَرضيّ مزمن وتكلفة عالية

وفقاً لدراسة حديثة نُشرت ضمن عدد 13 أبريل (نيسان) الحالي لمجلة علم الأعصاب «Neurology»، بلغ إجمالي العبء الاقتصادي لمرض «التصلُّب المتعدِّد Multiple Sclerosis (MS)» العصبي في الولايات المتحدة خلال عام 2019 نحو 86 مليار دولار. منها 64 مليار دولار للتكاليف الطبية العلاجية والتشخيصية المباشرة لهذ المرض العصبي، و22 مليار دولار تكاليف طبية غير مباشرة. وكان عنوان الدراسة «العبء الاقتصادي لمرض التصلُّب العصبي المتعدِّد في الولايات المتحدة: تقدير التكاليف المباشرة وغير المباشرة».

- عبء اقتصادي
نتائج هذه الدراسة لباحثين من الجمعية الوطنية لمرض التصلُّب العصبي المتعدِّد (NMSS) في مدينة نيويورك، ألقت الضوء بشكل مركّز على تفاصيل العبء الاقتصادي لهذا المرض العصبي. وكانت المكونات الثلاثة الأكبر للتكاليف «المباشرة» هي: الأدوية الموصوفة للبيع بالتجزئة لعلاج المرضى التي يتلقونها في المنزل، والأدوية التي يتم إعطاؤها للمرضى في العيادات فقط، وتكاليف رعاية ومتابعة المرضى في العيادات الخارجية. وكانت أكبر مكونات التكاليف غير المباشرة هي: خسارة الأرباح بسبب الوفاة المبكرة، والحضور للعيادات أو الدخول إلى المستشفى عند انتكاس الحالة المَرضيّة، وخسائر التغيب عن العمل، وخسائر انخفاض إنتاجية سوق العمل.
وفي مزيد من التفاصيل، بلغ متوسط التكاليف الطبية السنوية الإضافية بسبب الإصابة بمرض التصلُّب المتعدِّد نحو 66 ألف دولار للمريض الواحد. وضمن هذه الكلفة السنوية للمريض الواحد، شكلت العلاجات المُعَدّلة للمرض DMT أكبر نسبة من هذه التكلفة، وتحديداً بالمتوسط نحو 60% (36 ألف دولار) منها. وفي بعض الحالات بلغت كلفة تلك الأدوية المُعَدّلة للمرض وحدها نحو 94 ألف دولار سنوياً للمريض الواحد.
وقال الباحثون في نتائجهم: «يعد مرض التصلُّب العصبي المتعدِّد مرضاً مزمناً مكلفاً للغاية، حيث تشكل التكاليف المباشرة للأدوية الموصوفة وخسارة الإنتاجية غير المباشرة من العوامل الرئيسية للتكلفة. وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن عبء مرض التصلُّب العصبي المتعدِّد في الولايات المتحدة قد تم التقليل من شأنه».
وعلّق الدكتور بروس بيبو، الباحث الرئيسي في الدراسة من الجمعية الوطنية لمرض التصلُّب العصبي المتعدِّد، على هذه النتائج الواقعية بالقول: «تكاليف مرض التصلُّب العصبي المتعدِّد مرتفعة للغاية، ليس فقط على المستوى الشخصي ولكن على المستوى الوطني أيضاً».
وقال الباحثون في مقدمة عرض نتائج الدراسة: «تقدر التقارير الطبية الحديثة أن ما يقرب من مليون بالغ يعيشون مع التصلُّب المتعدِّد في الولايات المتحدة. وآثاره المَرضيّة المنهكة على وظائف الجسم الطبيعية، يمكن أن تؤدي إلى اضطراب كبير في الحياة اليومية. بما في ذلك العمل، والاستقلال الجسدي، والتنقل، والتفاعل الاجتماعي، والمشاركة في الأنشطة الترفيهية».

- آلية تطور التصلُّب المتعدِّد
وتفيد مصادر طب الأعصاب بأن التصلُّب المتعدِّد هو مرض يُعيق قدرات عمل الدماغ والحبل النخاعي في الجهاز العصبي المركزي.
> الأسباب: الآلية الرئيسية لنشوء هذه الحالة المَرضيّة العصبية هي مهاجمة جهاز المناعة لغلاف غمد الحماية للألياف العصبية Nerve Fibers، والمكون من طبقة المايلين Myelin، وهي طبقة تغطي ألياف الأعصاب وتعمل على تسهيل تواصل وسرعة انتقال الإشارات والرسائل العصبية بين أجزاء الجهاز العصبي المركزي. وعند تلف هذا الغطاء الواقي تحصل مشكلات عميقة في الاتصال بين الدماغ وبقية أجزاء الجسم. ومع تطور الحالة وبلوغها مراحل متقدمة، يمكن أن يسبب هذا المرض تلفاً أو تدهوراً دائمين للأعصاب.
ويضيف أطباء الأعصاب في «مايو كلينك» بالقول: «تختلف علامات وأعراض التصلُّب المتعدِّد على نطاق واسع، وتعتمد على مقدار تلف الأعصاب، وأي الأعصاب مُصابة. وبعض الأشخاص المصابين بالتصلُّب المتعدِّد الحاد قد يفقدون القدرة على المشي مؤقتاً أو نهائياً، بينما قد يمر الآخرون بفترات طويلة من الهدوء Remission دون أي أعراض جديدة».
> الأعراض والعلامات: علامات وأعراض التصلُّب المتعدِّد قد تختلف اختلافاً كبيراً من شخص لآخر، وكذلك لدى نفس الشخص خلال «تطور» أو «سكون» المسار المَرضيّ، وذلك وفقاً لمكان الألياف العصبية المصابة. ورغم أن الغالب هو تأثر قدرات الحركة، فإن ثمة مظاهر مَرضيّة أخرى، وقد تتخذ أشكالاً عدة. ومنها الإحساس بتنميل ووخز أو ضعف في أحد الأطراف، أو أكثر من طرف في الجسم. وهو ما يحدث عادةً على جانب واحد من الجسم في النوبة الواحدة، أو في الساقين وجذع الجسم. وكذلك أحاسيس مشابهة للصدمة الكهربائية، التي تصاحبها حركات معينة في الرقبة، خصوصاً انحناء الرقبة للأمام (وتسمى علامة ليرميت Lhermitte Sign)، وأيضاً الرعاش Tremor أو انعدام التنسيق أو المشية غير المتزنة Unsteady Gait.
وبالنسبة لاضطرابات قدرة الإبصار، هناك عدة أشكال منها: الفقدان الجزئي أو الكلي للرؤية، وعادةً يكون في عين واحدة في النوبة الواحدة، وغالباً يصاحبه شعور بالألم في أثناء حركة العين. وكذلك رؤية مزدوجة Double Vision لمدة طويلة، أو رؤية ضبابية Blurry Vision.
وثمة أعراض أخرى للتصلب المتعدِّد أيضاً، منها تداخُل الكلام Slurred Speech، والإرهاق، والدوخة، ومشكلات في الوظيفة الجنسية، واضطرابات عمل وظائف الأمعاء والمثانة.

- مسار المرض
وإضافةً إلى تنوع الأعراض والعلامات المَرضيّة، هناك تفاوت في «المسار المَرضيّ» بين الانتكاس والسكون. ويقول أطباء الأعصاب في «مايو كلينك»: «المرضى يمرون بفترات من الأعراض الجديدة أو الانتكاسات التي تظهر على مدار أيام أو أسابيع. وعادةً ما تتحسن تلك الأعراض والانتكاسات كلياً أو جزئياً. وتلي تلك الانتكاسات فترات ساكنة من هَدْأَة المرض التي يمكن أن تستمر لأشهر أو حتى لسنوات». ولكن تجدر ملاحظة أنه يمكن أن تتسبب بعض الزيادات الطفيفة في درجة حرارة الجسم في تفاقم علامات وأعراض مرض التصلُّب المتعدِّد بشكل مؤقت. ولذا فإن هذا التفاقم لا يعَد انتكاسات فعليّة للمرض. ويضيفون: «وتظهر على 50% على الأقل من المصابين بالتصلُّب المتعدِّد حالات الانتكاس - السكون Relapsing - Remitting المتوالي. ثم تتطور الأعراض بشكل ثابت، ويُعرف ذلك باسم التصلُّب المتعدِّد التطوري الثانوي Secondary - Progressive MS». كما قد يمر بعض المرضى ببداية تدريجية، ثم تطور مُطرد للعلامات والأعراض، ويُعرف باسم التصلُّب المتعدِّد التطوري البدئي Primary - Progressive MS.

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19»....

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».