اليمنيون يحددون مطالبهم من المجلس الرئاسي وعودة مؤسسات الدولة

جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني لمنح الثقة للحكومة في عدن قبل أيام (رويترز)
جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني لمنح الثقة للحكومة في عدن قبل أيام (رويترز)
TT

اليمنيون يحددون مطالبهم من المجلس الرئاسي وعودة مؤسسات الدولة

جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني لمنح الثقة للحكومة في عدن قبل أيام (رويترز)
جانب من جلسة عقدها البرلمان اليمني لمنح الثقة للحكومة في عدن قبل أيام (رويترز)

اتسعت آمال المواطنين اليمنيين لا سيما سكان مدينة عدن التي تتخذها الحكومة اليمنية عاصمة مؤقتة للبلاد، مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي وعودة مؤسسات الدولة اليمنية، وساد الشارع حالة من التفاؤل حيث يراهن المواطنون على قدرة المجلس الرئاسي والحكومة، على تحسن مستويات المعيشة وقطاع الخدمات والوضع الاقتصادي بشكلٍ عام، وجذب الاستثمارات، باعتبار أن هذه القضايا تحتل أولوية لديهم ولدى سكان المناطق المحررة، كما هي أهمية استكمال توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية خاصة أنها المرة الأولى التي تتحد فيها القوى السياسية اليمنية المناهضة لمشروع الانقلاب الحوثي في إطار المجلس الرئاسي والمؤسسات المساعدة له، وفيما يواصل الرئيس اليمني رشاد العليمي وأعضاء المجلس الرئاسي عقد اللقاءات اليومية مع الجانب الحكومي والقوى السياسية، ويركز في مناقشاته على أولوية تحسين الخدمات، حيث أقرت خطة عاجلة لتوفير الخدمات الأساسية لسكان مدينة عدن وبالذات في قطاعات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، والطرقات، فإنه اجتمع أيضا بقيادة القطاع التجاري ووجه الحكومة بتوفير الاعتمادات اللازمة له، كما يعمل المجلس الرئاسي على ملفي الأمن وتوحيد المؤسسة العسكرية.
وإذا كان لافتا أن اللجنة الأمنية العليا عقدت وللمرة الأولى اجتماعا لها في عدن برئاسة وزير الدفاع، وحضور وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن السياسي، وناقشت الأوضاع الأمنية ومكافحة الإرهاب، فإن القطاعين العسكري والأمني ينتظران إصدار المجلس الرئاسي قرارا بتشكيل اللجنة الأمنية والعسكرية المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار، والتي ستشكل وفقا للمصادر الرسمية «دفعة قوية لجهود مكافحة الإرهاب وتوحيد القرار العسكري والأمني في إطار سيادة القانون».
القيادات العسكرية والأمنية أشادت بالتوافق والشراكة والتداول السلمي للسلطة، وإزالة التوتر سياسياً وأمنياً، الذي شهدته الساحة الوطنية خلال المرحلة الراهنة، وقالت إن من شأن ذلك الارتقاء بعمل المؤسسات الشرعية لمواجهة تحديات المرحلة التاريخية الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وصولا لاستعادة الدولة ونظامها الجمهوري ومؤسساتها.
الشارع العدني كانت له رؤية أخرى حيث يؤكد محمد السقاف وهو طالب في كلية الآداب بجامعة عدن أن الناس متفائلة بشكل كبير بتشكيل مجلس الرئاسة وعودة الحكومة والبرلمان، وغيرهما إلى عدن للعمل وتوحيد كل القوى، لأن ذلك وفق وجهة نظره يعني «أننا مقدمون على مرحلة أفضل من السابق، لتحسين معيشة الناس والكهرباء والماء، وسعر صرف الريال... الغلاء أرهق السكان»، ويضيف: بعد أن أصبحت جميع القوى شريكة في الحكم لم يعد هناك من عذر لبقاء الوضع على ما كان عليه «فنحن نريد تحسين وضعنا المعيشي فقد تعبنا السنوات الماضية».
من جهته يشدد أحمد ناصر وهو موظف حكومي على أن الجميع في المحافظات كافة حتى تلك الواقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي يراهنون على المجلس الرئاسي لتجاوز جميع سلبيات السنوات السابقة، ويعتقد أن نجاحه في ذلك «يتطلب أولا عودة المسؤولين للعمل من العاصمة المؤقتة، وتحسين إيرادات الدولة والتحكم بسعر صرف الريال»، ووضع حد للمعاناة المزمنة نتيجة تردي خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، ويطالب ناصر من المجلس الرئاسي إعادة النظر في المبالغ الكبيرة التي تمنح للمسؤولين بالدولار الأميركي ويقول: هؤلاء يعيشون وأسرهم في الخارج وتصرف لهم رواتب خرافية، فيما الموظفون يتسلمون مرتبات متدنية لا تتجاوز المائة دولار في الشهر الواحد، ويرى أن من شأن هذه الخطوة أن تعيد الثقة بالحكومة لدى المواطنين.
ورغم أن أعضاء البرلمان برروا سفرهم من عدن بانتهاء فترة عملهم وحلول إجازة عيد الفطر، فإن هذا لم يكن مقنعا لغالبية المواطنين الذين اعتبروا هذه الخطوة بداية غير موفقة. ووجه رواد مواقع التواصل الاجتماعي انتقادات حادة لهم، وهو أمر يؤكد عليه طه الصبيحي وهو طالب جامعي، حيث يرى أن بقاء المسؤولين في عدن وممارسة مهامهم منها هو مقياس الجدية ومؤشر على المرحلة الجديدة التي دخلها اليمن، ويعتقد أن تؤدي هذه الخطوة إلى جانب التقييم المستمر لأداء المسؤولين، إلى الإسراع في إعادة بناء وتفعيل جميع المؤسسات، وتحسن الوضع الاقتصادي والخدمات ويقول إن غياب المسؤولين طوال السنوات الماضية وعدم تفعيل مؤسسات الدولة ومحاسبة المقصرين، كان سببا فيما وصلت إليه الأوضاع في عدن والمحافظات المحررة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.