«رُكام»... لمسة جمالية تُعيد تقديم مخلفات الحديد

معرض تشكيلي مصري يضم 30 مجسماً

مجسم «الحارس والكلب»
مجسم «الحارس والكلب»
TT

«رُكام»... لمسة جمالية تُعيد تقديم مخلفات الحديد

مجسم «الحارس والكلب»
مجسم «الحارس والكلب»

يرتبط الفن دوماً بالإبداع، ويعمل على إشباع الرغبات الروحية للفنان؛ هذا ما يمكن أن يلاحظه الزائر إلى معرض الفنانة التشكيلية المصرية أمنية محمد هلال، التي حولت الأسلاك ومواد المخلفات (الخُردة)، التي انتهت وظيفتها إلى بضاعة نافعة من جديد، حيث نحتتها وشكّلتها وجمعتها لتتحول إلى أعمال فنية مبتكرة، تضم جماليات غير تقليدية.
ويضم المعرض الذي اختارت الفنانة له عنوان «رُكام»، وتستضيفه في الوقت الحالي، قاعة صلاح طاهر بدار الأوبرا المصرية حتى 28 أبريل (نيسان)، 30 مجسماً حديدياً، أبدعتها أناملها على مدار الأشهر الفائتة، من بقايا الحديد والركام الصناعي، من مسامير، وجنازير، وتروس، وسيور، وسلاسل حديدية، وبقايا المعدات والماكينات القديمة، وكذلك أدوات الورش والآلات التالفة، التي توظفها من جديد من خلال لحام القطع ببعضها بعضاً برؤية فنية؛ ما شكّل في النهاية سيمفونية تشكيلية عبر العزف على المُهمل.

مجسم عازف التشيللو

تقول صاحبة المعرض، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ أن أقمت معرضي الأخير الذي حمل مسمى (همس الحديد)، والذي كان بمثابة بطاقـة تعارف بيني وبين المتلقي، والتعريف بما أقدمه من مجسمات تعتمد على الخردة، كان لدي شغف لإقامة معرضي الثاني، الذي أقدم فيه أعمالاً جديدة، أوظف فيها مهارتي في التشكيل بحديد الخردة، الذي ألبي من خلاله طموحي الفني، وإشباع رغباتي الروحية، عبر تحويل قطع عديمة الفائدة إلى قطع ذات قيمة معنوية ورؤية جمالية».


مجسم يمثل المرأة الريفية

لم تدرس هلال الفن أكاديمياً، فهي فنانة هاوية، كانت بدايتها الفنية مع مجسمات الطين والجبس، التي أنتجت منها أعمالاً عديدة، إلا أنها لم تكن تلبي ذائقتها الفنية؛ لذا كانت تبحث عما يشبع رغبتها الفنية، إلى أن صادفت الحديد الخردة، الذي اختارت التخصص فيه رغم أنه فن يقتصر في أحيان كثيرة على الرجال، ولا تحترفه النساء إلا فيما ندر؛ لما فيه من صعوبة في التعامل مع الحديد، تقول «لم أكن أشعر أني وصلت لأقصى طموحي الفني مع الطين والجبس، وأشعر دوماً أنني أخرجت للنور جزءاً صغيراً فقط من موهبتي، وأن هناك جزءاً آخر كبيراً لم يخرج بعد، وبحثت طويلاً عن طريقة لتلبية ذلك، إلى أن وجدتها في خامة الحديد الخردة». وتضيف «المفارقة كانت أنني لم أكن أعرف هذا النوع من الفن، وكيف يمكن تحويل المخلفات الحديدية إلى تحف فنية ومجسمات؛ لذا أبهرتني الخردة للغاية، بل شعرت معها أنني طفلة وسط الحلوى، إذ وجدت ما أبحث عنه، وأنني أسير على الطريق الصحيحة لتلبية طموحي الفني».
اختارت الفنانة أفكار معرضها من خلال ترك العنان لخيالها، ومشاعرها، والخروج من دائرة المجسمات الصغيرة إلى إنتاج أعمال كبيرة، بما تحمله من صعوبة أكبر، تخرج فيها ما بداخلها من رغبة إبداعية، كما جاءت بعض أعمالها حاملة بعداً فلسفياً في بناء العمل.
من أعمال المعرض يظهر المجسم الضخم «الحارس والكلب»، بطول نحو 200 سم، الذي يجمع بين نموذج للإنسان وآخر للحيوان، ويعكس صعوبة ومهارة من جانب الفنانة في تشكيله، والتي تعبّر عن اعتزازها به لما يحمله من دلالات القوة والشموخ والثقة.


مجسم بائع العرقسوس

وبمناسبة شهر رمضان المبارك، يمكن لزائر المعرض مشاهدة مجسم بائع العرقسوس، الذي يظهر بمشروبه في شهر رمضان متجولاً في الشوارع والميادين. كذلك توجد بعض المجسمات التي تحاكي البيئة الشعبية والريفية، والأعمال المتأثرة بالفن الفرعوني الذي يستهوي الفنانة.
ومن الأعمال ذات البعد الفلسفي يبرز مجسم الفتاة المقيدة، التي تظهر واضعة يدها على وجهها، في إشارة أرادت من خلالها الفنانة التعبير عن «حال المرأة المُقيدة بأفكار معينة في المجتمع، وما تعاني منه بسبب أفكار الجهلاء».
وعن كيفية اختيار أفكار مجسماتها والخروج بها عن نطاق المألوف، تؤكد الفنانة المصرية «عيني هي التي توظف ما أشاهده من قطع الخردة؛ إذ أرى أنها تحتوي على جماليات يجب إظهارها، أو أن قطعة ما توحي لي بفكرة بناء مجسم كامل، مثال ذلك ما التقطته عيني من قطعة حديدة صغيرة رأيت فيها وجه (حمار)؛ ما أوحى لي بعمل مجسم (بائع الروبابيكيا)، الذي يقود الحمار عربته الخشبية الصغيرة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».