شارع المتنبي في بغداد منبر للكلمة الحرة ومنتدى للفعاليات الثقافية والفنية

مقهى الشابندر أقدم أبنيته ولا يزال يستقبل المثقفين العراقيين والأجانب

شارع المتنبي وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
شارع المتنبي وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

شارع المتنبي في بغداد منبر للكلمة الحرة ومنتدى للفعاليات الثقافية والفنية

شارع المتنبي وسط بغداد («الشرق الأوسط»)
شارع المتنبي وسط بغداد («الشرق الأوسط»)

من يزور بغداد ولا يدلف إلى شارع المتنبي من خلال سوق السراي، وهي سوق القرطاسية الشهيرة، كأنما ما عرف العاصمة العراقية ولا اقترب من نبضها الثقافي الحقيقي.. هنا في هذا الشارع العريق، خصوصًا في يوم الجمعة، تلتقي بأسماء بارزة من المثقفين العراقيين والمهتمين بالثقافة والإبداع، دون أي موعد؛ إذ يعد شارع المتنبي المطل على دجلة وسط بغداد من أبرز الأماكن الثقافية التي تتفرد بها بغداد ويرتادها المئات من العراقيين كل يوم جمعة؛ حيث تقام فعاليات ثقافية وفنية وتجمعات للتعبير عن الرأي لمواجهة أي مشكلات تعيشها البلاد، خصوصًا في حدائق القشلة التي صارت بمثابة «هايد بارك العراق».
يقول الفنان الموسيقي هندرين حكمت، وهو أستاذ آلة السنطور في معهد الدراسات الموسيقية، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تحول شارع المتنبي وحدائق القشلة التي كانت مركز الحكم العثماني، والتي تطل مباشرة على نهر دجلة، إلى ملتقى ليس للمثقفين فحسب، بل للمهتمين بالكتب والفن ومن يريد أن يتعرف على واقع الثقافة العراقية»، مشيرا إلى أن «أمهات الكتب تباع هنا في شارع المتنبي».
ويضيف حكمت قائلاً: «من أبرز فعالياتنا يوم الجمعة زيارة شارع المتنبي، هنا ألتقي بأصدقائي من كتاب وشعراء وموسيقيين ومصورين ومسرحيين، دون أي موعد، نجلس في مقهى الشابندر أو بيت المدى لنتداول الأحداث الثقافية والسياسية بكامل حريتنا».
وتنفرد بغداد بهذا الشارع الشهير منذ عصر الدولة العباسية حينما كان اسمه سوق الوراقين إلى وقتنا الحاضر حيث تعج بالمئات من المكتبات التي تعرض آلاف العناوين، ومنها كتب وإصدارات كانت محظورة التداول وممنوعة في حقبة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فضلاً عن باعة الأرصفة؛ حيث يفترش أصحابها آلاف العناوين ومن طبعات نادرة إضافة إلى إقامة المعارض الفنية والمجالس الثقافية ومنابر التعبير عن الرأي والمعارض الفنية والمقاهي والمنتديات الثقافية.
الحاج محمد الخشالي، صاحب مقهى الشابندر، قال لوكالة الأنباء الألمانية: «تغيرت أسماء هذا الشارع أكثر من مرة منذ تأسيسه في زمن الدولة العباسية (132 - 656 هجرية) فقد بدأ بـ(درب القلغ) و(سوق السراي) وشارع (حسن باشا)، وسبب تسميته حسن باشا لأن القائد العثماني حسن باشا فتحه أول مرة ليكون مسلكا يذهب من خلاله إلى جامع السراي وفي زمن العثمانيين تحول اسمه إلى (الأكمك خانة) وأخيرا سماه الملك غازي عام 1932 باسمه الحالي شارع المتنبي».
وأضاف صاحب أقدم وأشهر مقهى في شارع المتنبي: «كان شارع المتنبي يضم كثيرا من العيادات الطبية ومحال الأسواق المنزلية والبقالة، ولكن في عام 1955 وبسبب انتعاش الحركة التجارية التي صاحبها نشاط تجارة الكتب، فقد تحول بيع الكتب من السراي إلى المتنبي وهُدمت كل المحال القديمة لتحل محلها عمارات ومطابع ومحلات لبيع الكتب».
وبجوار شارع المتنبي يقف شامخا مبنى القشلة أو «قاشلاق» أي المعسكر الشتوي الذي بني في عهد الدولة العثمانية على ضفاف نهر دجلة عام 1852 على أركان السراي في زمن الوالي مدحت باشا الذي بناها من طابق واحد؛ حيث تم هدم سور بغداد وأخذ طابوقه لبناء القشلة وساعته الشهيرة التي كانت تدق لإيقاظ الجنود.
وقال الخشالي: «تم تتويج الملك فيصل الأول ملكا على العراق في مبنى القشلة الذي أسس بدوره خمس وزارات في هذا الشارع، وهي: العدلية والداخلية والمعارف والأشغال والمواصلات، وأضاف إليهم مجلس الوزراء فأصبح مركز الحكومة الملكية في هذا الشارع التي استمرت إلى 14 يوليو (تموز) عام 1958 إذ انتقلت الحكومة من هذا الشارع وأهملت تلك الأبنية بعد انبثاق العهد الجمهوري».
وشغلت أبنية القشلة لعدة دوائر ومدارس حسب الحاجة إليها إلى أن تحولت إلى بناية حاكم التحقيق وكتاب العدول ثم تركت وهدمت بعد عام 2003 من قبل السراق والمخربين إثر حوادث السلب والنهب التي رافقت حرب الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
وتعرض شارع المتنبي في الخامس من مارس (آذار) عام 2007 إلى تفجير بسيارة مفخخة تسببت بتفجير أبنية الشارع بشكل كامل وأصبح ركامًا واحترقت آلاف الكتب وعشرات المطابع ومقتل نحو 70 شخصًا في مشهد مأساوي لا يزال المثقفون في العراق يتذكرونه بمرارة وسارعت الحكومة العراقية بإعادة أعمار شارع المتنبي من قبل وزارة الثقافة ووزارة البلديات ومجلس محافظة بغداد وأُعيد افتتاحه عام 2008 بحلة جديدة وأضيف إليه رمزه الشاعر المتنبي بنصب جديد من البرونز الذي أقيم قريبا من نهر دجلة.
وزادت المحطات الثقافية بعد عمليات الإعمار تلك، إذ قامت محافظة بغداد بإعادة تأسيس المركز الثقافي البغدادي المقابل لمبنى القشلة الذي ضم عدة قاعات حملت أسماء أعلام العراق وفنانيه وخصصت للندوات والمهرجانات الفنية والثقافية والأصبوحات الشعرية والمعارض الفنية المختلفة.
كما أعيد إعمار مبنى القشلة وأصبح ملتقى لكثير من منظمات المجتمع المدني والشباب والشعراء ممن يجتمعون ليطرحوا أفكارهم التنويرية والتوعوية وكذلك لإقامة المعارض الفنية التشكيلية وقد يحبذ كثير من رواد المتنبي الجلوس على ضفاف دجلة أو التجوال بواسطة الزوارق استكمالا لجولتهم.
ويعد مقهى الشابندر واحدًا من أشهر معالم هذا الشارع الذي كان يرتاده كبار الشعراء والمثقفين والأدباء والصحافيين في العراق والعالم العربي وما زال يمثل أحد معالم الشارع.
وقال الحاج الخشالي: «لقد بنى الحاج محمود الشابندر هذه البناية في شارع المتنبي لتكون مطبعة في عام 1910 على غرار مطبعة مدحت باشا وبعد أن انتعشت الطباعة فيها عام 1914 تم اتهام محمود الشابندر بالتحزب السياسي ضد الحكم آنذاك ونفي إلى خارج العراق وسرعان ما أسقطت عنه التهمة وألغي قرار نفيه ليعود ويحول المطبعة إلى مقهى عام 1917».
وأضاف: «المقهى دمر خلال انفجار عام 2007 واستشهد خمسة من أولادي ولكن أعيد ترميمه مع عمليات الترميم التي حظي بها شارع المتنبي، وهذا الشارع بعدما كان شارع المثقفين والكتب أصبح إضافة لذلك شارع الفعاليات والتظاهرات وربما هذه التظاهرات والفعاليات جعلت تجارة الكتاب تتراجع قليلاً».
وقال السيناريست والمخرج العراقي علي زامل: «أنا أرتاد شارع المتنبي بشكل متواصل منذ أكثر من 10 سنوات كونه أقدم معرض لبيع الكتب النادرة في العراق وأصبح اليوم ملتقى للنخب الثقافية ومسرحا للعروض الفنية والتباحث في المشكلات التي يتعرض لها العراق». وأضاف: «في كل أسبوع أكون مهيأ لتقديم شيء جديد أنا وزملائي الذين أتواصل معهم ونحن الآن بصدد الترويج لتقديم فعاليات الأفلام القصيرة للشباب في شارع المتنبي ونتوقع مشاركة 10 أفلام الأسبوع المقبل ونتوقع الزيادة».
وتقول السيدة بان فرات الجواهري إن «شارع المتنبي بالنسبة لي هو الرئة التي أتنفس من خلالها فهو شارع يروي قصصًا للأجيال ومنتدى ثقافي متجدد ومتطور، وهذا ما يجعله اليوم محط إعجاب الجميع». وأضافت: «إن شارع المتنبي عبر السنوات الماضية كان شارع نخبوي يرتاده كبار المثقفين والشعراء والسياسيين والإعلاميين، أما اليوم فقد أصبح منتدى للجميع ونحرص على مشاركة جميع الزملاء الشعراء والكتاب والسينمائيين لحضور احتفالاتهم».
وذكرت الجواهري: «شارع المتنبي أصبح منبرًا للكلمة الحرة الشريفة بعيدًا عن الطائفية ويعكس معاناة الشعب والدعوة إلى بناء عراق متجدد».
واكتسب شارع المتنبي أهميته من المطابع التي يضمها والمكتبات العريقة؛ إذ توجد فيه أول مطبعة تعود إلى القرن التاسع عشر وتضم مكتباته كتبًا ومخطوطات نادرة، ومن أهم مكتباته الأولى مكتبة المثنى والنهضة والمكتبة العصرية، وكذلك كثير من دور النشر، فضلا عن أقدم المجلدين وأول مزاد للكتب في بغداد الذي أسسه الراحل نعيم الشطري؛ إذ كان يصدح ذلك الرجل منذ أول صباح الجمعة حتى الظهيرة معلنًا عن أمهات الكتب وأسعارها.
ولا تجري عمليات بيع وشراء الكتب في شارع المتنبي بشكل كبير إلا يوم الجمعة؛ إذ قد تختفي بعض الكتب طيلة أيام الأسبوع ولا تظهر إلا يوم الجمعة حيث يجتمع عدد كبير جدًا من المثقفين والطلاب والمهتمين والباحثين، وقد كانت هذه السوق يومًا تمثل قِبلة للسياح والأجانب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».