أفلام عن ستيف ماكوين وأورسون ولز والهولوكوست

فيلم جديد عن حياة الرئيس الأسبق رونالد ريغان

اللقطة الأخيرة من «آن» فيلم افتتاح (نظرة ما)
اللقطة الأخيرة من «آن» فيلم افتتاح (نظرة ما)
TT

أفلام عن ستيف ماكوين وأورسون ولز والهولوكوست

اللقطة الأخيرة من «آن» فيلم افتتاح (نظرة ما)
اللقطة الأخيرة من «آن» فيلم افتتاح (نظرة ما)

على الرغم من التقدير العالمي الكبير الذي يحيط بمغني البلوز بي بي كينغ، الذي رحل عن 89 سنة يوم أول من أمس (الخميس) فإن أحدًا في مهرجان «كان» العاجق لم يتوقف كثيرًا عند هذا النبأ وسط انشغال الحاضرين بكل ما يحيط بالسينما من شواغل وجوانب جاءوا لإنجازها مستغلين المهرجان بأسره بوصفه سوق عمل مندفعة ومتنافسة.
بي بي كينغ أحد ثلاثة زعماء للبلوز الأميركي لجانب ألبرت كينغ وفريدي كينغ (كلاهما رحل عن دنيانا في مناسبتين متباعدتين) وكان أشهرَهم هو وغيتاره لوسي التي غنى لها كما لم يشُب «البلوز» من عواطف وأحزان و«أحيانا» أفراح أيضًا.
لكن الأفلام التي تتحدث عن الشخصيات الفنية موجودة في «كان» تقدّمها في اليوم نفسه فيلم «أورسون وَلز: ظلال وأضواء» للفرنسية إليزابيث كابنيست. تسجيلي من 56 دقيقة (يصلح للعرض التلفزيوني) من إنتاج فرنسي - ألماني مشترك يحيط بحياة وأعمال وَلز وهنا مشكلته الأولى.
أورسون وَلز من بين أكثر المخرجين الأميركيين الذين تناولتهم المقالات الصحافية والدراسات والمؤلفات وبعض الأفلام. لجانب ألفرد هيتشكوك وجون فورد ووودي ألن، وقلة أخرى، حضر وَلز السينما كموضوع عمل أكثر مما حقق أفلاما كاملة في حياته أو يكاد. هذا الفيلم لا يفعل الكثير لا في سبيل عرض ظلال مهنة المخرج الذي يحتفي به ولا في سبيل تسليط أضواء جديدة على حياته وأعماله، مكتفيًا بإعادة توليف ما ورد من معلومات على نحو يحافظ فيه على التسلسل الزمني لوقوع كل شيء: نشأته، تحقيقه الفيلم الأول («المواطن كين»، 1941) ثم انطلاقه منه. تجنّبت هوليوود التعامل مع استقلاليّته والأفلام التي أنجزها وتلك التي بدأها ولم يستطع إنجازها. يستطلع الفيلم آراء ثلاثة معنيين هم الممثل والمخرج هنري جاغلوم (الذي وضع وَلز في بعض أعماله) والناقدان - الباحثان جوزف ماكبرايد وديفيد تومسون، وكل منهما وضع كتابًا أفضل شأنًا مما يستطيع هذا الفيلم الذهاب إليه.

سيرة حياة
الفيلم الثاني لم يعرض بعد لكنه عازم على إثارة الاهتمام كونه أول فيلم غير تلفزيوني عن الممثل ستيف ماكوين. نجم «الكوول» كما يسمونه الذي دائمًا ما آثر أقل قدر ممكن من الانفعال ونفذ عبر ذلك إلى ترك بصمة واضحة بين كل أترابه من الممثلين.
والسير الذاتية جزء كبير من عالم اليوم، وصباح أمس (الجمعة) تم الإعلان عن مشروع فيلم عن حياة الرئيس الأسبق رونالد ريغان الذي، مثل غريس كيلي وكلينت إيستوود وأرنولد شوارتزنيغر، كانت له قدم في السياسة وقدم في السينما، ولو أن الأولى سبقت. الفيلم سيجلب بعض الأحداث السابقة حول العلاقة بين روسيا وأميركا وكيف تجنبت الدولتان المزيد من الحرب الباردة في البداية وصولا إلى انهيار النظام الشيوعي في روسيا بالكامل على أيام ريغان الذي اعتبر أن هذا أفضل إنجازاته.
البحث كان جاريًا حول من يلعب الرئيس السوفياتي ليونيد برجنيف، وانتهى بتعيين ممثل أدوار الشر الأميركي روبرت دافي، علما بأن شبه الملامح هو آخر ما يمكن أن يجمع بين الشخصيّتين. أما الممثل الذي سيلعب دور ريغان فما زال قيد البحث.
على صعيد الأفلام كانت هناك عودة يوم أمس إلى سينما الهولوكوست من خلال فيلم «ابن شاوول» وهو الفيلم الأول لمخرجه لازلو نَمَس الذي مهّد لحضوره بالتذكير بأنه كان مساعدًا للمخرج المجري بيلا تار في أكثر من عمل.
«ابن شاوول» يختلف، في أسلوبه وفي اهتماماته، عن أفلام تار: عمل يلهث بكاميرته وبشخوصه في ساعة ونصف الساعة من العرض المتواصل لحالة واحدة: اليهودي شاوول الذي يعمل في المحرقة (وقد يؤول إليها لاحقًا؛ إذ يخطط النازيون لزجه ومئات الآخرين من أمثاله للموت أسوة بالألوف التي سبقته) ويكتشف جثّة ابنه. سيحاول البحث عن «راباي» بين أعداد المقبوض عليهم لإنقاذه حتى يؤدي الصلاة عليه. المشكلة ليست في الموضوع (ولو أن أحداثه مرصوصة على نحو يخترق القابلية للتصديق) بل في ذلك المنوال من الإخراج الذي يُترجم إلى مشاهد متلاحقة من الصوت «المضج» والصور من دون وقفات درامية أو تصاعد حدثي فعلي. يضع المخرج في شريط الصوت كل ما يمكن أن يتناهى من زعيق وصريخ وأصوات آلات ووقع أقدام وصوت لهيب بعضه مع بعض ليزيد من التأثير، وفي الصورة تحمل الكاميرا نفسها وتطارد بطلها الذي تتكرر مواقفه ومواقف الآخرين حياله. شاوول يُقاد طوال الوقت من قبل يهود كما من قبل ألمان بالإمساك برقبته أو بأعلى معطفه وجره. بعد حين لا تكترث.
في المقابل فيلم افتتاح «نظرة ما»، وعنوانه «آن» لناوومي كاواسي هو المضاد الكامل. هادئ جدًا. لا أحد يصرخ فيه وحكايته تتطوّر تحت سطح ما يدور لتتحدّث عن طباخ الحلوى الذي تساعده امرأة مصابة بمرض الجذام. التعاون يسفر عن نجاح باهر سريعًا ما يضمر عندما يكتشف الزبائن مرضها فيمتنعون. لكن موضوعه الأساسي يتجاوز، كعادة المخرجة، الحكاية الماثلة. هي ليست سوى منصّة للبحث في روحانيات الطبيعة والأنفس البشرية. وكل ذلك وصولاً إلى لقطة ختامية موحية لذلك الطبّاخ وقد ترك المطعم الصغير وأنشأ لنفسه ركنًا في الحديقة العامّة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».