«العائدون»... دراما مخابراتية تواكب «مواجهة التطرف»

نقاد نوهوا بمواقع تصوير المسلسل المصري

أمير كرارة في لقطة من مسلسل «العائدون»
أمير كرارة في لقطة من مسلسل «العائدون»
TT

«العائدون»... دراما مخابراتية تواكب «مواجهة التطرف»

أمير كرارة في لقطة من مسلسل «العائدون»
أمير كرارة في لقطة من مسلسل «العائدون»

أصبحت المسلسلات المأخوذة من ملفات أجهزة المخابرات طَبَقاً أساسياً على مائدة رمضان في الدراما المصرية، خلال السنوات الأخيرة، نظراً لما تحققه من مشاهدات عالية وما تنطوي عليه من جاذبية وتشويق، بالإضافة إلى بعدها الفني الإنتاجي، والوطني، حيث تعرض قصصاً حقيقية لنماذج بطولية تعمل في الظل من أجل حماية الوطن من المخربين والأعداء.
ويعد مسلسل «رأفت الهجان»، إنتاج عام 1988، بمثابة جوهرة التاج في هذا النوع من الدراما إذ حقق بأجزائه الثلاثة شعبية واسعة، رغم ضعف الإمكانات آنذاك، إلا أن أسماء رائدة توفرت له ضمن فريق صناعه، مثل صالح مرسي مؤلفاً، ويحيى العلمي مخرجاً، وعمار الشريعي موسيقاراً، ومحمود عبد العزيز ممثلاً. ويحكي المسلسل قصة زرع المخابرات المصرية للمواطن «رفعت الجمال» داخل المجتمع الإسرائيلي، وكيف كان كنز معلومات لا ينضب، كما كان له دور فعال في التمهيد للنصر في حرب أكتوبر (تشرين الأول) المجيدة.
وتعتبر د. دعاء أحمد البنا، أستاذة الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام، بكتابها «دراما المخابرات وقضايا الهوية الوطنية»، أن الفن والسياسة بمثابة وجهين لعملة واحدة، مشيرة إلى «أن للفن دورا أساسيا في تعميق الهوية الوطنية وغرس قيمة الانتماء لدى الأجيال الجديدة من خلال استعراض قصص البطولة، والتضحية من أجل الوطن لا سيما حين تتكامل في المسلسل عناصر الكتابة الجيدة والتصوير البارع والأداء التشخيصي المبهر».
ويعد مسلسل «العائدون» الذي يعرض ضمن ماراثون رمضان الحالي، أحدث محطة في قطار دراما الاستخبارات بنسختها المصرية التي كان من أبرزها «دموع في عيون وقحة» للنجم عادل إمام، إنتاج 1983، و«الحفار» 1996 لحسين فهمي، وبعد فترة من الانقطاع، عادت تلك الدراما بقوة أخيراً من خلال «الزيبق» لكريم عبد العزيز 2017، ومن ثم «هجمة مرتدة» رمضان الماضي.


أمينة خليل في لقطة من العمل

ويحمل «العائدون» عدداً من السمات الجديدة، التي طرأت على عالم دراما الاستخبارات في هذا السياق، فالعدو الذي تنفذ العمليات ضده سواء على أرضه أو عبر بلاد محايدة، لم يعد بالضرورة إسرائيل، فقد تحول «الإرهاب» إلى خطر جديد، ويكاد يتسع قوس المواجهة معه باتساع العالم، أيضاً لم يعد بطل العمل مواطناً مصرياً يقوم بعملية خداع طويلة ومعقدة لجهاز «الموساد» الإسرائيلي ويوهمه بأنه عميل مزدوج، وإنما البطل الأساسي هو ضابط المخابرات الوطني الذي يجهض العمليات التخريبية في مهدها. وكذلك لم تعد أماكن التصوير محدودة، بل تعددت الخلفيات المكانية بتعدد العواصم الكبرى في أوروبا وآسيا.
ويلعب أمير كرارة دور البطولة في العمل بعد أن بلغ ذروة نجوميته في الجزء الأول من مسلسل «الاختيار 1»، رمضان قبل الماضي، حين جسد شخصية ضابط الصاعقة في الجيش المصري الشهيد أحمد منسي، لكنه يلعب هنا دور ضابط مخابرات مصري مكلف بمتابعة تحركات «العائدين» من تنظيم داعش إلى البلاد العربية وإجهاض مخططاتهم. المسلسل مستوحى من أحداث حقيقية جرت في الفترة من 2018 حتى 2020 حين حاولت بعض الأطراف والجهات إعادة تدوير الإرهاب واستخدام العناصر السابقة في التنظيم المتطرف ليصبحوا مخلب قط تهدد بهم دولاً عربية مهمة على رأسها مصر.
ووفق نقاد، فقد نجح مخرج العمل أحمد نادر جلال، في الحفاظ على الطابع التشويقي بالسيناريو الذي كتبه باهر دويدار، عبر سرعة الإيقاع وتصاعد الأحداث، ووقوع العديد من المفاجآت التي أكسبت المشاهد التي صُورت في الأردن وبلغاريا مصداقية، كما منحت العمل تنوعاً مطلوباً في الكادرات البصرية، واللافت أنه يقدم ثلاثة فنانين عرب للمرة الأولى في الدراما المصرية، وهم السوريان محمد الأحمد ورشا بلال، واللبناني جنيد زين الدين.
ويؤكد مؤلف المسلسل باهر دويدار، أن العمل يرصد ملحمة مصرية وطنية لاختراق وإحباط أخطر تنظيم إرهابي تمت رعايته من بعض الأطراف، إذ كانت مصر سباقة مقارنة بدول أخرى في سرعة إجهاض هذه المخططات، مشيراً إلى أن اتساع رقعة الأحداث لتشمل العديد من البلدان العربية والأوروبية شكّل تحدياً وعبئاً كبيرين عند تنفيذ مثل هذا العمل.
ويضيف في تصريح خاص إلى «الشرق الأوسط» قائلاً: «يكشف المسلسل بوضوح كيف أن دولاً وأجهزة وميزانيات ضخمة تقف وراء الإرهاب الذي يستهدف المنطقة العربية على نحو خاص».
مسلسل «العائدون» الذي يعرض على قناة (DMC) المصرية، من بطولة أمير كرارة، وأمينة خليل، ومحمود عبد المغني، ومحمد الأحمد، ورشا بلال، وميدو عادل، وإسلام جمال، ونبيل عيسى، وجيهان خليل، ومحمد عز، ومن تأليف باهر دويدار، وإخراج أحمد نادر جلال.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».