تساؤلات بشأن تأثير المقاطع القصيرة على «صُناع المحتوى»

تساؤلات بشأن تأثير المقاطع القصيرة على «صُناع المحتوى»
TT

تساؤلات بشأن تأثير المقاطع القصيرة على «صُناع المحتوى»

تساؤلات بشأن تأثير المقاطع القصيرة على «صُناع المحتوى»

أثيرت تساؤلات عدة بشأن مساهمة المقاطع المختصرة «الريلز» في تعزيز صناعة المحتوى، بعدما فتحت ميزة «الريلز» على «فيسبوك» و«إنستغرام» نافذة جديدة للمؤسسات الإعلامية لجذب مزيد من الجمهور. ويرى مراقبون أن «تقديم محتوى إخباري من خلال فيديو مدته قصيرة يعد تحدياً، ليس فقط على مستوى عمق الخبر؛ بل أيضاً لجهة السرعة والجودة والدقة، وجميعها تحديات يستوجب تذليلها أولاً».
الاتجاه للمقاطع المختصرة دفع خبراء في الإعلام ومتخصصين إلى «تأكيد أن (الريلز) أو المقاطع المصورة المختصرة، هي المستقبل، وأن الفيديو القصير هو الأكثر جذباً؛ لأنه لا يقتصر على تقديم معلومة فحسب؛ بل يوصلها للمتلقي في قالب مألوف له». وأشار بعضهم إلى أنه قد تكون «ميزة (الريلز) وسيلة مفيدة لـ(صُناع المحتوى) أفراداً كانوا أو مؤسسات»؛ لكنهم ربطوا ذلك بـ«ضرورة توفر المعلومة بشكل مُكثف ودقيق».
وأطلقت «ميتا» ميزة المقاطع القصيرة «الريلز» على تطبيق «فيسبوك» نهاية فبراير (شباط) الماضي، وتمت إتاحة الميزة من خلال التطبيقات على «iOS» و«Android». وسبق أن حصلت «إنستغرام» على هذه الميزة في أغسطس (آب) عام 2020.
ووفق شركة «ميتا» يتمكن مستخدمو «فيسبوك ريلز» من «(إعادة مزج) مقاطع فيديو الآخرين، ورفع مقاطع تصل مدتها إلى 60 ثانية. وتماماً كما هو الحال مع (إنستغرام ريلز) سوف يتمكنون أيضاً من حفظ المسودات».
«ميتا» أشارت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى أن «ميزة (الريلز) لا تقتصر على الأفراد، بينما هي فرصة جديدة أمام غرف الأخبار لتقديم خبر مختصر ودقيق يُناسب جيل الألفية الذي يشكل القاعدة الأكبر من الجمهور المستخدم للإعلام الرقمي». وأضافت: «بالفعل ثمة مؤسسات إخبارية كبرى انطلقت نحو استخدام هذه الميزة، وساهم في ذلك مشروع (فيسبوك الصحافي) بالتعاون مع (معهد رينولدز للصحافة)».
فادي رمزي، مستشار الإعلام الرقمي، المحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، قال إن «(الريلز) أو المقطع المصور المختصر، هو القادم لا محالة؛ لأننا نلبي احتياجات جيل (زي) أو جيل الألفية الذي شبّ على المحتوى الرقمي المختصر والمُكثف. هذا النمط هو الذي دفع بتطبيق (تيك توك) إلى الصدارة، ثم اتجاه عمالقة التطبيقات: (يوتيوب) و(إنستغرام) و(فيسبوك) إلى ميزة الفيديو المختصر».
وأضاف رمزي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «بات الفيديو القصير هو الأكثر جذباً؛ لأنه لا يقتصر على تقديم معلومة فحسب؛ بل يوصلها للمتلقي في قالب مألوف له».
أما رامي الطراونة، رئيس وحدة المنصات الرقمية في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية، فقال إن «التطبيقات نفسها تدعم ميزة الفيديو المختصر (الريلز) وتعزز فكرة استخدامه من قبل (صُناع المحتوى) سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات». ويعزز هذا الرأي تأكيد آدم موسيري، رئيس «إنستغرام»، في يونيو (حزيران) من العام الماضي، على «سرعة نمو وانتشار الفيديوهات القصيرة». وقال حينها: «يقود الفيديو القصير قدراً هائلاً من النمو عبر (الإنترنت) لجميع المنصات الرئيسية في الوقت الحالي، وهو أمر أعتقد أننا بحاجة إلى المزيد منه».
حقاً فقد قدم «يوتيوب» العام الماضي دعماً مادياً لتحفيز «صُناع المحتوى» على استخدام ميزة «الشورتس» وهي الميزة الموازية لـ«الريلز»، بقيمة 100 مليون دولار، من خلال دفعات فردية تتراوح ما بين 100 دولار إلى 10 آلاف دولار بناءً على التفاعل مع مقاطع الفيديو القصيرة.
وحول أسباب رواج الفيديوهات القصيرة، يقول الطراونة لـ«الشرق الأوسط»، إن «مرتكز (صُناع المحتوى) في اختيار النمط المناسب، يعتمد على فترة الانتباه التي يستمر فيها المتلقي في المتابعة، والتي كانت تُقدر منذ سنوات بـ10 دقائق، بينما الآن نتحدث عن 4 ثوان فقط، ما يعني أن قدرة (صُناع المحتوى) على اقتناص انتباه المتابع تتقلص يوماً بعد يوم، بحكم الزخم الواقع الآن، ومن ثم جاءت ميزة (الريلز) كوسيلة مفيدة لصُناع المحتوى أفراداً كانوا أو مؤسسات؛ لكن بشرط أن توفر المعلومة بشكل مُكثف ودقيق».
وحول اتجاه الصحف للمحتوى المرئي، يشرح فادي رمزي فيقول إن «اتجاه الصحف للمحتوى المرئي لا يعني زوال المحتوى المقروء؛ لكن قد يتأثر نسبياً لصالح أنماط التكيف مع وسائل التواصل الاجتماعي، وستظل الكتابة هي الأصل والمرتكز وإن تنوعت الأدوات».
هنا يرى الطراونة أن «كافة أشكال المحتوى، سواء كان مرئياً، أو مقروءاً، أو صوتياً، أو حتى صحافة البيانات و(الإنفوغراف)، مُجرد أدوات، وإن لم تكن المؤسسة قادرة على توفير معلومة موثوقة ووافية، فلا يمكن لها أن تخرج بشكل لائق. والأصل في تقديم المحتوى هو الكتابة، وعلينا أن نتعامل مع حقيقة أن الصحف قبل المحتوى الرقمي لديها إرث لا يمكن التخلي عنه، وعليها بناء قيمة مضافة مرتكزة على هذا الإرث، من خلال أدوات عصرية».
بالفعل، أشار التقرير السنوي حول مستقبل الإعلام الرقمي لمعهد «رويترز» للإعلام، التابع لجامعة أكسفورد، إلى أن «عام 2022 سيكون عام الدمج الدقيق لصناعة الأخبار التي تأثرت بسبب جائحة (كوفيد-19)». ولفت إلى أنه في «العامين الماضيين غرقت الصحافة في الأجندة الإخبارية الكثيفة والمتلاحقة، وكذلك النقاشات المستقطبة حول السياسة والهوية والثقافة، وقد يكون هذا هو العام الذي تأخذ فيه الصحافة نفَساً، وتركز على الأساسيات وتعود أقوى».
ويقول رمزي، في هذا الإطار: «إننا أمام عام من تنوع إنتاج المحتوى الرقمي، مثل إنتاج محتوى صوتي و(رسالة إخبارية) معدة خصيصاً لجمهور مواقع التواصل الاجتماعي». ويضيف: «كذلك سوف نرى كثيراً من التحول نحو الفيديوهات القصيرة من قبل المؤسسات الصحافية العالمية، استكمالاً لاتجاه انطلق العام الماضي».
من جانبه، قال الطراونة إن «الصحافي المتمكن والمهني لن يتأثر سلباً بوتيرة التغيير، بينما سوف يتصدرها بإمكانات ومكتسبات جديدة». ويشير إلى أن «رحلة تطور المحتوى من المنتديات إلى (تيك توك) يعكس تطور صناعة المحتوى بمحطاته المختلفة؛ لكن هذا الأمر يتطلب مزيداً من المرونة والتكيف بما لا يخل بهوية مهنة الصحافة، على أن تبقى المصدر الأول للمعلومة الدقيقة».
ويرى رمزي أن «إضافة المحتوى المرئي لمنتجات الصحف يضع الصحافي في تحدٍّ، فمهارة الكتابة وحدها لن تصمد كثيراً، بينما نحن أمام الصحافي متعدد المهارات أو ما يطلق عليه بالإنجليزية (one man crew)، من ثم على الصحافيين تطوير مهاراتهم، من خلال التدريب والورش وتثقيف الذات فيما يخص التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي».
في سياق متصل، يقول رمزي إنه «بنظرة فاحصة لجمهور الإنترنت، كانت (بي بي سي) هيئة الإذاعة البريطانية، قد أجرت بحثاً قبل ظهور جائحة (كورونا)، وتوصلت إلى نتيجة باتت نظرية تقود استراتيجيتها لتقديم المحتوى؛ بل وتتخذها مؤسسات صحافية أخرى بعين الاعتبار، ومفادها أن الجمهور على الشبكة العنكبوتية بحاجة إلى 6 أشكال من المحتوى، بينها واحد فقط هو الإخباري في شكله المباشر، بينما هناك ثمة شكل آخر يسمى (اعطني ما وراء الخبر)، وثالث (أطلعني على الاتجاهات المتصدرة)، وجميعها أشكال من المحتوى الذي يخاطب العقل، بينما هناك 3 أشكال أخرى تخاطب العواطف، مثل المحتوى المُلهم، فضلاً عن المحتوى الترفيهي والتعليمي».


مقالات ذات صلة

«الجائزة السعودية للإعلام» تطلق مسار «التميّز» للاحتفاء بالأعمال الوطنية

يوميات الشرق يتوّج مسار «التميز الإعلامي» المنتجات النوعية التي تُصاغ بروح إبداعية وفق أعلى المعايير المهنية (موقع المنتدى)

«الجائزة السعودية للإعلام» تطلق مسار «التميّز» للاحتفاء بالأعمال الوطنية

أطلقت «الجائزة السعودية للإعلام 2026» مسار «التميّز» المخصَّص للاحتفاء بالأعمال التي جسّدت الهوية الوطنية، وارتقت بالرسائل الاتصالية للمناسبات الكبرى في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الرحيل حدث لكنَّ الحضور لم يغب يوماً (الشرق الأوسط)

«عشرون» جبران تويني الذي مضى في طريقه حتى النهاية

كان الاحتفاء بجبران تويني مواجهة متجدّدة مع معنى أن يصرّ أحدهم على قول «لا» في مرحلة انتشرت فيها الـ«نعم» الرخوة...

فاطمة عبد الله (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (أ.ف.ب) play-circle

«تنطوي على خيانة»... ترمب يصف تقارير إعلامية بشأن صحته بـ«التحريضية»

انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشدة وسائل إعلام طرحت تساؤلات حول وضعه الصحي، واصفاً تقاريرها بأنها «تحريضية، وربما تنطوي على خيانة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون (أ.ب)

الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون يعلن أنه سيشتري عقاراً في قطر

أعلن الإعلامي الأميركي المحافظ تاكر كارلسون، الأحد، أنه سيشتري عقاراً في قطر، نافياً الاتهامات بأنه تلقى أموالاً من الدولة الخليجية.

«الشرق الأوسط» (الدوحة)
الاقتصاد شعار شركة «وارنر براذرز ديسكفري» في أحد مكاتبها في كولفر سيتي كاليفورنيا (أ.ف.ب)

حرب الاستوديوهات... «نتفليكس» تُسقط «وارنر براذرز» في أكبر صفقة إعلامية

شهدت هوليوود واحدة من أهم لحظات التحول الاستراتيجي في تاريخها، بعد إعلان شركة «نتفليكس» إبرام صفقة ضخمة للاستحواذ على «وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجلس، نيويورك )

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
TT

بسّام برَّاك... عاشق العربية وحارسها أوصى بتكريمها في جائزة

أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)
أوصى زوجته دنيز بإطلاق جائزة خاصة باللغة العربية (الشرق الأوسط)

أقفل الإعلامي اللبناني الراحل بسّام برَّاك باب العربية الفصحى وراءه ومشى. أصدقاؤه وزملاؤه، عندما تسألهم من يرشحون لحمل إرثه، يردّون: لا أحد. حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه. أبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته. ألقابه ترتبط ارتباطاً مباشراً بها، وهي كثيرة. فهو «الأستاذ» و«المعلّم» و«عاشق اللغة» و«حارسها». كثيرون من أهل الإعلام والصحافة يعدّونه شخصية لن تتكرر في لبنان. وكان برَّاك قد رحل بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز الـ53 عاماً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

حالة العشق هذه لم يكن يخفيها عن أحد. يفتخر بإجادة العربية وبالتحدث بها في أي مكان ومناسبة. حتى عندما يحاور أولاده في البيت كان يتكلّم معهم بالفصحى، وهو على يقين بأن زرع بذور العربية في أعماقهم، لا بدّ أن تتفتّح براعمها عند الكبر.

الإعلامية لينا دوغان رافقته في مشوار إعلامي طويل (الشرق الأوسط)

جائزة بسام برَّاك للغة العربية

حلم الإعلامي الراحل بتنظيم جائزة يكرّم من خلالها اللغة المغرم بها. فهو تربّى في منزل يهوى أفراده، من والدين وأخوة، العربية. نشأ على حبها والإعجاب بها. حاول أكثر من مرة إطلاق الجائزة، غير أن ظروفاً عاكسته. وعندما أصابه المرض وبدأت صحته تتراجع، أوصى زوجته دنيز بأن تنفذها بعد مماته.

تقول دنيز لـ«الشرق الأوسط»: «كان يطرب للعربية فيقرأها بنهم، ويتحدث بها بشغف. كانت فكرة الجائزة تراوده دائماً. وعندما مرض أوكل هذه المهمة لي. وسنعلن عن هذه الجائزة في الذكرى السنوية الأولى لوفاته، ونقدمها لمن يستحقها».

المناسبة الثانية التي سيتم تكريم بسام برَّاك خلالها تقام في 18 ديسمبر (كانون الأول)، ويصادف اليوم العالمي للغة العربية. تنظّم مدرسة العائلة المقدسة التي كان أستاذ الصفوف العربية فيها، يوماً كاملاً لاستذكاره.

كان الراحل برّاك يلقب بـ"عاشق اللغة العربية وحارسها" (الشرق الأوسط)

بسام الزميل الخلوق

عندما تسأل أصدقاء الراحل بسام برَّاك عنه تأتيك أجوبة متشابهة، وجميعها تصب في خانة «الزميل الخلوق». يؤكدون كذلك أنه إعلامي متميّز بشدة حبّه للعربية الفصحى.

الإعلامية لينا دوغان التي رافقت برَّاك في مشوارٍ مهني طويل، تعدّه مثلها الأعلى في اللغة العربية. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «كان دقيقاً جداً في ملاحظاته للأخطاء في العربية. فعندما تسمع أذنه أي لفظ أو إلقاء أو خطأ يقترفه مذيع أخبار، يبادر إلى تصحيحه بشكل تلقائي».

وعن التأثير الذي تركه بسام على الذاكرة الجماعية من خلال اللغة، تردّ: «لقد قام بخطوة استثنائية في هذا الخصوص. أطلق مسابقة (الإملاء باللغة العربية). ووضع حجر الأساس للغة نحكيها، ولا نجيد قواعدها ولا كتابة ألفاظها. حتى أنه كان من النادر جداً في المسابقة المذكورة، أن ينجح أحد فيها، مع أن المتسابقين من الطراز الأول، ويتألفون من دكاترة واختصاصيين في العربية، إضافة إلى أدباء ووزراء ونواب».

تروي لينا دوغان أنه لبالغ ولعه بالفصحى، كان يتكلمها مع أطفاله. «تخيلي كان عندما يتوجه لابنه الصغير الذي يؤدي بالفرنسية أغنية طفولية معروفة (Tape les mains) يقول له: (صفّق صفّق). كان حارساً للغة، يعدّها أساسية في هويتنا العربية». وتضيف: «لقد كان إعلامياً مثقفاً جداً ومهذباً، خلوقاً. وهو ما بتنا نفتقده اليوم في مهنتنا».

وعما تعلّمته منه تردّ: «الكثير وأهمها الدقّة في العمل. ولا سيما قراءة النص أكثر من 10 مرات كي أتقّن إذاعته. كما تعلمت منه المثابرة في العمل. فبسام كان يملك تقنية إلقاء مثالية. ومرات كثيرة يرتجل مباشرة على المسرح في مناسبة يطلب منه تقديمها».

الإعلامي جورج صليبي كان رفيق دربه في المهنة وفي حب فيروز (الشرق الأوسط)

فيروز ألهمته فرحل وهو يردد «إيماني ساطع»

علاقة وطيدة كانت تربط بين بسام برَّاك والسيدة فيروز. وكان يردد بأنه عشق العربية من خلالها. كان صوتها يلهمه للبحث في هذه اللغة، وكذلك إتقان مخارج الحروف وعملية تحريك النص. آخر مشوار للقائها، قام به بمناسبة تقديم التعازي لفيروز بوفاة نجلها زياد الرحباني، رافقه فيه زميله وصديقه الإعلامي جورج صليبي. وتشير زوجته دنيز إلى أنه كان على علاقة وثيقة بـ«سفيرتنا إلى النجوم». «كانا يتبادلان الهدايا في المناسبات، ومن بينها ربطة عنق أوصاني بأن يرتديها عندما يرحل. وكان يزورها بين وقت وآخر. أما أغنيتها (إيماني ساطع) فقد بقي يسمعها حتى لحظاته الأخيرة». وتتابع: «صوت فيروز كان يرافقنا دائماً، في البيت كما في السيارة، وفي أي مناسبة أخرى. فلا يتعب ولا يملّ من سماعه وكأنه خبزه اليومي».

ولكن من ترشّح زوجته ليكمل طريق بسام في العربية؟ تجاوب: «في الحقيقة لا أعرف من يمكن أن يحمل هذا الإرث. بسام كان يبدي إعجابه بكثيرين يجيدون العربية الفصحى قراءة ولفظاً، ومن بينهم زملاء كالإعلاميين يزبك وهبي وماجد بو هدير وجورج صليبي ومنير الحافي والمؤرّخ الدكتور إلياس القطار وغيرهم، وجميعهم ضليعون بالعربية ويحبونها».

أصدر بسّام برَّاك كتاباً واحداً من تأليفه بعنوان «توالي الحبر»، وتضمن صوراً أدبية كثيرة، وضعها تحت عنوان الحبر، ومن بينها «حبر الحب» و«حبر الوطن» و«حبر فيروز». كما كتب مؤلفاً بعنوان «أسطورة المال والأعمال»، يحكي فيه سيرة عدنان القصار كرجل أعمال وسياسي. والجدير ذكره أن الإعلامي الراحل تأثر كثيراً بأستاذه الراحل عمر الزين. فهو من وضعه على سكة الفصحى المتقنة خلال عمله الإذاعي عبر أثير «صوت لبنان». وعندما رحل الزين أوصى بمنح برَّاك مكتبته المؤلفة من مجلدات ومؤلفات عربية، وكذلك من مدونات، وقصاصات، ورقية وخواطر. واليوم يترك بسام خلفه، إرثين، أحدهما يخصه، والآخر ورثه عن عمر الزين.

صداقة وزمالة وذكريات مع بسام برَّاك

كل من عرف الراحل بسام برَّاك عن قرب من زملاء وأصدقاء، يحدثك عنه بحماس. فالإعلامي يزبك وهبي يعتبره نابغة في مجاله، وكذلك زافين قيومجيان الذي قال عند رحيله إن اللغة العربية أصبحت يتيمة، بينما وصفه الرئيس اللبناني العماد جوزيف عون بأنه كان «الصحّ دوماً».

حبّه للعربية الفصحى كان يسري في دمه، فأبحر في مجالها الواسع وغاص في معانيها حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته

من جهته، يقول زميله جورج صليبي الذي بقي على اتصال به حتى لحظاته الأخيرة، بأنه الزميل الصديق والوفي. كانت تربطه به علاقة مميزة، عمرها 33 سنة، منذ عملهما سوياً في إحدى الإذاعات اللبنانية في أوائل التسعينات. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لجيلنا كان الراحل برَّاك مرجعنا الوحيد للعربية. نتصل به ونستفهم منه حول كيفية تحريك عبارة ما. وحتى عن معنى كلمة تصادفنا لأول مرة. كان موسوعة متنقلة للغة العربية. وأعتبره مقاتلاً شرساً في سبيلها».

ويستطرد صليبي: «كان يبالغ أحياناً في اعتماده الفصحى في أي زمان ومكان. وأذكر مرة عندما أهداني ربطة عنق، اتصلت به لأشكره، قال لي: لا نسميها كرافات أو ربطة عنق، بل (الإربة). فلا أحد يضاهيه في ثقافته وغوصه في هذه اللغة».

ترافق صليبي وبرَّاك في حبّهما لفيروز. الاثنان مولعان بها ويحبان أغنياتها ويحضران حفلاتها، فيلحقان بها أينما كانت حتى خلال تقديمها تراتيل كنائسية. «أول حفلة حضرناها معاً لفيروز، كانت في 17 سبتمبر (أيلول) من عام 1994 وسط بيروت. وبقينا نتذكر هذا التاريخ في موعده من كل عام. فيروز كانت تمثّل له العالم الذي يعشقه تماماً، كما اللغة العربية. وحتى عندما كنا نزورها سوياً، كان يخرج من عندها مفعماً بالفرح والإعجاب».

التقاه صليبي قبل 36 ساعة من وفاته: «حزن كثيراً لمصابه، فمرضه العضال أفقده القدرة على النطق. وهو ما كان يعدّه النقطة الأساسية في مهنته. فكان يحزّ في قلبه كثيراً هذا السكوت الذي ابتلي به وفُرض عليه. المرض أفقده صوته وشغفه بالإلقاء. وكان يعبّر عن هذا الأمر بلوم وعتب. وفي آخر لقاء معه كان شبه فاقد لوعيه، ولا أعرف إذا ما كان يسمعني، أخبرته عن ذكرياتي معه، وعن فيروز وأمور أخرى يحبها».

أما عن إرث بسام برَّاك اللغوي والأدبي، فيعلّق صليبي: «أرشيف غني وضخم، كان يملكه زميلي الراحل بسام. وهو تضاعف بعدما أوصى عمر الزين بتحويل مكتبته الأدبية له بعد رحيله. هذان الإرثان يجب أن يتم الاهتمام بهما من قبل مؤسسة جامعية أو ثقافية، لأن الحفاظ عليهما يفوق قدرة الفرد الواحد».


استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)
TT

استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

شعار «ميتا» (رويترز)
شعار «ميتا» (رويترز)

أثار استخدام شركة «ميتا» للذكاء الاصطناعي في تطبيق «واتساب» معركة قانونية جديدة بين شركة التكنولوجيا الأميركية والاتحاد الأوروبي، لا سيما بعدما أعلنت أوروبا فتح تحقيق مع «ميتا» بشأن احتمال انتهاكها قواعد المنافسة المتعلقة بميزات الذكاء الاصطناعي في «واتساب»، ما اعتبر بحسب خبراء «تصعيداً لنزاع قانوني قائم، وتأكيداً على اتجاه أوروبا لتنظيم مواقع التواصل»، رغم ضغوط الولايات المتحدة، واتهام الرئيس دونالد ترمب لأوروبا بـ«استهداف الصناعة الأميركية بشكل غير عادل».

ووفق المفوضية الأوروبية، فإن «السياسة الجديدة التي أعلنتها (ميتا) قد تمنع مزودي خدمات الذكاء الاصطناعي الخارجيين من تقديم خدماتهم عبر (واتساب)، ما يعد إساءة استخدام لوضع مهيمن». وقالت نائبة رئيسة المفوضية الأوروبية المسؤولة عن المنافسة، تيريزا ريبيرا، في بيان صحافي الأسبوع الماضي، إن «بروكسل تريد ضمان استفادة المواطنين والشركات بشكل كامل من الثورة التكنولوجية المتعلقة بزيادة استخدام الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال منع أصحاب المراكز المهيمنة من استغلالها لإقصاء المنافسين».

ويتيح «واتساب» حالياً للشركات التواصل مع العملاء على التطبيق، وبعض هذه الشركات يستخدم تقنيات ذكاء اصطناعي لإجراء المحادثات، لكن مع القواعد الجديدة التي أعلنتها «ميتا» فإن هذه الشركات قد لا تستطيع استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي طورتها، ما يصب في صالح خدمة «ميتا إيه آي». لكن «واتساب» ترى أن «انتشار روبوتات الدردشة عبر التطبيق يثقل كاهل أنظمته غير المصممة لتحمل هذا العبء، ولذلك كان ينبغي الإعلان عن تغييرات»، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، رأى أن «هذا التحقيق جزء من صراع قانوني متصاعد بين الاتحاد الأوروبي وشركات التكنولوجيا الكبرى وعلى رأسها (ميتا)». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الصراع متعلق بأمور عدة؛ من بينها حماية البيانات الشخصية للمستخدمين، ومنع المحتوى المسيء، واستخدام الذكاء الاصطناعي».

وقال إن «استخدام الذكاء الاصطناعي يضر بالخصوصية، ويتيح معالجة كم هائل من البيانات في وقت قصير»، مرجحاً استمرار تصاعد الصراع القانوني بين الاتحاد الأوروبي و«ميتا».

وكانت «ميتا» قد بدأت في مارس (آذار) الماضي دمج روبوت المحادثة والمساعد الافتراضي «ميتا إيه آي» في تطبيق «واتساب» داخل الأسواق الأوروبية. وفي يوليو (تموز) الماضي، فتحت هيئة مكافحة الاحتكار الإيطالية تحقيقاً بشأن اتهامات لـ«ميتا» باستغلال قوتها السوقية عبر دمج أداة ذكاء اصطناعي في «واتساب»، وتوسع التحقيق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي لفحص ما إذا كانت «ميتا» قد انتهكت قواعد المنافسة والاحتكار.

المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي والصحافي المصري محمد الصاوي قال إن «التحقيق الأخير الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي ضد (ميتا) ليس مجرد خلاف تقني، أو قانوني، بل نقطة تحوّل حقيقية في كيفية تعامل المنظمين مع هيمنة الشركات الكبرى على أدوات المستقبل، وتحديداً الذكاء الاصطناعي». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «محاولة (ميتا) حصر استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها فقط قد تُفهم على أنها محاولة لبناء (بوابة مغلقة) تقيّد الابتكار، وتمنع المنافسة، ما يتنافى مع المبادئ الأساسية التي يحرص عليها الاتحاد الأوروبي». وأشار إلى أن الخلافات القانونية بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) ليست وليدة اللحظة، بل تمتد لسنوات مضت، بدءاً من قضايا حماية البيانات، مروراً بالتحقيقات المرتبطة بالاحتكار واستغلال الهيمنة السوقية، وانتهاءً بالخلافات حول الإعلانات الموجهة، والمحتوى السياسي.

وقال الصاوي إن هذا «النزاع المستمر بين الاتحاد الأوروبي و(ميتا) يحمل وجهين؛ فمن جهة، يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الحماية للبيانات، والخصوصية، وفرض معايير أكثر شفافية على كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. ومن جهة أخرى، قد يتسبب في تقييد بعض الخدمات، أو تعقيد تجربة الاستخدام في حال قررت (ميتا) تقليص بعض المزايا في أوروبا للامتثال للقوانين».


ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».