هي مسرحية لا تشبه غيرها، إن من ناحية موضوعاتها أو في كيفية تقديمها أمام الجمهور. «كلام فاضي» التي ستعرض في 30 من الشهر الحالي، في بلدة دير القمر الشوفية، هي كناية عن عمل فني من نوع مسرح الشارع، يتنقل في محطات مختلفة ضمن البلدة المذكورة. الانطلاقة من «المركز الثقافي» ليلحق بها الجمهور ضمن نقطتين على طرقات وشوارع البلدة. وفي الجزء الأخير منها يتوقف الجمهور في مركز بلدية دير القمر كي يشهد على انتهائها.
المسرحية، من تنظيم «سيناريو للفنون والتعليم» بالتعاون مع جمعية سرمدا؛ وهذه الأخيرة هي التي اختارت نحو 15 شاباً وشابة من منطقة الشوف المحيطة بدير القمر للمشاركة فيها. كتب نصها الشباب أنفسهم، بعدما عرضوا فيها مشكلات وهموماً تواجههم اجتماعياً، وأدارت رغدا معوض إخراج هذا العمل، الذي يستغرق عرضه نحو 70 دقيقة.
ويأتي العرض ضمن نشاطات جمعية «سيناريو» السنوية التي تهدف إلى دعم الأفراد والمجتمعات المهمشة، لاستحداث تواصل مع محيطهم. وقد عملت حتى اليوم مع نحو 67 ألف طفل وشاب وامرأة لتطوير عملية التعلم، مستخدمة المسرح والألعاب لتطوير هذه العملية بالأدوات اللازمة، للتعاون والتفكير بعمق، وكذلك لبناء مهارات قابلة للاستخدام في مجالات عدة.
وتوضح رغدا معوض، مخرجة المسرحية لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «بدأنا في التدريب لهذه المسرحية منذ شهر يناير (كانون الثاني) الفائت. واختير الشبان المشاركون من بلدتي بتلون ودير القمر ومحيطهما. جميعهم لبنانيون ما عدا واحد منهم، سوري الجنسية. كنا نمضي نحو 4 ساعات يومياً للتمرينات على نصوص كتبوها بأنفسهم، وجمعناها لتشكل قصة بعد غربلتها».
يتطرق العمل إلى فكرة عدم تقبل الآخر، عندما يكون من غير مجتمعنا الضيق. وهو الأمر الذي يولد مرات، عداوة بين الأشخاص من الطرفين. كما يحكي عن الطائفية وتداعياتها على المجتمعات، مركزاً على الزواج المدني والأحوال الشخصية، التي تختلف بين طائفة وأخرى، ما يولّد مشكلات عديدة بين الناس، كما تذكر معوض. وتتابع: «كل هذه الموضوعات إضافة إلى الفساد، الذي يمارسه الناس، تيمناً بالنظام الذي يحكمهم على هذه القاعدة، نتناولها في المسرحية».
يشارك في «كلام فاضي» مجموعة من الشباب والشابات اللبنانيين
الشباب المشاركون في العمل ليسوا ممثلين محترفين، وهو ما أضفى التلقائية والطبيعية على أحداث المسرحية. تضيف معوض: «كان العمل ممتعاً مع مجموعة الشباب المشاركين في (كلام فاضي). ولعل عدم ممارستهم لمهنة التمثيل من قبل، سوى في أعمال فنية ضيقة، جعلت أداءهم مباشراً وتلقائياً. وقد حبكنا القصة بشكل يترجم أفكار هؤلاء الشباب التي كتبوها للمسرحية».
لماذا «كلام فاضي»؟ ترد معوض: «لأن الكلام هو أكثر ما نسمعه مؤخراً، في بلد يحتاج إلى الأفعال. من هنا جاءت هذه التسمية، سيما أن العرض مليء بالثرثرات ويتلون بأغنية تحمل الاسم نفسه».
ينطلق العمل من «المركز الثقافي الفرنسي» بالتعاون مع «سيناريو» لإنجازه. وتقول معوض: «هذا المركز كان في الماضي يمثل سوق دير القمر القديمة. ستفتتح المسرحية على هذا المشهد، حيث سنرى الممثلين في هذه السوق يتحدثون، والجمهور يقف معهم ويتابعهم عن قرب».
ومن ثم ينتقل الممثلون كما الجمهور إلى خارج السوق، ويتوقفون في شارعين من البلدة لتقديم مشهدين مختلفين. وبعدها تكمل المسرحية مشوارها مباشرة إلى مركز البلدية، الذي كان في أيام الأمير بشير الشهابي كناية عن محكمة.
«هنا تكون نقطة النهاية للمسرحية حيث يدافع الممثلون عن قضاياهم، وتغلف خطاباتهم بالصراحة والعدالة، في طريقتهم لمواجهة الفساد السائد في بلادهم. وسيكون للمشاهدين رأيهم في دفاعات الممثلين عن قضاياهم، ضمن محكمة فاسدة ومتواطئة بدورها مع النظام».
ياسمين إحدى المشاركات في «كلام فاضي»، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «استمتعت بمشاركتي في هذه المسرحية، وكانت تجربة مميزة، انعكست إيجاباً على شخصيتي، خصوصاً أنها من نوع مسرح الشارع. هذا التواصل المباشر مع الناس ولّد قوة في داخلي، استفدت منها على الصعيدين المهني والخاص. ومن الجميل أن تشعري باهتمام الجمهور في هذا النوع من المسرحيات، يلحق بك كيفما تنقلت». وعن طبيعة دورها تقول: «أجسد شخصية فتاة تثرثر وتتبادل النمائم، مع صديقتها على أهل القرية حيث تسكن. الدور خفيف الظل وجميل في الوقت نفسه».
أما خلدون، الذي يقدم دور الشاب المغرم بفتاة من طائفة مختلفة، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «بداية، رفضت المشاركة في العمل، لم أكن أعرف المهمة الموكلة إليّ. ولكن، بعد تعرفي على جميع المشاركين فيه، أعجبت بالفكرة، ونشأت بيني وبينهم صداقة جميلة. نحن في منطقة الشوف، لا نملك مسرحاً حقيقياً أو تجارب تذكر في هذا المضمار. جاءت هذه الفرصة لتولّد فينا الحماس للعمل المسرحي. كما أن مسرح الشارع الذي يرتكز على هذا التواصل المباشر مع الناس، يغني هذه التجربة، ويطبعها بالاختلاف عن غيرها من الأعمال التي تعرض على الخشبة».