مهرجان «فاس للموسيقى الروحية» في نسخته الـ26: جولة عبر العالم

محوره للعام 2022: «العلاقة بين الهندسة المعمارية وما هو مقدس»

جانب من مهرجان فاس للموسيقى الروحية في نسخته السادسة والعشرين
جانب من مهرجان فاس للموسيقى الروحية في نسخته السادسة والعشرين
TT

مهرجان «فاس للموسيقى الروحية» في نسخته الـ26: جولة عبر العالم

جانب من مهرجان فاس للموسيقى الروحية في نسخته السادسة والعشرين
جانب من مهرجان فاس للموسيقى الروحية في نسخته السادسة والعشرين

استضاف قصر اللوكسمبورغ في باريس، مقر مجلس الشيوخ الفرنسي، الأسبوع الماضي، في أحد صالوناته التاريخية، اللقاء الذي التأم للإعلان عن قيام إحدى أهم الفعاليات الفنية والفكرية، التي ينظمها المغرب في مدينة فاس العريقة، العاصمة الروحية للمغرب، وهو «مهرجان الموسيقى الروحية» في نسخته السادسة والعشرين. ويعود المهرجان الذي تدوم فعالياته ما بين 9 و12 يونيو (حزيران) المقبل، بعد غياب عامين بسبب وباء «كوفيد 19»، الذي شل الأنشطة الفنية، والثقافية، والاقتصادية، والحياة بشكل عام، في غالبية دول العالم، ولكن هذه المرة بحلة جديدة وببرمجة غنية. وكما في الدورات السابقة، فإن منظمي المهرجان، الذي يرأسه راهناً عبد الرفيع زويتن، المدير العام السابق للمكتب الوطني للسياحة المغربية، حرصوا على أن يوائم بين تقديم أرقى الموسيقى الروحية العالمية والأكثر أصالة، وبين المنتدى الفكري الذي يثري عاماً بعد عام، الحضور والجمهور بشكل عام، بفضل المستوى الاستثنائي للمحاضرات والمداخلات والنقاشات. وقد اختير للنسخة السادسة والعشرين، موضوع «الهندسة المعمارية والجانب المقدس». وضم اللقاء مجموعة كبيرة من أصدقاء المهرجان، وشخصيات سياسية وإعلامية، منهم رئيس مجموعة الصداقة (الفرنسية - المغربية)، كريستيان كامبون، الذي ألقى كلمة ترحيبية نوه فيها بالعلاقات القائمة بين فرنسا والمغرب، ورئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس، الوزيرة السابقة مغربية الأصل رشيدة داتي، ووزيرة الثقافة السابقة فرنواز نيسين، والكاتب المغربي الطاهر بن جلون، وأعضاء آخرين في مجلس الشيوخ، وممثلون روحيون، وشخصيات كثيرة، إعلامية، وثقافية، وناشطة في الحقول الاجتماعية والفكرية. وتولى عرض أنشطة المهرجان بالتفصيل، مديره الفني الجديد برونو ماسينا. كما افتُتح اللقاء واختُتم بوصلتين غنائيتين للمغنية المغربية نزيهة مفتاح.
وفي كلمته الافتتاحية، عبّر عبد الرفيع زويتن الذي يرأس أيضاً مؤسسة «روح فاس»، منظمة المهرجان، عن سعادته بعودة المهرجان بعد انقطاع عامين، معتبراً أنه سيمثل «مناسبة استثنائية لحوار الثقافات والأديان وللانفتاح على الآخر». ووفق زويتن، فإن المهرجان يمكن اعتباره بمثابة «ترحال في الزمان والمكان عبر العالم، لاستكشاف المسالك التي سارت فيها جميع الأديان للتعبير عن علاقتها بما هو مقدس من خلال الهندسة المعمارية». ويعني ذلك عملياً، الغوص في المقامات الدينية الأشهر في العالم، لنرى كيف أنها تعبر عن الحوار القديم والمثري بين الإنسان وبين ما هو مقدس. من هنا، فإن المهرجان سيوفر الفرصة للتعرف بعمق، من خلال تاريخ المساجد والكنائس والمعابد، ليس فقط على المعتقدات الدينية، ولكن من حيث اعتبارها شهادة على التنقلات والهجرات الكبرى التاريخية، والفتوحات، والثورات الفلسفية والفنية والمعمارية. ورأى زويتن أن المغرب أفضل شاهد على ذلك، إذ إن تاريخه حَبُل بإنشاء الأشمل من أماكن العبادة، ذاكراً من ذلك مسجد الملك الحسن الثاني، وجامع القرويين، وطازا وتينميل...، وفي رأيه، فإن هذه المعالم الاستثنائية «وفّرت الفرصة لصقل روح التسامح والانفتاح التي تميز المغرب».
أما المنتدى الفكري الذي سيحصل في يوم 11 يونيو، فسيكون، وفق زويتن، بمثابة «لحظة استثنائية»، لأنه سيجمع الكثير من المحاضرين المغاربة والدوليين، ما سيسهم في فتح آفاق جديدة حول إشكالية «المقدس والهندسة العمرانية».
من ناحية أخرى، تتميز البرمجة الفنية، بأنها متنوعة وغنية العام الحالي، إذ إنها ستضمّ فرقاً فنية من 15 بلداً عبر العالم. وبداية الفعاليات ستكون مع افتتاح المهرجان في أحد أشهر المعالم الأثرية في فاس، المسمى «باب ماكينة»، إذ سيكون بمثابة رحلة موسيقية روحية في فنون خمس ديانات (الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية). وفي الأيام التالية، ستتواصل الرحلة مع فرق دُعيت للمشاركة من عُمان، والهند، وكازخستان، وفرنسا، وإيطاليا، والسنغال، ولبنان، وغيرها من البلدان التي تحتضن مجموعات تحيي التراث الروحي المنتشر في ربوعها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».