التوقعات بالتجديد لماكرون تعزّز الاندفاع الفرنسي لإنقاذ لبنان

(تحليل إخباري)

TT

التوقعات بالتجديد لماكرون تعزّز الاندفاع الفرنسي لإنقاذ لبنان

يقول مصدر سياسي على تقاطع مباشر مع الجهات المعنية بالوضع في لبنان إن استقراء العناوين الرئيسية للمرحلة المقبلة لن يكون محصوراً بنتائج الانتخابات النيابية، وإنما بالضرورات المطلوبة لوقف الانهيار والانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي التي ما زالت متعثّرة ولم تنجح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في وضعه على سكة الإنقاذ والاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي الذي من دون الالتزام بها لا يمكن للبنان طمأنة المجتمع الدولي بإطلاقه الضوء الأخضر الذي يعيده إلى خريطة الاهتمام الدولي للحصول على مساعدات تكبح جماح انزلاقه نحو الانفجار الاجتماعي الشامل.
ويكشف المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن إعادة انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لولاية جديدة ستدفع باتجاه تزخيم المبادرة الفرنسية على خلفية أنه ليس في وارد التخلي عنها، خصوصاً أنه سيُدرج لبنان على لائحة اهتماماته كأولوية، ويؤكد أن التواصل القائم بين السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو وقيادة «حزب الله» يتمحور حول الطلب منه بضرورة تنعيم سلوكه بما يخدم التوجّه الفرنسي لإنقاذ لبنان.
ويلفت إلى أن ما يعيق التوصّل إلى اتفاق يتعلق بالملف النووي الإيراني في محادثات فيينا يكمن في أن طهران تمتنع عن إدراجه كبند يرتبط بدورها في المنطقة لجهة وقف تدخّلها في الشؤون الداخلية للدول العربية وتحديداً دول الخليج، وبالتالي امتناعها عن استخدام أذرعتها لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
ويؤكد المصدر نفسه أن على طهران أن تدرك أنها لن تحصل على ما تريده من الاتفاق النووي من دون أن تقدم التسهيلات التي تعيد الاستقرار في المنطقة لأن المجتمع الدولي يصر على التلازم بينه وبين استعدادها لتحسين سلوكها بالأفعال لا بالأقوال وأن تستفيد من الهدنة التي ينعم بها اليمن حالياً وتعمل على تثبيتها لإنهاء القتال، خصوصاً في ضوء المبادرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية بدعوة الأطراف المتقاتلة للدخول في حوار يدفع باتجاه الانخراط في الحل.
ويرى أن استقراء مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، خصوصاً بالنسبة إلى تشكيل الحكومة الجديدة وتأمين الانتقال السلمي للسلطة فور انتهاء الرئيس ميشال عون لن يبقى محصوراً بنتائج الانتخابات التي تميل لمصلحة محور الممانعة بقيادة «حزب الله» بتحالفه مع «التيار الوطني الحر»، وإلا فإن لبنان سيدخل في تمديد طوعي لأزمته الراهنة بعد أن سقطت نظرية انتخاب رئيس الجمهورية العتيد بالمرشح الأقوى في الطائفة المارونية لأن الرئيس القوي استقوى على المكوّنات السياسية الرئيسية في البلد لمصلحة إخلاء الساحة لوريثه السياسي جبران باسيل لخلافته في رئاسة الجمهورية.
ويضيف أن عون وبتحريض من «حزب الله» بإطلاق يده في شن حروب الإلغاء والإقصاء ضد خصومه السياسيين، أخفق في أن يقدّم نفسه في الداخل ومن خلاله إلى المجتمع الدولي على أنه الرئيس القادر على الجمع بين اللبنانيين والعامل من أجل التوفيق بينهم بدلاً من أن ينحاز إلى محور الممانعة الذي أقحم البلد في لعبة المحاور التي أدت إلى عزله عربياً ودولياً.
فعون، بحسب المصدر السياسي، لم يتصرف فور انتخابه على أنه يقف على مسافة واحدة من الجميع ولا يغطي سلاح «حزب الله»، وهذا ما أدى إلى تصدُّع علاقات لبنان بالدول العربية وعلى رأسها الخليجية، وإلى دخوله في اشتباكات سياسية لم تقتصر على خصومه وإنما شملت حلفاءه باستثناء «حزب الله» الذي يحاول ضبط «شطحات» فريقه السياسي ويعمل على استيعابها حرصاً منه على تجنّب الدخول في نزاع معه لحاجته إلى غطائه السياسي للاحتفاظ بسلاحه بخلاف إرادة السواد الأعظم من اللبنانيين.
ويؤكد أن هناك صعوبة أمام عون بالضغط لتشكيل حكومة جديدة تكون على قياس نتائج الانتخابات النيابية، خصوصاً أن المجيء بحكومات من لون واحد جر البلد نحو الانهيار، ويقول إن الحكومة الميقاتية ما زالت عاجزة عن تحقيق الحد الأدنى من حلول للمشكلات، ويقول إن المشكلة ليست بسبب تولّي الرئيس نجيب ميقاتي رئاستها وإنما لأن معظم الخيارات في اختيار بعض الوزراء لم تكن في محلها وتنقصهم الخبرة.
ويتابع المصدر السياسي أن ميقاتي وإن كان يتّبع سياسة النفس الطويل وهو يحاول إعادة لبنان إلى الخريطة الدولية فإنه اصطدم بعون في إصراره على تعويم صهره باسيل الذي يعاني من الحصار المفروض عليه محلياً ودولياً ولا يجد من نصير له سوى حليفه «حزب الله»، وإن كان الأخير لا يبوح في العلن بما يسود محازبيه وجمهوره من شكاوى حيال تصرفاته ويكاد يقول إنه تحوّل إلى عبء عليه لاضطراره إلى دفع أثمان سياسية لتعويمه وصولاً إلى تحميله من قبل قوى المعارضة مسؤولية مباشرة بتعطيل محاولات ميقاتي لتفعيل العمل الحكومي.
ويؤكد أن ميقاتي وإن كان تمكن من رأب التصدّع الذي أصاب علاقات لبنان بدول الخليج، فإن عودة السفيرين السعودي وليد البخاري والكويتي عبد العال القناعي إلى بيروت تشكل فرصة يُفترض بالحكومة توظيفها لرفع المعاناة عن كاهل اللبنانيين وهي تخضع حالياً لاختبار النيات للتأكد من مدى الالتزام بالمبادرة الكويتية المدعومة عربياً ودولياً لتصويبها كشرط لفتح صفحة جديدة، وهذا ما يدعو «حزب الله» إلى وقف تدخله بالشؤون العربية.
فعودة السفيرين البخاري والقناعي جاءت في سياق الجهود السعودية الفرنسية التي شكلت شراكة يراد منها منح الحكومة فرصة يُفترض أن توظفها للإفادة من المساعدات الخارجية وأولها العربية.
كما أن لتوقيت عودة السفيرين أكثر من رسالة وإن كانت جاءت في أعقاب إقفال باب الترشيح للانتخابات النيابية والانتهاء من تسجيل اللوائح لتمرير رسالة بعدم تدخّلها في الشأن الانتخابي ترشُّحاً وأيضاً في تركيب اللوائح، فإنهما في المقابل يحثّان الناخبين على الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع لممارسة حقهم الديمقراطي في اختيار ممثليهم في البرلمان.



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.