صالح بلعيد: الجزائر تكبدت توحشاً لغوياً لم يعرفه أي بلد عربي آخر

صالح بلعيد رئيس «المجلس الأعلى للغة العربية» في الجزائر (المصدر: المجلس الأعلى للغة العربية)
صالح بلعيد رئيس «المجلس الأعلى للغة العربية» في الجزائر (المصدر: المجلس الأعلى للغة العربية)
TT

صالح بلعيد: الجزائر تكبدت توحشاً لغوياً لم يعرفه أي بلد عربي آخر

صالح بلعيد رئيس «المجلس الأعلى للغة العربية» في الجزائر (المصدر: المجلس الأعلى للغة العربية)
صالح بلعيد رئيس «المجلس الأعلى للغة العربية» في الجزائر (المصدر: المجلس الأعلى للغة العربية)

قال صالح بلعيد، رئيس «المجلس الأعلى للغة العربية» في الجزائر، إن البلاد «تشهد حالياً وعياً يتمثل في إعطاء اللغة العربية، القيمة العليا الجديرة بها». وأكد أن الجزائر «تعاني ضعفاً كبيراً في التخطيط اللغوي».
ويذكر بلعيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «إن الرئيس عبد المجيد تبون قد أظهر منذ وصوله إلى الحكم، نوايا حسنة تجاه العربية تجلت في استعماله الشخصي لها، حتى أمام الصحافة الأجنبية. كما أولى الذاكرة الوطنية أهمية كبيرة، بما تحمله من رمزية للدين واللغة. ونلاحظ حالياً إمداده بكل الوسائل الممكنة، لحسن استعمال العربية، وذلك بواسطة المؤسسات، التي يرعاها شخصياً مثل المجلس الأعلى للغة العربية».
وأوضح بلعيد، وهو باحث متخصص في اللسانيات: «أعيش الوعي اللغوي في تواصلي مع من يهمه الأمر... فنحن نقدم التقارير بشكل جيد لرئاسة الجمهورية، وتأتينا الاستجابة بشكل جيد وسريع. ونقترح أفكاراً تخص تطوير استعمال العربية، لا تقدح ولا تهين أحداً. ونرصد استعمال العربية على جميع الأصعدة والسلطات».
ويقع «المجلس الأعلى للغة العربية»، في وسط العاصمة قرب المنشأة الرئاسية «قصر الشعب». وقد استحدثته الحكومة في عام 1991، وحددت له مهمة واحدة: تطوير اللغة العربية في كل مجالات الحياة. لكنه واجه صعوبات جمّة في إعمال قراراته، لافتقادها الطابع الإلزامي.
يقول صالح بلعيد: «إن الجزائر خططت منذ عام 1999 للخروج من التماهي اللغوي، بأن تكون للعربية استعمالات جيدة، ولكن للأسف عشنا مرحلة القطيعة اللغوية، وهي 10 سنوات من الفتنة (فترة الاقتتال مع الإرهاب في تسعينات القرن الماضي)، أعاقتنا عن مواصلة الكثير من المشروعات. وقد نظر البعض إلى العربية على أنها سبب الفتنة (الإرهاب)، وأنها مرتبطة بالسلب والقهر والمنع والإجبار»، مبرزاً أنه قبل الاستقلال «عشنا القهر اللغوي، وعرفنا مراحل تتابعية جيدة في مسألة التعريب بعد الاستقلال. أقصد التعريب المرحلي.
وفي 1973 ظهرت المؤشرات الأولى للاهتمام بالتعريب. ولما جاء إصلاح المدرسة في 2003، حدثت الانتكاسة في تعميم استعمال العربية، وذلك بسبب نخبة اعتقدت أنها عندما تجلب برنامجاً من كندا، أُنتج بأرضية معرفية ومحيط غريب عنا، يمكن أن ينجح في الجزائر. وقد فشل هذا الإصلاح فشلاً ذريعاً».
وحسب رئيس الهيئة اللغوية: «فإذا فزنا في معركتنا على مستوى التعليم، سنحقق الهدف. المدرسة تعني كل مراحل التعليم. والعلوم لا تزال تدرّس في الجامعة بالفرنسية. إعلامنا معرَّب في معظمه، لكن لا نزال بحاجة إلى إعلام يتقن اللغة. توجد فجوات وهانات لغوية وبعض الحوادث اللسانية، وهناك دوارج وتلهيج ونقائص».
ويستهجن قطاع من «العروبيين» في الجزائر، وجود هيئة لتطوير استعمال اللغة العربية، في بلد عربي دستوره ينص على أن العربية هي اللغة الوطنية والرسمية. أما صالح بلعيد، فيرى أن وجودها ضروري «لأننا تكبدنا توحشاً لغوياً لم تعرفه تونس، ولا مصر، ولا أي بلد عربي. نحن بحاجة إلى سلطة ضبطية تعيد الوضع إلى طبيعته. والمجلس هو أيضاً سلطة علمية في ظل جمود المجمَع اللغوي. نحن بحاجة إلى ذخيرة لغوية، بمثابة (غوغل) عربي يعطيك إجابة عن أي شيء تسأل عنه».
وينتقد بلعيد «ممارسات لا تعير اهتماماً للعربية، وأصحابها يتماهون في اللغة الفرنسية، التي أعطوها أهمية على أنها لغة الهوية، وهذا في إطار نظام الازدواجية اللغوية. هذه الازدواجية كانت متوحشة، والأصل فيها الاستفادة من اللغة الأجنبية على أن تولى العناية القصوى للغة الوطن المشتركة.
لكن عندنا أُوّلت الازدواجية، فباتت لغة الوطن لغة دونية في مقابل إعطاء العناية لمن يتقن اللغة الأجنبية ما خلق عندنا نخبتين: واحدة تستعمل العربية وينظر إليها على أنها من الدهماء والغوغاء. ونخبة ثانية ينظر إليها على أنها راقية، تستعمل الفرنسية. هذا خطير جداً ويجب أن يتوقف».
وأضاف صالح: «في وقت مضى، وجدت محاولات لتدريس الفرنسية في الأولى ابتدائي، بدل الرابعة. وفشل المسعى. وهي حالياً في السنة الثانية.
كما أن الخطاب السياسي جعل العربية سبهللاً فارغة من أي قيمة معنوية. كما لم ينظر بعين الجدية إلى مرحلة التعليم الثانوي، ففيها تُعدّ كفاءات وطنية لمرحلة البحث والجامعة، ويُستفاد من التعددية اللغوية.
نحن خططنا للأسف للغة واحدة وهي الفرنسية. فغير معقول أن ننتظر التطور، الذي يحصل في ميدان ما بلغة أجنبية، فنترجمه إلى الفرنسية وبعدها إلى العربية، والترجمة خيانة كما هو معلوم. فالخطاب لا يصل سليماً عندما يكون ترجمة على ترجمة».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».