هل كانت بدعة أم حرصاً على التواصل الأوسع، أن يصدر الروائي الكويتي طالب الرفاعي روايته الجديدة «خطف الحبيب» في 15 عاصمة عربية في وقت واحد وبالتزامن؟ هذا الأمر الذي فاجأ الكثيرين يراه الرفاعي طبيعياً ومحاولة مشروعة لكاتب في إيصال روايته إلى القراء العرب في مختلف بلدانهم؛ لأن «الكاتب العربي يطبع في القاهرة فلا يصل كتابه إلى بيروت». صدر للرفاعي عدد من الأعمال القصصية والروائية اللافتة، منها «أبو عجاج طال عمرك»، و«سرقات صغيرة»، و«ظل الشمس»، و«الثوب»... قام بتأسيس وإطلاق «جائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية» بالكويت. هنا حوار معه حول روايته الجديدة وهموم الكتابة...
> في روايتك الجديدة «خطف الحبيب» ينجرف «أحمد» الشاب الثري الهادئ المتعلم إلى دوامة العنف والإرهاب، هل قصدت بذلك تحطيم الصورة الذهنية النمطية التي ترى أن المتطرف إفراز البيئات الفقيرة مهمشة؟
- شخصية «أحمد» في الرواية تقدّم صورة فنية تحاكي حياة الواقع، وتؤكد ألا جنسية للعنف، ولا مذهباً، ولا مستوى اقتصادياً. وبالتالي، مثلما يذهب أبناء البيئات الفقيرة والمهمّشة إلى العنف لسبب يخصّهم ويدفعهم، يندفع أبناء الأغنياء، ومن مختلف بلدان العالم، إلى العنف وهم محمولون على القناعات التي تخصّهم أيضاً. أرى أن الواقع الإنساني الراهن يدحض بوضوح فكرة أن المتطرف يأتي دائماً من البيئات الفقيرة، وإذا كان هذا يكسر الصورة الذهنية النمطية عن بيئات التطرف فأنا سعيد بذلك.
> هل كان عنوان الرواية نوعاً من «التمويه» للتغطية على موضوع التطرف الذي يضرب فجأة عائلة خليجية ثرية؟
- الكتابة برمّتها تمويه، تتكئ على جذر من الواقع، والكثير من الخيال وسبك اللغة والمحاكاة، لتبدو للقارئ وكأنها واقع. وهنا لا بد من الإشارة، إلى أن عنوان أي قصة قصيرة أو رواية، هو عنصر صعب ومهم من عناصر الكتابة الإبداعية السردية. وهو في الوقت نفسه، جزء مكمّل لحكاية الرواية؛ لذا فإن العنوان «خطف الحبيب»، هو الحكاية برمتها، وهو واقع الرواية تماماً، مثلما قد يكون تمويهاً قُصد به اصطياد بعض القرّاء، وأظن أن هذا قصد مشروع!
> أليس غريباً أن تصدر الرواية في 15 عاصمة عربية في وقت واحد، ألم تخشَ أن يحدِث ذلك نوعاً من التشتت؟
- نعم، هو شأن غريب على الرواية العربية، فلم يسبق أن صدرت رواية في وقت واحد، وفي جميع العواصم من الخليج إلى المحيط. ولا أدري أي تشتت تقصدين؟ فأنا أرى العكس تماماً، فهي محاولة مشروعة لكاتب في إيصال روايته إلى القراء العرب في مختلف بلدانهم. فتجربتي في نشر أعمالي القصصية والروائية، التي جاوزت العقود الأربعة تقول: بأن الكاتب العربي يطبع في القاهرة فلا يصل كتابه إلى بيروت، ويطبع في بيروت فلا يصل كتابه إلى الرياض، ويطبع في الرياض فلا يصل كتابه إلى الكويت. أقنعت 14 ناشراً عربياً من الصف الأول بطباعة ونشر روايتي في بلدانهم، ولم يكن ذلك أبداً بالأمر الهيّن. نعم، لقد تحقق هدفي الأدبي، فمنذ صدور رواية «خطف الحبيب»، وحتى اللحظة وأنا أتلقى ردود القراء، برسائل في «تويتر» و«فيسبوك» والإيميل، قراء عرب، من مختلف البلدان العربية، تعرّفوا عليّ عبر هذه الرواية، وأتواصل معهم ويدور نقاش بيننا وأسئلة حول عوالم الرواية وأحداثها وما قصدت من نهايتها المفتوحة!
> إلى أي حد حاولت أن تأتي الرواية، على مستوى الشكل والمضمون، مختلفة عن نظيراتها التي تتناول هذا الموضوع؟
- حسب علمي، ليس هناك رواية خليجية أو عربية كشفت عن تورط الأسرة الكويتية - الخليجية، الآباء والأبناء، بحروب الإرهاب، وتحديداً في سوريا، وخاضت في وحلها وعذاباتها وتلوثت به. ولذا؛ حينما كنت أكتب الرواية، لم يكن أمامي مثال بعينه، أو رواية بعينها، وأنني في سباق لتجاوزها والتفوق عليها. كنتُ أكتب حكاية أبطالي على ألسنتهم، وبمشاعرهم وعواطفهم، تاركاً مسافة بيني وبينهم، وكنت كأي قارئ أتابع خطواتهم علّني أصل معهم إلى نهاية الرواية.
> ما بين القصة القصيرة والرواية، تمضي تجربتك الأدبية. على أي أساس تحدد هوية عملك الإبداعي، وكيف تقاوم غواية الرواية بحيث لا تطغى على عالمك؟
- بدأت حياتي كاتب قصة، وكنتُ ولم أزل أعشق فن القصة، وأذهب إليه بفكرة أساسية هي الحفر في زمن رأسي قصير. قصة قصيرة تصطاد وتثبت لحظة إنسانية عابرة، وبالتالي كل من زمن القص، وزمن الحكاية قصير. وهذا يختلف تماماً عن فكرة العمل الروائي الذي يعتمد على فكرة زمن أفقي، زمن طويل بأبطال وأحداث ومصائر قد تمتد لعقود، ومن ثم، هو في حاجة إلى زمن قص يستوعبه. منذ بدأت دراساتي وتدريسي لمادة الكتابة الإبداعية في الولايات المتحدة الأميركية وفي بريطانيا، أصبحت اتجاهات بوصلتي واضحة: القصة لقطة عابرة بحدث رئيسي واحد، والرواية حكاية بأزمان وأبطال، وبالضرورة سلسلة من الأحداث المتداخلة والمتقاطعة.
> تُرجِمت أعمالك الروائية للغات عدة، منها: الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، والصينية، والتركية، والهندية، كيف ترى قضية الترجمة... هل تحقق حلم الوصول إلى العالمية ؟
- مؤكد ترجمة أي كاتب في العالم للغة أخرى هو اعتراف، ولو ضمنياً، بأهمية وقيمة ما كتب؛ لذا يسعدني ترجمة أعمالي الروائية للغات عالمية كثيرة، وبما يعني قراءة فئات أجنبية للأدب الكويتي والعربي والتعرف على البيئات التي يتحرك فيها. أما قضية الكاتب العربي وحلم تحقيق العالمية، فهذه عبارة لا معنى لها؛ لأن أي كاتب ولكي يبلغ العالمية، أمامه أن يحصل على اعتراف باتفاق عالمي على قيمة أعماله، وأنا هنا أتكلم عن إنتاج إبداعي معرفي تراكمي، أو أن يحصل على جائزة نوبل. خلاف ذلك، فإن الترجمات العربية هي جهد ممتاز لتقديم الكاتب والرواية لجمهور من القراء على ضفاف العالم الأخرى المختلفة.
> في العام 2002 صدرت لك دراسة بعنوان «المسرح في الكويت... رؤية تاريخية». ما ملاحظاتك حول الواقع المسرحي الكويتي الآن بعد مرور 20 عاماً على تلك الدراسة؟
- الواقع المسرحي في الكويت مؤلم، يراوح مكانه منذ 1991، وحتى اللحظة نجد الجميع: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، والمعهد العالي للفنون المسرحية، والفرق المسرحية الأهلية، الجميع يجتر أشكالاً مسرحية لا جديد فيها، ومعظم عروض مهرجان المسرح المحلي، عروض تجريبية، لا تتجاوز الليلة الواحدة. وربما حالة المسرح في الكويت هي امتداد لحالة المسرح في أقطار الوطن العربي والعالم. فالكتابة المسرحية، والعروض المسرحية في العالم تعاني من تراجع. لسبب أو لآخر، استطاعت فنون أخرى، مثل الرواية والسينما والقصة القصيرة، سحب البساط من العروض المسرحية، وحتى لندن وبرودواي، اكتفتا بتقديم عروض موسيقية استعراضية، بينما انزوت العروض المسرحية الجادة والمؤثرة، التي تحظى بجماهيرية تضمن لها استمرار العرض المسرحي.
> لك دراسة أخرى عن أحد رموز الأدب الكويتي وهو الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، كيف امتدت علاقتك به إبداعياً وإنسانياً؟
- علاقة القربى بيني وبين الروائي إسماعيل فهد إسماعيل هي التي أخذتني لطريق الأدب، وربما لو لم يأخذ بيدي ويسحبني خلفه في دروب القراءة والكتابة والصداقات الإنسانية مع القصاصين والروائيين والمسرحيين والتشكيليين، لكنت شخصاً آخر. أنا درست الهندسة المدنية، وتخرجت وعملت لمدة 15 سنة مهندساً إنشائياً، وبالتالي كان من الممكن أن أكون صاحب شركة مقاولات، أو مكتب هندسي. لكن القراءة، في الرواية والشعر والقصة والفلسفة وعلم النفس، كانت دائماً تأخذني لسواحل جديدة من الحياة، ومن ثم جاءت الكتابة والنشر في منتصف السبعينات، فانعطفت بي الطريق حتى ما عدتُ أعرف لحياتي درباً إلا القراءة والكتابة وتدريس ورش الكتابة الإبداعية.
> لم تكرر تجربتك المسرحية بعد «عرس النار» لماذا؟
- بعد كتابة مسرحيتي «عرس النار» ونشرها عام 2001، اكتشفت أن المسرح ليس ملعبي، وأني أنتمي إلى القصة القصيرة والرواية، وهذا يكفي جداً.
> أنت مؤسس ومدير كل من «الملتقى الثقافي»، و«الملتقى الكويتي»، كما أنك رئيس مجلس أمناء جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة العربية، فماذا كان الهدف من وراء تلك الجائزة؟ ولماذا اقتصر فضاؤها على القصة القصيرة دون غيرها؟
- الهدف من تأسيس وإطلاق جائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية» هو تشجيع ودعم القصة العربية والقاص العربي، فقد استولت الرواية على اهتمام: الناشر والكاتب وجمهور القراءة والجوائز. ولأني عاشق للقصة القصيرة، ولأنها أحد أجمل الأجناس الأدبية أسست الجائزة، ويكفي أن أقول: إن جامعة الشرق الأوسط الأميركية (AUM)، تتلقى سنوياً ما يزيد على مائتي مجموعة قصصية لكتّاب عرب من كل أنحاء الدنيا، وبما يوحي كم هي القصة القصيرة حية وحاضرة دائماً. وبفضل جائزة الملتقى، أصبحت الكويت حاضنة وعاصمة للقصة القصيرة العربية.
> ترأست لجنة تحكيم جائزة «البوكر» في دورتها عام 2009... كيف ترى الجدل المثار حولها الآن، خاصة أن هناك من يشتهيها سراً ويلعنها جهراً؟
- علينا أن نعترف بأن جائزة «البوكر» العربية صنعت لنفسها مكانة متميّزة ولافتة، وبخصوص الجدل المثار حولها، فهو في المحصلة يقدم لها دعاية إيجابية، ويجدد بين وقت وآخر حضورها الإعلامي. وإجابة عن الشطر الأخير من سؤالك، نعم عدد كبير من الأصدقاء كتّاب الرواية العرب، يشتهيها سراً، ويلعنها جهراً!