«معركة تبادل أسرى» وسط الصراع في أوكرانيا

تشمل ثرياً أوكرانياً ومقاتلين بريطانيين

الثري الأوكراني المعتقل فيكتور ميدفيدتشوك الموالي لروسيا (رويترز)
الثري الأوكراني المعتقل فيكتور ميدفيدتشوك الموالي لروسيا (رويترز)
TT

«معركة تبادل أسرى» وسط الصراع في أوكرانيا

الثري الأوكراني المعتقل فيكتور ميدفيدتشوك الموالي لروسيا (رويترز)
الثري الأوكراني المعتقل فيكتور ميدفيدتشوك الموالي لروسيا (رويترز)

على خلفية الحرب الميدانية في أوكرانيا، بدرت أمس معركة جانبية حول تبادل الأسرى، أطرافها كل من روسيا وأوكرانيا وبريطانيا. فقد بثّت أجهزة الأمن الأوكرانية أمس (الاثنين) تسجيلاً مصوراً يظهر رجل الأعمال الأوكراني الثري المعتقل فيكتور ميدفيدتشوك الموالي لروسيا، وهو يدعو إلى مبادلته مع عناصر أوكرانيين يقاتلون في مدينة ماريوبول المحاصرة. وقال في التسجيل «أريد أن أطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مبادلتي مع سكان ومدافعين أوكرانيين عن ماريوبول». ويبدو رجل الأعمال في هذا الفيديو غير المؤرخ مرتدياً ثياباً سوداء ويجلس إلى طاولة.
ومن الجانب الروسي، بث التلفزيون الرسمي تسجيلاً مصوّراً، أمس، أيضاً لشخصين قال إنهما «بريطانيان» قُبض عليهما أثناء مشاركتهما في القتال في أوكرانيا طالبا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالتفاوض مع موسكو على إطلاق سراحهما. وطلب الرجلان اللذان بدا الإنهاك واضحاً على ملامحهما في الفيديو بأن تتم مبادلتهما برجل الأعمال الأوكراني الثري فيكتور ميدفيدتشوك.
واقترح الرئيس الأوكراني زيلينسكي في 12 من الشهر الحالي على موسكو استبدال ميدفيدتشوك (67 عاماً) الذي احتجز في اليوم نفسه، بالأوكرانيين المحتجزين في روسيا. ورداً على سؤال حول عملية تبادل محتملة، قال الكرملين إن ميدفيدتشوك «ليس مواطناً روسياً»، مشيراً إلى أنه لا يعرف ما إذا كان يرغب في أن تتدخل موسكو في قضيته. وكانت أجهزة الأمن الأوكرانية عرضت في السابق صورة لفيكتور ميدفيدتشوك مكبل اليدين ويرتدي زي الجيش الأوكراني بعد أن تم اعتقاله في عملية «استثنائية وخطيرة» نفذتها أجهزة الأمن الأوكرانية، وفق قول كييف.
وكان ميدفيدتشوك يخضع للإقامة الجبرية منذ مايو (أيار) 2021 بعد اتهامه بـ«الخيانة العظمى» و«محاولة نهب موارد طبيعية في شبه جزيرة القرم» الأوكرانية التي ضمتها روسيا في عام 2014. وفي 26 فبراير (شباط)، بعد يومين من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، لم تجده الشرطة الأوكرانية خلال زيارة مراقبة. ويعرف فيكتور ميدفيدتشوك الذي بلغت ثروته 620 مليون دولار، وفق مجلة «فوربس» في العام الماضي، بصلاته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهو مؤسس حزب «منصة المعارضة - من أجل الحياة» الموالي لروسيا والذي كان ممثلاً بنحو 30 نائباً في البرلمان الأوكراني قبل حظره في مارس (آذار) عقب الهجوم الروسي.
أما المقاتلان البريطانيان، شون بينر وأيدن أسلين، فقد أسرتهما القوات الروسية في أوكرانيا، ثم ظهرا على التلفزيون الرسمي الروسي أمس، وطلبا مبادلتهما بسياسي موالٍ لروسيا تحتجزه السلطات الأوكرانية. ولم يتضح إلى أي مدى تحدثا بحرية في التسجيل؛ إذ تحدث الاثنان كلاً على حدة بناءً على طلب رجل لم تتحدد هويته. وعرضت اللقطات على قناة «روسيا24» الرسمية. وطلب كلاهما من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المساعدة في إعادتهما إلى الوطن مقابل إطلاق أوكرانيا سراح السياسي الموالي لروسيا فيكتور ميدفيدتشوك.
وقاتل كل من بينر وأسلين إلى جانب الأوكرانيين في ماريوبول التي أصبحت الآن بالكامل تقريباً تحت سيطرة روسيا. وظهر الرجل، الذي لم يكشف عن هويته، على التلفزيون الروسي وهو يظهر للبريطانيين تسجيلاً على هاتفه المحمول لأوكسانا زوجة ميدفيدتشوك وهي تطلب في مطلع الأسبوع مبادلته بالبريطانيين. وبعد ثلاثة أيام من دخول القوات الروسية أوكرانيا في 24 فبراير، قالت أوكرانيا، إن ميدفيدتشوك فر من الإقامة الجبرية في منزله، لكنه كان قد وضع قيد الإقامة الجبرية واتهم بالخيانة العظمى وبعد ذلك بمساعدة الإرهاب.
وينفي السياسي الموالي لروسيا، الذي يقول إن بوتين هو الأب الروحي لابنته، ارتكاب أي مخالفة. وقال بينر، الذي بدا مرهقاً ومتوتراً، بعد أن شاهد الفيديو «أتفهم الوضع. أرغب في مناشدة الحكومة لإعادتي إلى الوطن. أريد أن أرى زوجتي مرة أخرى». وناشد بينر جونسون بالنيابة عن نفسه وعن أسلين. وقال «نتطلع إلى مبادلتنا أنا وأيدن أسلين بميدفيدتشوك. بالطبع سأقدر مساعدتك في هذا الأمر». وأوضح، أنه يتحدث الروسية قليلاً، وأنه تلقى معاملة جيدة.
وظهر الرجل مجهول الهوية بعد ذلك وهو يتحدث إلى أسلين الذي كان جالساً على مقعد ويرتدي قميصاً قصير الأكمام يحمل شعار كتيبة أزوف الأوكرانية اليمينية المتطرفة.
وقال أسلين الذي بدا متوتراً أيضاً «أعتقد أن بوريس يجب أن يستمع لما قالته أوكسانا». وأضاف «إذا كان بوريس جونسون يهتم فعلاً بالمواطنين البريطانيين كما يقول فسيقدم لنا المساعدة».


مقالات ذات صلة

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟