وزير المال يعمق أزمة القضاء اللبناني

ملاحقة سياسيين بانفجار مرفأ بيروت أبرز أوجه التعطيل

وزير المال اللبناني (رويترز)
وزير المال اللبناني (رويترز)
TT

وزير المال يعمق أزمة القضاء اللبناني

وزير المال اللبناني (رويترز)
وزير المال اللبناني (رويترز)

يواجه القضاء اللبناني تحديا جديدا في علاقته مع السياسيين، يتهدده بمزيد من التعطيل، خصوصاً في الملفات الحساسة، فبعد عامين على تعطيل رئيس الجمهورية ميشال عون للتشكيلات القضائية الشاملة، والذي أدى إلى استنزاف المؤسسة وإحداث فراغ في المراكز الحساسة، يأتي اليوم دور تعطيل التشكيلات الجزئية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى قبل شهر، وشملت رؤساء محاكم التمييز، لكن التعطيل هذه المرة جاء من وزير المال يوسف خليل المحسوب على رئيس البرلمان نبيه بري، برفضه التوقيع على المرسوم والإفراج عنه، حتى دون ذكر الأسباب وتعليلها، فيما عزا محامون وقضاة هذا التعطيل إلى «غايات سياسية»، أبرزها الاستمرار بتعطيل التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وقطع الطريق على الملاحقات القضائية التي تطال وزراء ونواباً من هذا الفريق.
حتى المراجع القضائية لا تجد تفسيراً مقنعاً لتجميد المرسوم. ويرى مصدر مقرب من مجلس القضاء الأعلى أنه «لا مبرر لإصرار وزير المال على تعليق المرسوم من دون ذكر الأسباب، كما أن الوزير لم يطلب من مجلس القضاء توضيحات إذا كانت لديه بعض الملاحظات». ويشدد المصدر لـ«الشرق الأوسط»، على «الأهمية القصوى للمرسوم الذي يكتمل به عقد مجلس القضاء الأعلى، ويصبح عدد الأعضاء 10 (الآن 8 أعضاء فقط)». ويقول: «الإفراج عن هذا المرسوم يسمح بتعيين أعضاء المجالس التأديبية والهيئة العليا التأديبية، المخولة التحقيق مع قضاة محالين على هذه الهيئات (آخرهم المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون المحسوبة على رئيس الجمهورية، التي أحيلت الأسبوع الماضي على المجلس التأديبي)، كما أنه يملأ الشغور على مستوى رؤساء محاكم التمييز، لأن أي تعيينات تتطلب وجود رؤساء أصيلين لمحاكم التمييز، ويسمح المرسوم أيضاً باكتمال نصاب الهيئة العامة لمحكمة التمييز، التي تنظر بعشرات الدعاوى المقدمة لمخاصمة الدولة، بينها تلك المرتبطة بملف المرفأ». ويلفت المصدر المقرب من مجلس القضاء إلى أن «المرسوم المجمد أساسي لانتظام عمل السلطة القضائية، ودوره ينسحب على تنظيم عمل سائر المحاكم».
وفيما يمتنع وزير المال عن تبرير أفعاله ويلتزم الصمت حيال ذلك، اعتبرت مصادر الثنائي الشيعي، أن «غياب الميثاقية والتوازن في التشكيلات الجزئية، هو السبب الذي يحول دون الإفراج عن المرسوم»، علما بأن رؤساء محاكم التمييز مقسمون مناصفة بين المسلمين والمسيحيين. وعبر الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، عن حزنه للواقع الذي أصاب القضاء في هذه المرحلة، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «علاقة السلطة السياسية بالقضاء غير صحية إطلاقاً، فإذا كان هناك من تفاهم يكون على حساب القضاء استقلاليته وصلاحياته». وشدد على أن السياسيين «لديهم نهمٌ غير مسبوق للتدخل بالشأن القضائي، سواء بتعيين رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى والمراكز العليا، أو عبر التشكيلات الخاصة برؤساء محاكم التمييز، أو بالتشكيلات الشاملة لأن كل مسؤول سياسي يريد أن يزرع قاضياً محسوباً عليه في موقع معين لاستثماره عند اللزوم».
ولأن «الميثاقية» باتت شماعة تعلق عليها قوى السلطة أسباب تعطيلها للمؤسسات الدستورية عند كل استحقاق، أبدى القاضي غانم أسفه لـ«تعطيل بعض القوى السياسية تشكيلات رؤساء محاكم التمييز والتلطي خلف مزاعم التوازن والميثاقية». وقال غانم: «عندما كنت رئيساً لمجلس القضاء أجريت تشكيلات عامة سنة 2009، وكانت الأمور تسير بسهولة ولم يتعرض مجلس القضاء لأي ضغوط، وقبلها كنت عضواً في مجلس القضاء لمدة ست سنوات، لم ألاحظ تدخلاً فعلياً بعمل القضاء، أما الآن فالتدخلات السياسية باتت فاضحة وبلا خجل».
ويقدم كل طرف رؤيته للدوافع التي تقف وراء تعطيل هذا المرسوم، إذ اعتبر المحامي مازن حطيط، وكيل عدد من ضحايا انفجار المرفأ، أن «السياق المستمر منذ سنة يدل على أن المنظومة التي بات وزير المال أحد أركانها، هي شريكة في تعطيل التحقيق بملف المرفأ». وعبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، عن أسفه لعدم تحريك هذه المسألة». وقال: «مجلس القضاء الأعلى أنجز التشكيلات، واعتبر أنه رفع المسؤولية عن نفسه، ووزير العدل (هنري خوري) وقع المرسوم ولم يطرح على مجلس الوزراء موضوع تعطيل المرسوم».
وقال: «لا سبب قانونياً لتجميد المرسوم، بل هناك أسباب سياسية لإيقاف التحقيق بملف المرفأ»، معتبراً أن «ملاحقة النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر (من حركة أمل) جزء من المعركة، لكن في الحقيقة الكل شركاء في هذه المؤامرة»، وأضاف المحامي حطيط «ثمة تبادل أدوار بين المنظومة السياسية، التي تحاول تقايض ملف انفجار مرفأ بيروت بملف المصارف». وشدد على أن «تجميد هذا المرسوم يشكل ضربة معنوية للقضاء، الذي يظهر عجزه عن تعيين قاضٍ في مركز معين».



«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».