«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (2): مهرجان «كان» السينمائي ينطلق بـ «رأس مرفوع»

مصر وأوروبا تنتجان فيلمًا عن غزة

المخرج سامح زعبي  -  كاترين دينوف قاضية في فيلم الافتتاح «رأس مرفوع»
المخرج سامح زعبي - كاترين دينوف قاضية في فيلم الافتتاح «رأس مرفوع»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (2): مهرجان «كان» السينمائي ينطلق بـ «رأس مرفوع»

المخرج سامح زعبي  -  كاترين دينوف قاضية في فيلم الافتتاح «رأس مرفوع»
المخرج سامح زعبي - كاترين دينوف قاضية في فيلم الافتتاح «رأس مرفوع»

انتظر الجميع فيلم الافتتاح و..جاء. وكما كان متوقعا لم يحظ بالإعجاب الذي تشترطه أفلام الافتتاح، ولو أنه لم يكن أسوأها أيضاً. في الوقت ذاته، كان لافتا الخبر الذي انتشر، انطلاقا من مجلة «فاراياتي» اليومية، عن جهد أوروبي - مصري مشترك لإنتاج فيلم فلسطيني الموضوع يدور حول الوضع القائم في غزة.
مؤسسة «فيلم كلينيك» المصرية، التي يرأسها المنتج والكاتب محمد حفظي، وشركة باندورا الألمانية، وشركة «سكستين فيلمز» (لصاحبها البريطاني المخرج كن لوتش) ستقوم بإنتاج فيلم «اقبض على القمر» Catch the Moon للمخرج الفلسطيني سامح زعبي. سريعا ما تم التأكيد على أن الفيلم كوميديا عاطفية وذلك، كما يُحتمل، لقطع دابر الشك في تناوله للوضع السياسي على نحو مباشر. فالموضوع يدور حول أب وعد ابنه الشاب بسيارة مرسيدس كمقدّم لزواجه بالفتاة التي يحب. الآن، وقد صار من المستحيل تحقيق هذا الوعد نظرا لظروف الحصار، على الأب أن يجد طريقا ما لإنقاذ الزواج المأمول بالبحث عن بديل مناسب.
وبينما وجدنا الموضوع الفلسطيني يتحرّك على الساحة العالمية بإنتاجات عربية - أوروبية من قبل (كويتية وإماراتية وفلسطينية ولبنانية) فإن قيام جهة إنتاجية مصرية بإطلاق هذا المشروع الذي سيتم تصويره ما بين الأردن وفلسطين خلال هذا العام، هو منحى جديد من شأنه تأسيس اسم مصر في هذا الحجم من الإنتاجات العالمية.

* سينما مراهقة
‫إذن… تم افتتاح الدورة الحالية من مهرجان «كان» السينمائي (الدولي، ولو أنه لا يكترث لأن يكني نفسه بهذه الدلالة) يوم أمس الأربعاء وسط كل ما سبق الحديث فيه من توقعات وطموحات. ‬
الفيلم الذي اختير لما يمكن اعتباره حظوة كبيرة هو «رأس مرفوع» (وبالإنجليزية «الوقوف بفخر» أو Standing Tall) الذي هو الفيلم الروائي الطويل الرابع للممثلة إيمانويل بيركو بعد ثلاثة أفلام قامت بإخراجها قبله (وحفنة لا بأس بعددها من الأفلام القصيرة).
سابقا بدأت الإخراج بفيلم بعنوان «كليمان»، سنة 2001 وهذا التحوّل جاء بعد عشر سنوات على امتهانها التمثيل، فهي ظهرت في دور محدود في فيلم عنوانه «راغازي» سنة 1991.
كل أفلامها، بما فيها فيلمها الجديد هذا، تدور حول علاقات الأطفال والمراهقين بالبالغين. «كليمان» حول صبي في مقتبل سن المراهقة يقع في حب امرأة متوسّطة العمر. «كواليس المسرح» (Backstage) سنة 2005 حول مراهقة تلاحق مغنية شهيرة بإعجاب كبير. «في طريقي» (2013) رحلة تجمع بين صبي وجدّته. «الوقوف بفخر» حول مراهق ضربته الحيرة في حياته فقرر مشاكسة العائلة و- ضمنيا - النظام الاجتماعي.
افتتاح مشابه لفيلم فرنسي آخر كان مرّ على شاشات هذا المهرجان قبل ثماني سنوات «الصف» للوران كانتيه حيث مشاكل الطلاب المراهقين في صف مختلط الأجناس (أفارقة، بيض، أبناء جاليات عربية الخ…). حينها نال الفيلم الجائزة الكبرى وحقق المخرج سطوعا ملحوظا حيث حصل فيلمه لاحقا على عدد وفير من الجوائز من بينها جائزة سيزار الفرنسية وجائزة الأكاديمية الأرجنتينية لأفضل فيلم كما تم ترشيحه لأوسكار أفضل فيلم أجنبي في العام ذاته.
كذلك شوهدت أفلام كثيرة عن حياة المراهقين ومتاعبهم طوال سنوات هذا المهرجان. تكفي الإشارة إلى أفلام الأخوين جان - بيير ولوك داردين التي عمدت إلى نبش الواقع الاجتماعي الكئيب في أكثر من فيلم تم تقديمه على شاشة مهرجان «كان» من بينها «الطفل» (2005) و«الفتى ذو الدراجة» (2011).
اختيار أفلام الافتتاح لا يتم بالقرعة ولا هو شأن سهل، لكنه يختلف باختلاف المهرجانات ذاتها. يقول مسعود أمر الله، المدير الفني لمهرجان دبي: «هناك ظروف وعوامل كثيرة تتدخل في الاختيار، من بينها مثلا إذا كان الفيلم مرتبطا بروزنامة عروض عالمية ومتى».
بالنسبة لـ«رأس مرفوع» فإنه انطلق للعروض في فرنسا بعد 24 ساعة فقط من افتتاح الدورة 68 به ما يعني أن «كان»، مرّة أخرى، اعتبر نفسه منصّة لترويج أفلام الافتتاح تجاريا، علما بأن اختيار فيلم إيمانويل بيركو الذي تؤدي فيه كاثرين دينوف دورا رئيسيا، لكن ليس بطولياً، لن يعزز قدرته على التمتع بعروض عالمية بالضرورة. الحال، كما هو إلى الآن، هو عدم وجود برمجة له في أي من الدول الأوروبية. لعل ذلك يتغيّر بعد ساعات لكن هذا ليس شرطاً.

* شروط الافتتاح
مع الأخذ بعين الاعتبار أن المهرجان حر في لعب الدور الذي يريد، فإن الأفلام ذاتها لا يمكن أن تتساوى لدى النقاد ولدى قسم كبير من الجمهور. في العام الماضي قرعت الطبول طويلا لاختيار فيلم «غريس موناكو» Grace of Monaco لأوليفييه داهان وبطولة نيكول كيدمان، والذي حدث بعد ذلك أن معظم النقاد عابوا على الفيلم مسائل فنية عدّة.
مثل الفيلم الحالي، بوشر بعروضه التجارية في اليوم التالي وذلك في الكويت وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وبعد يومين في فنلندا وبولندا ثم توسعت دائرته إنما من دون أن تشمل الولايات المتحدة وذلك إثر خلاف بين المخرج داهان والموزّع الأميركي هارفي واينستاين. أفضل ما استطاع الأخير فعله هو بيعه للتلفزيون بالنسخة التي اختارها هو.
عامل آخر مؤثر هو غياب الأفلام الكلاسيكية أو تلك التي ستعتبر كلاسيكية في المستقبل القريب. لكن العصر الذي نعيشه يجعل من الصعب حشد أفلام يمكن اعتبارها كلاسيكية تماماً. ربما العناصر كلها موجودة، لكن الثقافة السائدة تختلف اليوم حيث الشاشة الكبيرة لم تعد سوى التمهيد المسبق لترويج الفيلم على كل أنواع الوسائط الإلكترونية اللاحقة. حتى «كاغاموشا» للياباني أكيرا كوروساوا قد يخفق في امتحان القبول لو تم إنتاجه الآن من جديد، كذلك «لورنس العرب» أو «ذهب مع الريح» والعشرات سواه.
الوقت مبكر للتأكد ما إذا كان مهرجان «كان» هذا العام قد أصاب أو أخطأ في اختيار الفيلم إذ يعتمد ذلك على الخيارات الأخرى وإذا ما كانت توفرت بالفعل. لكن الملامح الأولى لفيلم «رأس مرفوع» تغري بالقول إنه واحد من تلك الأفلام التي ستبرق وترعد من دون أن تمطر.

* أفضل وأسوأ أفلام الافتتاح في «كان»

** الأفضل
* 400 نفخة The 400 Blows
فيلم فرنسوا تروفو الرائع عن عالم المراهقة لا يبتعد كثيرا عن السيرة الخاصّة. هبّ ضيوف كان سنة 1959 معجبين بهذا العمل الذي نال جائزة أفضل مخرج.
* الطيور The Birds
فيلم ألفرد هيتشكوك الرائع لعام 1963 الذي حققه عن رواية دافني دو مورييه من بطولة رود تايلور وتيبي هدرن. تشويق من طراز هيتشكوك الفريد.
* أتذكر Amarcord
أحسن «كان» اختيار «أماركورد» لافتتاح دورة 1974. أحد أهم أفلام المخرج الإيطالي فديريكو فيلليني. بعد كان نال الفيلم أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
* أحلام Dreams
بعد أن اشترك الياباني أكيرا كوروساوا أكثر من مرّة في عروض مهرجان كان، تم اختيار هذا الفيلم ليفتتح دورة العام 1990. النقاد انقسموا حوله، لكن بمقارنته بأفلام اليوم، هو تحفة جديرة.

** الأسوأ
* قتل راسبوتين I Killed Rasputin
الفرنسي روبير أوسين (أو حسين) هو الذي قام بإخراج هذه الدراما ومثل فيها دورا رئيسيا. لكن عرضه في مطلع الدورة 1967 هو من الأمور التي يتمنّى المهرجان نسيانها.
* قراصنة Pirates
حتى أكثر الناس حماسا لأفلام رومان بولانسكي لم يجد تبريرا منطقيا لاختيار هذا الفيلم لافتتاح دورة 1986.
* حاسة أساسية Basic Instinct
الفيلم الشهير لشارون ستون (أين هي الآن؟) افتتح دورة 1992 بعاصفة. ليس فقط أنه لم يكن فيلما مناسبا، بل سبق وعرض في ثلاث دول (أميركا، بيرو، أرجنتينا) قبل وصوله إلى كان).
* شيفرة دافنشي The Da Vinci Code
الفيلم التشويقي الأميركي الذي كان يستحق الاكتفاء بالعروض التجارية وحدها، فما البال بتقديمه تمهيدا لأهم مهرجان دولي سنة 2006؟



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».