تنكب آيا الخوري منذ صغرها على تنمية موهبتها في التصوير الفوتوغرافي. فهي درست هندسة المساحات الخضراء وتخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت طامحة يوما ما ممارسة هوايتها على صعيد واسع.
مؤخراً شدت أحزمتها وقررت الانطلاق برحلة تصوير تبرز فيها خصائص مدينة بيروت التي تحب. وأثمرت عن معرض تقيمه اليوم في «دار المصور» بعنوان «بيروت دائما فأبدا». لماذا بيروت؟ «لأنني وبكل بساطة أنتمي إليها وأحبها بجوارحي، وكنت كل مرة أراقبها تئن وتفرح تنفجر وتتعمر أتعلق بها أكثر فأكثر. فرغم كل شيء لا تزال في نظري أجمل المدن في العالم. وأردت من خلال معرضي هذا أن أعبر عن مدى حبي لها، وكذلك تعريف الناس إلى ميزاتها». هكذا تعلل آيا الخوري أسباب اختيارها مدينتها بيروت لتشكل موضوع أول معرض فوتوغرافي لها. وتتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كلما اقتربت من بيروت وتعرفت إليها عن كثب، كلما كبر حبي لها. فأهلها كما عماراتها وأزقتها وأحيائها ينبضون بالحياة، فيعززون هذه العلاقة الدافئة التي تولد بينها وبين زائرها».
عشرات الصور التقطتها آيا بعدستها متنقلة بين أحياء بيروت وشوارعها. فهي زارت مناطق بيروتية شعبية وأخرى راقية، والتقطت منها ما يحاكي أفكارها عنها.
وبين الطريق الجديدة وشارع الحمرا وعين المريسة وبرج حمود وسوق الطيب وغيرها شقت آيا طريق التواصل بينها وبين مدينتها. «مجمل الصور كانت بديهية وتلقائية بحيث جذبتني مشاهد عدة من دون سابق إنذار. وفي أماكن أخرى وقفت وتأملت، وقررت أن تنقل كاميرتي تفاصيل عن مدينتي كنت أجهلها».
«رقصة عجين» عنوان إحدى لوحات آيا الخوري
تتفرج على صور معرض «بيروت دائما فأبدا» (Beirut for ever and never) فتستوقفك صورة لصياد سمك مقابل بحر الرملة البيضاء، يخيل إلى ناظره بأنه تمثال من البرونز. فيما أخرى تصور فيها أحد الدكاكين البيروتية العتيقة الواقع تحت شجرة زيتون. ويقابلها أخرى تبرز آيا من خلالها حب البيروتي لمدينته. فعدستها صورت رجلا حمل كرسيا فخما من منزله، ليجعل منه مقرا له وسط شارع فارغ في الطريق الجديدة. يتلو منه قصائد الشعر هائما ببيروت التي يحب. وفي لوحة أخرى نرى مبنى «البيضة» وسط بيروت بالأسود والأبيض. فهو شاهد حي على بيروت أيام العز والحرب وحتى على ثورة 17 تشرين.
«لقد تأثرت كثيرا بهذه التجربة خصوصاً أنها كانت غنية بتواصلي مع أهالي بيروت، فاكتشفت مدى طيبتهم وبساطتهم وحبهم للضيف. وجدت عندهم الأمل الذي أفتقده، لأنهم مغرمون بعاصمتهم ويتقبلونها بحلوها ومرها».
آيا الخوري
عنونت آيا لوحاتها بأسماء كونتها من رحم انطباعاتها ومشاعرها التي اجتاحتها خلال عملية التصوير. وتتعرف خلالها إلى «العرش» و«رقصة عجين» و«اصطياد الغروب» و«بين الذكرى والشوق» و«جواهر» و«رزقة بحر». فهي ابنة الـ23 ربيعا وعكس أبناء جيلها من الشباب اللبناني، تتمسك بمدينتها وتبرز جماليتها، رافضة الهجرة وترك العاصمة وحيدة وفارغة. «بالفعل كان هدفي لفت نظر هواة التصوير من أبناء جيلي إلى سحر بيروت وروعتها. رغبت في أن أعطيهم الأمل وأشير إلى أهمية مدينتنا التي لا يعرفوا عنها سوى القليل. حتى أني دخلت أعماق الأحياء الشعبية، وأخذت صورا لأماكن ومحلات قديمة، لأذكرهم بالإرث الذي يتركه لنا أهل بيروت ولا يجب أن نفرط به».
بحر بيروت ومنطقة الرملة البيضاء كما كورنيش الروشة وجلسات المسامرة بين جيلين مختلفين، نقلتها آيا بعدسة كاميرتها. فأشارت من خلالها إلى هذا المزيج المزخرف الذي تتمتع به بيروت دون غيرها من مدن العالم.
وتختم في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تعلمت الكثير من تجربتي هذه وأهمها أن أعرف وأقدر مدينتي. فأحيانا كثيرة نمر مرور الكرام أما مبنى تراثي أو عمارة ملونة وبحر واسع وبالكاد نلمحها. فبيروت زودتني بالتفاؤل بغد جميل وشعرت أني صرت أحبها أكثر. فأمواج بحرها وثرثرات أهلها كما صراخ بائعي الخضار فيها سرقوا قلبي وكاميرتي. وأتمنى أن أكون قد قدمت لها من خلال فني هدية أعتز بها، فلقد صرت جزءا لا يتجزأ من مدينة صلبة».