دمشق ترفض إعمار المناطق المدمرة وتريد بناء «مدن جديدة»

أجهزة الأمن صادرت 120 منزلاً لـ«معارضين» في الغوطة

دمار في حلب في اغسطس 2016 (أ.ب)
دمار في حلب في اغسطس 2016 (أ.ب)
TT

دمشق ترفض إعمار المناطق المدمرة وتريد بناء «مدن جديدة»

دمار في حلب في اغسطس 2016 (أ.ب)
دمار في حلب في اغسطس 2016 (أ.ب)

علمت «الشرق الأوسط»، أن دمشق ترفض إعادة إعمار المناطق المدمرة التي استعادت السيطرة عليها خلال سنوات الحرب، وتريد بناء «مدن سكنية جديدة» خارج تلك المناطق أو في محيطها، وترك أهالي المناطق المدمرة النازحين المشردين يواجهون مصيرهم بأنفسهم. وتتحدث المعلومات عن «اقتراحات على النظام السوري إعادة إعمار الأحياء الشرقية من مدينة حلب بأموال من جهات عربية وتفاهمات إقليمية، لكن النظام رفض ذلك واقترح بناء مدن سكنية جديدة».
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، إن «أجهزة النظام الأمنية، متمثلة بفرع الأمن العسكري (الفرع 277) عمد منذ مطلع عام 2022 إلى تنفيذ حملات أمنية واسعة في مناطق متفرقة من جنوب دمشق والغوطة الشرقية أفضت إلى الاستيلاء على أكثر من 120 عقاراً تعود ملكيتها لأشخاص معارضين أو آخرين صدر بحقهم قرار الحجز على ممتلكاتهم على خلفية آرائهم السياسية ممن ما زالوا موجودين في مناطق سيطرة النظام». وأوضح أن «دوريات الفرع استولت على نحو 50 منزلاً ومحلاً تجارياً في مناطق السبينة وببيلا والسيدة زينب والحجر الأسود من جنوب دمشق، حيث عمدت دوريات الفرع المذكور أعلاه إلى إغلاق المنازل والمحال بالشمع الأحمر والكتابة عليها (محجوز لصالح الفرع 277)، بالإضافة إلى مناطق جنوب العاصمة دمشق، فإن دوريات الفرع ذاته استولت على أكثر من 70 منزلاً ومحلاً تجارياً وأرضاً زراعية منذ مطلع عام 2022 في كل من حزة وعين ترما وزملكا والنشابية وبيت سوا في الغوطة الشرقية، تعود ملكية تلك العقارات لأشخاصٍ غالبيتهم موجودون خارج سوريا ممن شاركوا بالاحتجاجات السلمية ضد النظام في بدايات انطلاقة الثورة السورية».
وتحدثت مصادر أهلية من داخل الغوطة الشرقية، بأن بعض العقارات التي جرى الاستيلاء عليها حولتها أجهزة النظام الأمنية إلى مقرات عسكرية، وبعضها الآخر جرى تشميعها والكتابة عليها «محجوز لصالح الفرع 277».
من جانبها، تحدثت مصادر «المرصد السوري»، بأن «عناصر أمنية تابعة لفرع الأمن العسكري (277) يقومون خلال الفترة الأخيرة بالتنسيق مع أعضاء الفرق الحزبية ومتعاونين معها من أبناء الغوطة الشرقية وجنوب العاصمة دمشق، بكتابة تقارير شبه يومية عن أشخاص معارضين ممن شاركوا بالحراك ضد النظام، سواء في الشق المدني أم العسكري للاستيلاء على ممتلكاتهم وفق قانون (الحجز الاحتياطي)، حيث تقوم العناصر الأمنية في بعض المناطق بعمليات ابتزاز للأهالي الذين يتم إجراء دراسات أمنية عليهم بهدف الحجز على ممتلكاتهم لدفع الأموال مقابل إيقاف تلك الدراسات وعدم رفعها لقيادة الفرع».
وأشار «المرصد» إلى أن «الأجهزة الأمنية سبق وصادرت آلاف العقارات بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلى وجه الخصوص المناطق التي شهدت حراكاً ضده والعائدة ملكيتها لأشخاص معارضين أو ممن اعتقلوا قسرياً، وجرى تغييبهم في السجون، أو باتوا خارج البلاد هرباً من بطشه في إطار معاقبة المعارضين من خلال استملاك عقاراتهم بعد صدور قانون (الحجز الاحتياطي) على أملاكهم».
وخلال الحرب المستمرة في سوريا منذ منتصف مارس (آذار) 2011، شكلت مدينة حلب شمال البلاد، منذ عام 2012، مسرحاً لمعارك عنيفة بين فصائل المعارضة المسلحة والجيش النظامي الحكومي وحلفائه روسيا وإيران، وتسببت بمقتل آلاف من المدنيين وبدمار هائل في الأبنية والبنى التحتية في شرق المدينة.
وأعلن الجيش النظامي في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2016 استعادته السيطرة على كامل مدينة حلب، ثاني أهم المدن السورية، بعد تهجير عشرات الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة من المناطق التي كانت تحت سيطرتهم، وذلك في عملية تمت بموجب اتفاق روسي - إيراني - تركي بعد نحو شهر من هجوم عنيف شنه الجيش النظامي الحكومي على الأحياء الشرقية التي شكلت معقلاً للمعارضة المسلحة.
وسبق لـ«الشرق الأوسط» أن استطلعت الأحياء الشرقية من مدينة حلب، بعدما استعاد الجيش النظامي الحكومي السيطرة عليها، ورصدت حينها نسبة دمار عالية في الأبنية والبنى التحتية، إذ من النادر وجود مبنى لم يطله التدمير، وبعضها يوشك على الانهيار في أي لحظة، بينما باتت المياه والتيار الكهربائي من المنسيات.
ورغم الوضع السابق، عادت عشرات آلاف الأسرة النازحة إلى منازلها أو إلى مبانٍ غير مسكونة تبدو صالحة للعيش، ولو لفترة على الأقل، وذلك تحت ضغوط الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه أغلبية سكان مناطق سيطرة الحكومة.
وتشير معلومات «الشرق الأوسط» إلى أن «النظام يرفض عملية إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب، ويريد بناء مدن جديدة مثل (ماروتا سيتي) و(باسيليا سيتي) في مدينة دمشق». وتلفت إلى أن «النظام يريد لأهالي المناطق التي دمرتها الحرب أن يواجهوا مصيرهم بأنفسهم، أي أن يقوموا بإعادة إعمار مناطقهم على نفقاتهم الخاصة».
و«ماروتا سيتي» و«باسيليا سيتي» هما منطقتان أعلن عنهما الرئيس بشار الأسد في عام 2012 بمرسوم تشريعي حمل الرقم 66، ونص على إحداث منطقتين تنظيميتين واقعتين ضمن المصور العام لمدينة دمشق، لتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي، وفق الدراسات التنظيمية التفصيلية المعدة لهما.
وتضم المنطقة الأولى، حسب المرسوم، منطقة جنوب شرقي حي المزة شمال غربي مدينة دمشق من المنطقتين العقاريتين مزة – كفر سوسة، فيما تضم الثانية جنوب «الجسر المتحلق الجنوبي» من المناطق العقارية «مزة – كفر سوسة - قنوات بساتين - داريا - قدم».
وما يعده النازحون مفارقة، أن وسائل الإعلام الرسمية المحلية تواظب على نقل أخبار الجولات التي يقوم بها مسؤولون على «ماروتا سيتي» و«باسيليا سيتي»، وتفقدهما لعمليات الإنجاز المستمرة في المشروعين، وتوجيهات رئيس مجلس الوزراء دائماً بضرورة الإسراع في عمليات التنفيذ، في حين يعاني النازحون من مناطق جنوب دمشق (مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، حي التضامن، القدم) ومدينة الحجر الأسود بريف دمشق، التي استعاد الجيش النظامي الحكومي السيطرة على جميعها منتصف عام 2018 من بطء شديد ومماطلة مستمرة ومتزايدة من قبل الحكومة في عمليات إزالة الأنقاض من تلك المناطق وفتح الطرقات وإعادة الخدمات الأساسية إليها من أجل عودة الأهالي إلى منازلهم، خصوصاً أن الغالبية العظمى من السكان باتت تعيش تحت خط الفقر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضار والمستلزمات المنزلية وإيجارات المنازل.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.