كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي

ملء المناصب الشاغرة في المحكمة العليا بات يعتمد على الحزب المسيطر لا الحياد

كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي
TT

كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي

كيتانجي جاكسون... قاضية سوداء تكمل مسيرة «التطور الطبيعي» للمجتمع الأميركي

تُعد المحكمة العليا في الولايات المتحدة واحدة من بين كبرى المؤسسات الأميركية التي «تضمن احترام الدستور، وتطبيق القانون، وتحقيق العدالة للجميع، والحفاظ على النظام الديمقراطي». غير أن الانقسام السياسي العميق الذي يضرب المجتمع الأميركي، سلّط الضوء على الواقع الجديد المتمثل في أن ملء منصب شاغر في المحكمة العليا في الوقت الحالي أصبح يعتمد على الحزب المسيطر على كل من البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. حدث ذلك مع تعيين الرئيس السابق دونالد ترمب 3 قضاة محافظين، خلال فترة رئاسته وسيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. ليتكرر اليوم مع تأكيد تعيين كيتانجي براون جاكسون، التي رشحها الرئيس الديمقراطي جو بايدن لعضوية المحكمة العليا. غير أن الواقع الأخطر الذي يهدد حيادية المحكمة العليا، وضمان تحقيق وظائفها أعلاه، أن أحكامها القضائية، وبدلاً من أن تحتكم إلى القانون، صارت تحتكم إلى ما يريده الرأي العام، بحسب العديد من المراقبين وخبراء القانون الأميركيين. ومع فترة ولاية مدى الحياة، أصبح تعيين القضاة قضية بالغة الأهمية في تقرير مستقبل المحكمة العليا، التي باتت أحكامها تثير انقسامات شديدة لدى الرأي العام الأميركي.
ويطرح ذلك تساؤلات عن ضرورة «إعادة نظر» استراتيجية بشأن موعد تقاعد قضاة المحكمة العليا الذين تؤثر أحكامهم في حياة الأميركيين، بما يتناسب مع التغييرات الاجتماعية والسياسية واختلاف نظرة المجتمع إلى القوانين واتجاهات تطويرها وكيفية تطبيقها.
يُعتبر تعيين القاضية كيتانجي جاكسون، أول قاضية سوداء في أرفع محكمة أميركية، سابقة تاريخية ولكن في مسار تطور طبيعي يعبّر مباشرة عن تغيّر نظرة المجتمع الأميركي، رغم انقساماته، إلى قضية المساواة العرقية. كما عُدّ تعيينها «تطوراً طبيعياً»، للحياة السياسية الأميركية، منذ انتخاب باراك أوباما، كأول رجل أسود رئيساً للبلاد، وانتخاب كامالا هاريس كأول امرأة وأول امرأة سوداء نائبة للرئيس. لكنه في المقابل، أفقد «الرجل الأبيض» للمرة الأولى أيضاً، الغالبية في المحكمة، مع خمسة من أعضائها من غير البيض، واقتراب النساء من المساواة مع الرجال (4 نساء مقابل 5 رجال). ومع تولي القاضية جاكسون منصبها في 3 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، ستكون المحكمة العليا قد شهدت أكبر تغيير في تاريخها في أقل من جيل واحد، وسيكون متوسط عمر قضاتها 61 عاماً، مقابل إدارة أميركية يبلغ فيها الرئيس 79 عاماً ورئيسة مجلس النواب 82 عاماً. وهو ما طرح نقاشات وتساؤلات عن ضرورة تحديد سقف عمري، ليس فقط لقضاة المحكمة العليا، بل ولقادة البلاد السياسيين أيضاً.
ومن نافل القول إن الرئيس بايدن قد حقق واحداً من وعوده الانتخابية المهمة، لناخبيه من الأميركيين السود، عندما قال إن المحكمة العليا في طريقها لتكون «أشبه بأميركا»، عبر تعيينه جاكسون أول قاضية سوداء في المحكمة العليا. لكن ورغم ذلك، لن يتمكن تعيينها هذا من كسر التوازن القائم في المحكمة، حيث 6 من أعضائها من المحافظين، مقابل 3 ليبراليين. ويذكر، في هذا الإطار، أنه رغم تعيين ترمب للقضاة الثلاثة نيل غورساتش وبريت كافانو وإيمي باريت، الذين غالباً ما كانوا على يمين رئيس المحكمة العليا المحافظ جون روبرتس، فإن أمله قد خاب منهم بعد تصويتهم في المحكمة على قرارات رفضت تأكيداته المبالغة عن امتيازه التنفيذي، وادعاءاته بشأن خسارته انتخابات 2020.
كما أن تعيين جاكسون لن يخفف من حدة الانقسام السياسي الذي يتجه للاحتدام، مع استعداد المحكمة العليا للنظر في قضايا تثير خلافات شديدة، على رأسها قانون الإجهاض، والتعديل الدستوري الثاني المتعلق بحمل السلاح، والتمييز العرقي في القبول في الجامعات، وحقوق المثليين مقابل الحرية الدينية وغيرها من القضايا التي ينقسم الأميركيون حولها بشكل حاد، على أسس حزبية أكثر مما هو عليه الأمر في المحكمة. غير أن مراقبين لأعمال المحكمة العليا يرون أنها ستواجه مشكلات في المستقبل، في ظل تآكل الموافقة العامة على خلفيات قضاتها، نتيجة الانقسام السياسي. وأظهر استطلاع أجرته مدرسة «ماركيت» للحقوق في مارس (آذار) الماضي، أن 54 في المائة من الجمهور يوافقون على أداء وظائف المحكمة (64 في المائة من الجمهوريين، مقابل 52 في المائة من الديمقراطيين و51 في المائة من المستقلين)، تراجعاً من 66 في المائة في سبتمبر (أيلول) 2020، رغم ارتفاعه من 49 في المائة عام 2021، لكن حتى أدنى الاستطلاعات لا تزال تظهر أن المحكمة تتصدر مستوى شعبية بايدن أو الكونغرس. ومع تلك القضايا المعروضة على المحكمة، سيكون من الصعب الحفاظ على موافقة الحزبين، التي تستند بشكل عام إلى نتيجة القضية، وليس إلى منطق المحكمة. ويرجح أن تتعزز وجهات النظر الحزبية للمحكمة، عبر إصدارها مزيجاً من القرارات، أو لقرارات محدودة النطاق، قد لا تكون كافية للتخفيف من الانقسامات الحزبية، التي يمكن أن تهيمن على الحملات الانتخابية قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الخريف المقبل.
- أوباما مهّد لجاكسون
في يوليو (تموز) 2009، عندما رشح باراك أوباما جاكسون لمنصب نائب رئيس لجنة إصدار الأحكام في الولايات المتحدة، بدا واضحاً أن عملية «إعداد وتأهيل» جارية للدفع بوجه أسود صاعد في عالم القضاء. في ذلك الوقت أكد مجلس الشيوخ تعيين جاكسون بالإجماع في فبراير (شباط) 2010، لتخلف القاضي مايكل هورويتز. وبقيت جاكسون في اللجنة حتى 2014، وفي سبتمبر 2012، رشّح أوباما جاكسون للعمل كقاضية في محكمة الاستئناف في الولايات المتحدة عن مقاطعة كولومبيا (العاصمة واشنطن)، عن المقعد الذي أخلاه القاضي المتقاعد هنري كينيدي. تم تقديم جاكسون في جلسة التأكيد في ديسمبر (كانون الأول) 2012 من قبل الجمهوري بول رايان، أحد أقاربها من خلال الزواج، الذي قال: «قد تختلف سياستنا، لكن مديحي لفكر كيتانجي وشخصيتها ونزاهتها لا لبس فيه». وفي فبراير 2013، تم تقديم ترشيحها إلى مجلس الشيوخ بكامل هيئته، ليتم تأكيدها عن طريق التصويت في مارس، وأدت اليمين في مايو (أيار) أمام القاضي ستيفن براير الذي ستخلفه اليوم في منصبه في المحكمة العليا.
ولدت كيتانجي براون جاكسون (بروتستانتية) في العاصمة واشنطن، عام 1970، وترعرعت في ميامي بولاية فلوريدا. كان والداها من خريجي كليات وجامعات السود تاريخياً. والدها، المحامي جوني براون، تخرج في كلية الحقوق بجامعة ميامي، وأصبح في النهاية كبير المحامين لمجلس مدرسة مقاطعة ميامي ديد ذات الغالبية السوداء. عملت والدتها إليري مديرة في مدرسة العالم الجديد للفنون. في عام 1996، تزوجت كيتانجي براون (اسم عائلتها قبل الزواج) الجراح باتريك جاكسون، من بوسطن، ولديهما ابنتان ليلى وتاليا. تربطها علاقة قرابة مع رئيس مجلس النواب السابق بول رايان، الذي ترشح عام 2012 كنائب للرئيس مع المرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني. فصهرها متزوج بأخت زوجة رايان.
تخرجت جاكسون في مدرسة ميامي بالميتو الثانوية العليا عام 1988. في سنتها الأخيرة، فازت بلقب الخطابة الوطنية في بطولة الرابطة الوطنية الكاثوليكية للطب الشرعي في نيو أورلينز. درست جاكسون المحاماة وأعمال الحكومة في جامعة هارفارد، وشاركت في تقديم أنشطة ثقافية وأخذت دروساً في الدراما، وقادت احتجاجات ضد طالب قام بعرض علم الكونفدرالية من نافذة مسكنه الطلابي في الجامعة. تخرجت في جامعة هارفارد عام 1992 بدرجة امتياز كبير، عن أطروحتها بعنوان «يد القهر: عمليات المساومة بالذنب وإكراه المتهمين بارتكاب جرائم». عملت جاكسون مراسلة وباحثة في مجلة «تايم» من 1992 إلى 1993، لتكمل تحصيلها في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، حيث كانت محرراً مشرفاً لمجلة هارفارد للقانون، وتخرجت عام 1996 بدرجة دكتوراه في القانون بامتياز. وبينما كانت لا تزال طالبة في الكلية، حُكم على عم جاكسون، توماس براون جونيور، بالسجن مدى الحياة لإدانته بتعاطي الكوكايين من دون عنف. بعد سنوات، أقنعت جاكسون شركة محاماة بتولي قضيته مجاناً، وخفف الرئيس الأسبق أوباما عقوبته في النهاية. فيما خدم عم آخر، يدعى كالفن روس، كرئيس شرطة ميامي.
- جاكسون معارضة قوية لترمب
بدأت حياتها المهنية القانونية بثلاث وظائف كتابية، بما في ذلك واحدة مع القاضي ستيفن براير، الذي كان لا يزال مساعداً في المحكمة العليا. قبل ترقيتها إلى محكمة الاستئناف الأميركية عن دائرة العاصمة، عملت قاضية مقاطعة في محكمة مقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة من 2013 إلى 2021. منذ عام 2016، كانت عضواً في مجلس المشرفين في جامعة هارفارد. خلال فترة وجودها في المحكمة الجزئية، كتبت جاكسون عدة قرارات معارضة لمواقف إدارة ترمب. وفي رأيها الذي يطلب من دونالد ماكغان مستشار البيت الأبيض السابق في إدارة ترمب، الامتثال لأمر الاستدعاء التشريعي من مجلس النواب، كتبت أن «الرؤساء ليسوا ملوكاً». وتعاملت جاكسون مع عدد من التحديات لإجراءات بعض الوكالات التنفيذية التي أثارت تساؤلات حول القانون الإداري. كما أصدرت أحكاماً في قضايا عدة حظيت باهتمام سياسي خاص.
في 30 مارس 2021، أعلن الرئيس جو بايدن عزمه على ترشيح جاكسون للعمل قاضية في محكمة الاستئناف الأميركية عن دائرة العاصمة. في 19 أبريل (نيسان) 2021، أرسلت أوراق ترشيحها إلى مجلس الشيوخ، عن المقعد الذي أخلاه القاضي ميريك غارلاند، الذي استقال ليتولى منصب وزير العدل. في 28 من الشهر نفسه عقدت جلسة استماع بشأن ترشيحها أمام اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ. وخلال جلسة التثبيت، تم استجواب جاكسون حول العديد من أحكامها ضد إدارة ترمب. في 20 مايو 2021، صوّتت اللجنة القضائية على ترشيحها بأغلبية 13 مقابل 9 أصوات. وفي 10 يونيو (حزيران) 2021، صوّت مجلس الشيوخ على ترشيحها بأغلبية 52 صوتاً. وبعد أربعة أيام، أكد مجلس الشيوخ تعيين جاكسون بأغلبية 53 مقابل 44 صوتاً، بعد انضمام أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري سوزان كولينز وليندسي غراهام وليزا موركوفسكي إلى جميع الديمقراطيين الخمسين. وفي أول قرار لها كقاضية في محكمة الاستئناف، ألغت جاكسون قاعدة صدرت عام 2020، عن الهيئة الفيدرالية لعلاقات العمل التي كانت تقيّد القدرة التفاوضية لنقابات العمال في القطاع الفيدرالي.
وفي 25 فبراير 2022، رشح الرئيس جو بايدن جاكسون لعضوية المحكمة العليا، لملء المنصب الذي سيشغر بعد إعلان القاضي ستيفن براير نيته التقاعد نهاية هذا الصيف، لتندلع مجدداً معركة تثبيتها على طول خطوط الانقسام الحزبية المتوقعة. وفي السابع من هذا الشهر، صوّت جميع الديمقراطيين وثلاثة جمهوريين، هم السيناتور ميت رومني وسوزان كولينز وليزا موركوفسكي، من أعضاء مجلس الشيوخ، لصالح ترشيحها، مقابل اعتراض 47 جمهورياً. وخلال جلسات الاستماع التي عقدت لتثبيت عضويتها، اتهمها الجمهوريون بالتساهل مع المجرمين، بعد دفاعها وإصدارها أحكاماً مخففة عن بعض المحكومين بجرائم القتل، رغم عدم تبنيها حتى الآن مع غالبية أعضاء المحكمة إلغاء عقوبة الإعدام، التي يدعو إليها القاضي براير. كما ذكرت وكالة بلومبرغ أن المحافظين المعترضين أشاروا إلى أنه في ربيع عام 2021، أخذت جاكسون قرارات تم نقضها في الاستئناف، بوصفها «عيباً محتملاً في سجلها». وأشاروا إلى أنه في عام 2019، حكمت جاكسون بأن أحكاماً في ثلاثة أوامر تنفيذية لترمب تتعارض مع حقوق الموظفين الفيدرالية في المفاوضة الجماعية. لكن دائرة العاصمة عكست قرارها بالإجماع. وفي قرار آخر عام 2019 يطعن بقرار لوزارة الأمن الداخلي بخصوص ترحيل غير المواطنين، تم عكسه أيضاً من قبل دائرة العاصمة. لكن مدافعين عنها قالوا إن في سجلها ما يقرب من 600 رأي قضائي، لم يتعرض سوى 12 منها للطعن.

- المحكمة الأميركية العليا سلطتها مطلقة في جميع القضايا الفيدرالية أو التي تخص الدولة
> المحكمة العليا الأميركية هي أعلى محكمة في القضاء الفيدرالي للولايات المتحدة. تتمتع بسلطة استئنافية نهائية وتقديرية إلى حد كبير على جميع قضايا المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات التي تنطوي على قضايا تخص القانون الفيدرالي، وكذلك على الولاية القضائية الأصلية على نطاق ضيق من القضايا. كما تختص على وجه التحديد في «جميع القضايا التي تؤثر في السفراء، والوزراء العامين، والقناصل الآخرين، وتلك التي تكون الدولة الأميركية فيها طرفاً». تتمتع المحكمة بسلطة المراجعة القضائية، والقدرة على إبطال القانون، لانتهاكه أحد أحكام الدستور. كما أنها قادرة على إلغاء التوجيهات والأوامر الرئاسية التنفيذية لانتهاكها الدستور أو القانون الوضعي. ومع ذلك، لا يجوز لها أن تتصرف إلا في سياق قضية في مجال قانوني لها اختصاص عليها. ويجوز للمحكمة أن تفصل في قضايا ذات مغزى سياسي. لكنها قضت خلال تاريخها بأنها «لا تملك سلطة الفصل في المسائل السياسية غير القابلة للتقاضي».
تأسست المحكمة العليا بموجب المادة الثالثة من دستور الولايات المتحدة. لكن قبل وضع هذه المادة الدستورية، تم إنشاء وتعيين إجراءات المحكمة العليا في البداية، من قبل الكونغرس الأول من خلال قانون القضاء لعام 1789. وبموجب قانون القضاء لعام 1869، حدد لاحقاً أن محكمة الولايات المتحدة العليا، تتكون من رئيس وثمانية قضاة مساعدين، يعينون لفترة مدى الحياة، ولا يغادرون منصبهم، إلّا في حالة الوفاة، أو التقاعد، أو الاستقالة، أو العزل. وهم اليوم، الرئيس جون روبرتس عينه جورج بوش الابن عام 2006، والقاضي كلارنس ثوماس عيّنه جورج بوش الأب عام 1991، ويعد الأطول في الخدمة، والقاضي ستيفن براير عينه بيل كلينتون عام 1994، وقد تقاعد أخيراً وتنتهي خدمته نهاية الصيف، لتحل مكانه القاضية كيتانجي جاكسون، والقاضي صاموئيل أليتو عيّنه بوش الابن عام 2006، والقاضية سونيا سوتوماير عينها أوباما عام 2009، والقاضية إلينا كاغان عينها أوباما عام 2010، والقاضي نيل غورساتش عينه ترمب عام 2017، والقاضي بريت كافانو عيّنه ترمب عام 2018، والقاضية إيمي باريت عينها ترمب نهاية 2020.
عندما شغور منصب فيها، يقوم الرئيس الأميركي، بترشيح قاضٍ شرط موافقة مجلس الشيوخ عليه. ورغم تعرض منصب القاضي «مدى الحياة» لانتقادات متزايدة، على خلفية تحول تعيينه إلى مسألة حزبية، وتخوفاً من «تحجر» آراء كبار السن، يقول آخرون إن ديمومة المنصب تجلب فوائد كثيرة، مثل الحياد والتحرر من الضغط السياسي. ولضمان استقلاليتهم المالية، يتقاضى قضاة المحكمة رواتب مرتفعة نسبياً. واعتباراً من عام 2021، يتقاضى القضاة راتباً سنوياً قدره 268 ألف دولار، ويتقاضى رئيس المحكمة 280 ألفاً. وتحظر المادة الثالثة من الدستور على الكونغرس، خفض رواتب القضاة. ورغم أن القانون يمنع القضاة من تلقي الهدايا ودعوات السفر باهظة الثمن، فإن تدقيقات أخيرة في العقدين الماضيين أظهرت أن جميع أعضاء المحكمة يقبلون هذه الهدايا. فقد تلقت القاضية سونيا سوتوماير 1.9 مليون دولار، من أحد الناشرين. وقام القاضي الراحل انتوني سكاليا وآخرون بعشرات الرحلات باهظة الثمن إلى «مواقع غريبة»، دفع ثمنها متبرعون من القطاع الخاص. كما تثير المناسبات الخاصة التي ترعاها مجموعات حزبية، ويحضرها القضاة مع أولئك الذين لديهم مصلحة، مخاوف بشأن التواصل معهم والتأثير في أحكامهم.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.