الدراما السعودية تعيد صالح العزاز بعد عقدين على رحيله

«العاصوف 3» استرجع دوره في توثيق التجمع النسوي لقيادة السيارة عام 1990

الراحل صالح العزاز
الراحل صالح العزاز
TT

الدراما السعودية تعيد صالح العزاز بعد عقدين على رحيله

الراحل صالح العزاز
الراحل صالح العزاز

في ثانيتين فقط، ظهر المصور والصحافي الراحل صالح العزاز عبر مسلسل «العاصوف3»، الذي يشاهد فيه السعوديون جزءاً من تاريخهم الاجتماعي خلال مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن هذه اللقطة السريعة أعادت إلى الأذهان الدور التنويري للراحل الذي ترك سيرة إعلامية عميقة، امتزجت ما بين التصوير والكتابة الصحافية.
ظهور العزاز ترافق مع مشهد استحضار حكاية النسوة اللاتي قدن السيارات في الرياض عام 1990، للمطالبة برفع الحظر عن قيادة المرأة آنذاك، في مرحلة سوداء استرجعها السعوديون بمزيج من المشاعر المختلطة والإحساس بالارتياح بعد تجاوز تلك الحقبة. إلا أن هذه الحكاية لم تكن لتوثق لولا عدسة العزاز، الذي كان المصور الوحيد الحاضر في تلك اللحظة التاريخية، وهي قصة لأول مرة تطرح في الدراما السعودية، بعد أن أصبحت تلك الأحداث مجرد صفحة في تاريخ مرحلة عصفت بالتشدد الفقهي والتضييق الاجتماعي، يمقتها معظم السعوديين.
ولأن قائمة المحظورات آنذاك ابتلعت الكثير من مناحي الحياة، فلقد كان التصوير إحداها، حيث انتشرت حينها فتاوى تحريم التصوير، إلا أن ذلك لم يحبط صالح العزاز، الذي تمسك بكاميرته، وحين جاءت حادثة قيادة النسوة للسيارات، حملها في الموقع ورصد عبرها المشهد بشجاعة، دون أن يعبأ بخطر تعرضه للمساءلة. في حين أوضحت شقيقته حصة العزاز أنه لم يكن لدى المصور الراحل أي خبر مسبق على الإطلاق حول هذا التجمع النسوي.
وأبانت أن أحد أصدقائه أخبره حينها عن الأمر بشكل شخصي، في أن هناك مجموعة سيدات خرجن لقيادة السيارة، وعرض عليه الذهاب لتصويرهن، بحسب حديثها في حلقة سابقة لبرنامج «الراحل» الذي قدمه الإعلامي محمد الخميسي على قناة روتانا خليجية، مضيفة «كان الموضوع بالنسبة له هو رصد للتاريخ وللوطن والمكان والمرأة».
ورغم تأكيدها أن صالح العزاز «لم يكن لديه أي خطط أخرى غير هذا المبدأ أو التفكير»، بيد أن دفع الثمن، وتم إيقافه بعد الحادثة لعدة أشهر، في فترة شهدت احتقاناً كبيراً تجاه حقوق المرأة، وحق قيادة السيارة - تحديداً - الذي كان من المحظورات، ليصبح اليوم أمراً اعتيادياً، وهو ما أثار دهشة الجيل الجديد ممن شاهدوا الحلقة، وتفاعلوا مع المشهد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مظهرين تعجبهم مما حدث في تلك الحقبة السوداء التي تآكلت كل معالمها اليوم.
وتكمن بسالة العزاز في قدرته على رصد المشهد الذي هز الشارع السعودي آنذاك، مع إقدام 47 سيدة سعودية على قيادة السيارة في شوارع العاصمة السعودية، وما تلا ذلك من تداعيات وصخب إعلامي واجتماعي، وهي تفاصيل ظلت لسنوات غائبة في خانة المسكوت عنه، إلا أن ما قدمه صالح العزاز أنقذ تفاصيلها من الوقوع في بئر النسيان.
في أيامه الأخيرة، ومن سرير المشفى في هيوستن، كتب صالح العزاز مقالات عدة نشرتها «الشرق الأوسط»، وأجرى حواراً مع طبيبه المباشر، في حالة من الولع الصحافي التي لازمته حتى لحظاته الأخيرة، حيث وافته المنية أواخر عام 2002، بعد أن تنقل في مسيرته المهنية بين العديد من الصحف والمجلات في مواقع ميدانية وقيادية، كان من أبرزها تجربته في العمل مديرا للتحرير في صحيفة «اليوم» التي تصدر في مدينة الدمام، شرق السعودية، كما مارس العزار كتابة المقالة اليومية في عدد من الصحف السعودية والخليجية والعربية.
لاحقاً، اختار العزاز أن يتفرغ لعشقه وهي الكاميرا والصورة الفوتوغرافية، ليسجل بها أعمالا جذبت إليه العديد من محبي هذا الفن، حيث أقام معرضه الأول في العام 1996، ثم تأهل للمشاركة في مسابقة عالمية لاتحاد المصورين العالمي في الصين عام 1997، وحصد خلالها المركز الثاني والميدالية الفضية، ثم جاء معرضه الثاني والأخير في العاصمة السعودية الرياض، عام 2001 تحت عنوان «بلا حدود».
الراحل صالح العزاز، وهو من مواليد مدينة الخبراء في منطقة القصيم عام 1959، رزق بأربع بنات وولد واحد، هم: شيهانة، وشهد، وشهلاء، وليانا، وعبد الله. وشكل رحليه الباكر عن عمر يناهز 43 عاما حدثاً صادماً للوسط الإعلامي السعودي والخليجي، الذي فجع بفقد إحدى أبرز كفاءاته، ورغم رحيله إلا أن تأثير أعماله ما زال باقياً ومتداولاً، حتى اليوم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».