في ثانيتين فقط، ظهر المصور والصحافي الراحل صالح العزاز عبر مسلسل «العاصوف3»، الذي يشاهد فيه السعوديون جزءاً من تاريخهم الاجتماعي خلال مطلع التسعينيات من القرن الماضي، إلا أن هذه اللقطة السريعة أعادت إلى الأذهان الدور التنويري للراحل الذي ترك سيرة إعلامية عميقة، امتزجت ما بين التصوير والكتابة الصحافية.
ظهور العزاز ترافق مع مشهد استحضار حكاية النسوة اللاتي قدن السيارات في الرياض عام 1990، للمطالبة برفع الحظر عن قيادة المرأة آنذاك، في مرحلة سوداء استرجعها السعوديون بمزيج من المشاعر المختلطة والإحساس بالارتياح بعد تجاوز تلك الحقبة. إلا أن هذه الحكاية لم تكن لتوثق لولا عدسة العزاز، الذي كان المصور الوحيد الحاضر في تلك اللحظة التاريخية، وهي قصة لأول مرة تطرح في الدراما السعودية، بعد أن أصبحت تلك الأحداث مجرد صفحة في تاريخ مرحلة عصفت بالتشدد الفقهي والتضييق الاجتماعي، يمقتها معظم السعوديين.
ولأن قائمة المحظورات آنذاك ابتلعت الكثير من مناحي الحياة، فلقد كان التصوير إحداها، حيث انتشرت حينها فتاوى تحريم التصوير، إلا أن ذلك لم يحبط صالح العزاز، الذي تمسك بكاميرته، وحين جاءت حادثة قيادة النسوة للسيارات، حملها في الموقع ورصد عبرها المشهد بشجاعة، دون أن يعبأ بخطر تعرضه للمساءلة. في حين أوضحت شقيقته حصة العزاز أنه لم يكن لدى المصور الراحل أي خبر مسبق على الإطلاق حول هذا التجمع النسوي.
وأبانت أن أحد أصدقائه أخبره حينها عن الأمر بشكل شخصي، في أن هناك مجموعة سيدات خرجن لقيادة السيارة، وعرض عليه الذهاب لتصويرهن، بحسب حديثها في حلقة سابقة لبرنامج «الراحل» الذي قدمه الإعلامي محمد الخميسي على قناة روتانا خليجية، مضيفة «كان الموضوع بالنسبة له هو رصد للتاريخ وللوطن والمكان والمرأة».
ورغم تأكيدها أن صالح العزاز «لم يكن لديه أي خطط أخرى غير هذا المبدأ أو التفكير»، بيد أن دفع الثمن، وتم إيقافه بعد الحادثة لعدة أشهر، في فترة شهدت احتقاناً كبيراً تجاه حقوق المرأة، وحق قيادة السيارة - تحديداً - الذي كان من المحظورات، ليصبح اليوم أمراً اعتيادياً، وهو ما أثار دهشة الجيل الجديد ممن شاهدوا الحلقة، وتفاعلوا مع المشهد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مظهرين تعجبهم مما حدث في تلك الحقبة السوداء التي تآكلت كل معالمها اليوم.
وتكمن بسالة العزاز في قدرته على رصد المشهد الذي هز الشارع السعودي آنذاك، مع إقدام 47 سيدة سعودية على قيادة السيارة في شوارع العاصمة السعودية، وما تلا ذلك من تداعيات وصخب إعلامي واجتماعي، وهي تفاصيل ظلت لسنوات غائبة في خانة المسكوت عنه، إلا أن ما قدمه صالح العزاز أنقذ تفاصيلها من الوقوع في بئر النسيان.
في أيامه الأخيرة، ومن سرير المشفى في هيوستن، كتب صالح العزاز مقالات عدة نشرتها «الشرق الأوسط»، وأجرى حواراً مع طبيبه المباشر، في حالة من الولع الصحافي التي لازمته حتى لحظاته الأخيرة، حيث وافته المنية أواخر عام 2002، بعد أن تنقل في مسيرته المهنية بين العديد من الصحف والمجلات في مواقع ميدانية وقيادية، كان من أبرزها تجربته في العمل مديرا للتحرير في صحيفة «اليوم» التي تصدر في مدينة الدمام، شرق السعودية، كما مارس العزار كتابة المقالة اليومية في عدد من الصحف السعودية والخليجية والعربية.
لاحقاً، اختار العزاز أن يتفرغ لعشقه وهي الكاميرا والصورة الفوتوغرافية، ليسجل بها أعمالا جذبت إليه العديد من محبي هذا الفن، حيث أقام معرضه الأول في العام 1996، ثم تأهل للمشاركة في مسابقة عالمية لاتحاد المصورين العالمي في الصين عام 1997، وحصد خلالها المركز الثاني والميدالية الفضية، ثم جاء معرضه الثاني والأخير في العاصمة السعودية الرياض، عام 2001 تحت عنوان «بلا حدود».
الراحل صالح العزاز، وهو من مواليد مدينة الخبراء في منطقة القصيم عام 1959، رزق بأربع بنات وولد واحد، هم: شيهانة، وشهد، وشهلاء، وليانا، وعبد الله. وشكل رحليه الباكر عن عمر يناهز 43 عاما حدثاً صادماً للوسط الإعلامي السعودي والخليجي، الذي فجع بفقد إحدى أبرز كفاءاته، ورغم رحيله إلا أن تأثير أعماله ما زال باقياً ومتداولاً، حتى اليوم.
الدراما السعودية تعيد صالح العزاز بعد عقدين على رحيله
«العاصوف 3» استرجع دوره في توثيق التجمع النسوي لقيادة السيارة عام 1990
الدراما السعودية تعيد صالح العزاز بعد عقدين على رحيله
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة