مع صدور أسطوانته الثالثة «ليتر»، أو «رسالة»، يؤكد عازف البيانو سفيان بامارت، نبوغه في التأليف الموسيقي ومهارته في الأداء. واستحق سفيان؛ المولود في شمال فرنسا، لقب «ملك البيانو»، الذي أطلقته عليه الصحافة مؤخراً. ومما يلفت النظر في سفيان أنه لا يلتزم بارتداء البدلة السوداء المعهودة لعازفي الموسيقى الكلاسيكية، بل يظهر على المسرح بسترة جلدية، وملابس شبابية أقرب إلى مظهر شباب «الراب». وهو يستبدل ثيابه مع تنوع عناوين معزوفاته، وأغلبها مستوحى من الشرق البعيد والصحارى والأهرام.
حفلته الأخيرة التي قدمها في صالة «بلييل» العريقة، كانت بشباك مغلق للتذاكر. فقد حجزت جميع المقاعد مسبقاً. وجاء في دليل الحفلة أن «موسيقى سفيان القاتمة والشاعرية تعكس دفقة عاطفية قادرة على الوصول إلى جمهور عريض. إنه يقدم فناً عظيماً في متناول الجميع».
ليس سفيان أول شاب متحدر من الهجرة ينجح في تحقيق شهرة في فرنسا. لكن من سبقوه كانوا في الغالب من مغني «الراب»، أو نجوم الكوميديا والرياضة. وهو قد دخل قائمة العازفين العشرة الأوائل عالمياً في ميدان الموسيقى الكلاسيكية، رغم أنه لا يزال في الثلاثين من العمر. فهو قد ولد ونشأ في ضواحي مدينة ليل الشمالية، ذات الطقس القاتم التي قصدها، أواسط القرن الماضي، آلاف المهاجرين المغاربيين للعمل في مناجم الفحم القديمة فيها. وكان جد سفيان واحداً من هؤلاء، عمل في المناجم قبل أن يختفي في انفجار ناري.
ملابسه على المسرح تلفت النظر
لعبت أجواء الأسرة دوراً في توجيهه. فقد أدار أبوه مدرسة لتعليم الفرنسية للأجانب، بينما كانت أمه مدرسة أدب. وهي قد حرصت على أن يتعلم كل واحد من أبنائها العزف على آلة موسيقية. وسجلت سفيان في الكونسرفاتوار منذ سن السابعة، لكي يتعلم الموسيقى الكلاسيكية والعزف على البيانو. ومنذ البداية اكتشف معلموه أن الولد يتمتع بأذن موسيقية ممتازة؛ أي ما يطلق عليه «الأذن القصوى». وبعد 16 عاماً من الدراسة، نال الميدالية الذهبية وهو في الثالثة والعشرين، عن مقطوعتين عزفهما للموسيقارين البولندي شوبان، والفرنسي رافيل.
تخرج سفيان بامارت حاملاً شهادة جامعية في الموسيقى. وبموازاة ذلك، درس القانون في جامعة ليون ونال «الماستر» في الاقتصاد وإدارة الأعمال، من معهد عالٍ في باريس. كان غارقاً في عالمين: الموسيقى الكلاسيكية من جهة؛ و«الراب» من جهة. لقد تعرف على هذه الموسيقى الشبابية من أحد أعمامه، الذي لم يكن يتوقف عن سماعها. هل يمكن تقديم الموسيقى الشبابية بروح كلاسيكية؟ هذا ما حاول أن يفعله مع فريقه، الذي شكله مع أصدقائه وحمل اسم «رابسودي». وهو قد تعاون مع المشاهير من المغنين، وشارك في التأليف لهم، وكان هدفه التوصل إلى «راب راقٍ».أثارت تلك الموسيقى المتجددة انتباه شركات الإعلانات، فوضع ألحاناً لعدد من أفلامها. كما تعاقدت معه شركة لألعاب الفيديو، ووضع الموسيقى لألعاب ذات انتشار عالمي. كانت ألحانه تلقى الرواج؛ حيث إنه حصل في عام 2010 على أسطوانتين ذهبيتين. وقال في مقابلة صحافية إنه متعلق بموسيقى شوبان، ورافيل، ودبوسي، وفي الوقت نفسه، يشعر بحرية في ارتياد آفاق أخرى، وهو ما ورثه عن والدته التي تنتمي لقبيلة من البدو البربر. ومن هنا جاء عنوان أسطوانته الأولى «كوكب».
صار في مقدوره أن يقدم حفلات منفردة للعزف. وقدم في العام الماضي عروضاً في قاعة «متحف اللوفر»، وفي مهرجان «الجاز» في مونترو، كما دعي للعزف في عدد من المدن الكبرى مثل بروكسل، وجنيف، ومدريد، ومونتريال. وبفضل هذا النجاح، حل ضيفاً على عدد من البرامج التلفزيونية الشهيرة، وعلى نشرة أخبار المساء في القناة الثانية. ويمكن القول إن مستقبل سفيان بامارت لا يزال أمامه.