باحثو «كاوست» يطورون خلية كهروكيميائية تستخرج الليثيوم من مياه البحر

باحثو «كاوست» نجحوا في استخراج الليثيوم من مياه البحر الأحمر
باحثو «كاوست» نجحوا في استخراج الليثيوم من مياه البحر الأحمر
TT

باحثو «كاوست» يطورون خلية كهروكيميائية تستخرج الليثيوم من مياه البحر

باحثو «كاوست» نجحوا في استخراج الليثيوم من مياه البحر الأحمر
باحثو «كاوست» نجحوا في استخراج الليثيوم من مياه البحر الأحمر

يعد الليثيوم مكوناً حيوياً لا في تصنيع بطاريات الهواتف الذكية وأجهزة الكومبيوتر المحمولة فحسب، وإنما في البطاريات التي تشغل المركبات الكهربائية. ومن المتوقع أن يؤدي ارتفاع الطلب عليه إلى نفاد المخزون الاحتياطي بحلول عام 2080.
طريقة مبتكرة
لذا طور باحثو جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) بقيادة البروفسور زيبينغ لاي، أستاذ الهندسة الكيميائية، طريقة مبتكرة وقابلة للتطبيق اقتصاديا؛ لاستخراج الليثيوم عالي النقاء من مياه البحر؛ حيث تحتوي المحيطات على كمية من الليثيوم أكثر بنحو 5000 مرة من رواسب الأرض المعروفة حالياً، ولكن بتركيزات منخفضة للغاية تبلغ حوالي 0.2 جزء في المليون. كما توجد جميع الأيونات الأكبر، بما في ذلك الصوديوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم في مياه البحر، ولكن بتركيزات أعلى بكثير؛ ومع ذلك، فإن الجهود البحثية السابقة لاستخراج الليثيوم من هذا المزيج لم تسفر إلا عن القليل.
أما فريق «كاوست» البحثي فقد تمكن من حل هذه المشكلة عن طريق خلية كهروكيميائية، تحتوي على غشاء خزفي مركب من أكاسيد ثلاثة عناصر: الليثيوم، واللانثانوم، والتيتانيوم LLTO ويحتوي هيكلها البلوري على ثقوب واسعة بما يكفي للسماح بمرور أيونات الليثيوم، في حين أنها تمنع أيونات معدنية أكبر.
وفي هذا الصدد يقول الدكتور تشن لي الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه، الذي عمل على تطوير الخلية: «لم يتم استخدام أغشية أكاسيد الليثيوم، واللانثانوم، والتيتانيوم LLTO من قبل في استخراج وتركيز أيونات الليثيوم».
وعلاوة على ذلك، تحتوي الخلية على ثلاث حجيرات. في البداية يتدفق ماء البحر إلى حجيرة تغذية مركزية، حيث تمر أيونات الليثيوم الموجبة عبر الغشاء المركب من الأكاسيد السابق ذكرها إلى حجيرة جانبية. كما تحتوي هذه الحجيرة الجانبية على محلول منظم وكاثود (قطب سالب) نحاسي مغطى بالبلاتينيوم والروثينيوم. وفي هذه الأثناء، تخرج الأيونات السالبة من حجيرة التغذية من خلال غشاء تبادل الأيون القياسي، لتمريرها إلى حجيرة ثالثة تحتوي على محلول كلوريد الصوديوم وأنود (قطب موجب) بلاتينيوم روثينيوم.
واستعان الباحثون بمياه البحر الأحمر لاختبار هذه التقنية. فعند جهد 3.25 فولت، تولد الخلية غاز الهيدروجين عند الكاثود وغاز الكلور عند الأنود. وهو ما يؤدي إلى نقل الليثيوم عبر الغشاء الخزفي المركب من أكاسيد ثلاثة عناصر: الليثيوم، واللانثانوم، والتيتانيوم LLTO، حيث يتَراكم في الحجيرة الجانبية.
بعد هذه العملية، يصبح بين أيدينا مياه غنية بالليثيوم، تُعتبر مادة أولية لأربع دورات أخرى من المعالجة، لنصل في النهاية إلى تركيز يزيد على 9000 جزء في المليون. ويؤدي ضبط الأُس الهيدروجيني لهذا المحلول إلى توفير فوسفات الليثيوم الصلب الذي يحتوي على مجرد آثار من أيونات معدنية أخرى - نقية بما يكفي لتفي بمتطلبات مصنعي البطاريات.
تكلفة منخفضة
إن الطريقة المبتكرة للتنقيب عن الليثيوم قادرة على أن تكون أكثر فاعلية من حيث التكلفة من الأساليب الحالية، مما يجذب اهتمام المستثمرين وخبراء التعدين حول العالم. فالتكلفة الرئيسية المتضمنة هي الكهرباء، وحتى هذه التكلفة تعد منخفضة نسبياً. وبحسب تقدير الباحثين؛ فالخلية ستحتاج 5 دولارات أميركية فقط من الكهرباء لاستخراج كيلوغرام واحد من الليثيوم من مياه البحر. كما أن قيمة الهيدروجين والكلور التي تنتجها الخلية ستعوض هذه التكلفة، بالإضافة إلى إمكانية استخدام مياه البحر المتبقية في محطات تحلية المياه لتوفير المياه العذبة.
كما أن هذه الطريقة تتجنب الخطوات باهظة الثمن في سلسلة التوريد مثل سحق خام المعدن، والنقل من المناجم البعيدة إلى مرافق المعالجة، ومن ثم إلى المستهلكين. وتعد سوق الليثيوم العالمية شديدة التركز: فمعظم احتياطي الليثيوم يوجد في أميركا الجنوبية، تمتلك 4 شركات كبرى زمام الأمور في الوصول إليه.
ومنذ أن نشر لاي وفريقه نتائجهم في ورقة بعنوان «عملية غشاء الضخ الكهربائي المستمر؛ لاستخراج الليثيوم من مياه البحر» في عدد مايو (أيار) 2021 من مجلة «الطاقة وعلوم البيئة الأكاديمية»، اكتسب الابتكار تغطية من المنشورات بما في ذلك: مجلة أخبار الكيمياء والهندسة، ومجلة التعدين الكندية، ومجلة ميتال تيك.
بينما تلقى العلماء أكثر من 30 استعلاماً من الشركات والمؤسسات الاستثمارية، وقعوا معها اتفاقيات عدم إفصاح؛ للتفاوض بشأن صفقات استثمارية لشركة ناشئة تقوم بإنتاج وبيع هذه التقنية الجديدة.
ومن المتوقع تزايد الطلب على الليثيوم بشكل كبير في السنوات القادمة؛ بسبب الجهود المبذولة لتوسيع إنتاج المركبات الكهربائية، وتخزين الطاقة الكهربائية المتولدة من مصادر متجددة على مستوى العالم؛ استجابة لتغير المناخ.
وإلى جانب أن الليثيوم يعد ركيزة أساسية في التحول المستمر للطاقة، فإن هذا المشروع الواعد يلبي أهداف الاستدامة التي تبنتها «رؤية المملكة العربية السعودية 2030»، حيث إن متطلبات الطاقة لمشروعات الغيغا والاقتصاد العالمي الأوسع ستستمر في النمو خلال السنوات القادمة.
ويقدم قائد الفريق، زيبينغ لاي، وعداً فيقول: «سنواصل تحسين هيكل الغشاء وتصميم الخلية لتعزيز كفاءة العملية». كما يطمح فريقه في التعاون مع مصانع الزجاج؛ لإنتاج الغشاء الخزفي المركب من أكاسيد العناصر الثلاثة: الليثيوم، واللانثانوم، والتيتانيوم LLTO على نطاق واسع وبأسعار في المتناول.


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً