شادي الهبر: لا أريد أن أنتقد السياسيين... قضيتي هي الإنسان

«مسرح شغل بيت » في جعبته 28 مسرحية وعشرات الفنانين

من تمارين مسرح شغل بيت (تصوير كريس غفري)
من تمارين مسرح شغل بيت (تصوير كريس غفري)
TT

شادي الهبر: لا أريد أن أنتقد السياسيين... قضيتي هي الإنسان

من تمارين مسرح شغل بيت (تصوير كريس غفري)
من تمارين مسرح شغل بيت (تصوير كريس غفري)

لم يكن شادي الهبر بحاجة لأكثر من بيت قديم استأجره في منطقة «فرن الشباك» عام 2016. مع إعادة تأهيله، كي يتمكن من إطلاق مشروعه المسرحي الطموح، الذي تزامن مع أصعب أيام لبنان وأقساها على الإطلاق.
تعاون مع زميلته مايا سبعلي ليؤسسا معاً ورشاً مسرحية، على مدار الأسبوع، تعمل على تدريب وتخرّيج دفعات من الممثلين والمخرجين، يشاركون فيما بعد، في تقديم مسرحيات بشكل متواصل. هكذا أصبح «مسرح شغل بيت»، حاضراً في الحياة الفنية اللبنانية، دون انقطاع. «لم نتوقف عن التدريب وتقديم الأعمال، حتى أيام الحجر»، يقول لنا شادي الهبر. ويضيف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «فكرت بطريقة مختلفة. هناك كثر يحبون المسرح والتمثيل، لكن لأسباب كثيرة، منها عدم تشجيع العائلة والمجتمع، ذهبوا إلى مهنٍ أخرى، لكنهم لم ينسوا شغفهم. حين يأتون إلى الورشة، بعد نهارهم الطويل يجدون معنا اللحظات التي يلتقطون بها الأنفاس، ويمارسون خلالها عشقهم». البعض لا ينتهي إلى احتراف التمثيل، ويكتفي بأن يجد فيه فسحة للتعبير، والإفراج عن مكنوناته، أو تطوير بعض المهارات.


مشهد من مسرحية نرسيس (تصوير كريس غفري)

لكن مجموعات أخرى تنخرط في المهنة. ويساعد «مسرح شغل بيت» المتدربين في امتهان التمثيل، وربما تعلم الموسيقى والإضاءة، والماكياج، وغيرها من المهارات، ليشكلوا فريقاً متكاملاً، يقدم مسرحياته بالاعتماد على نفسه. «أدفع لمن أجد عنده الكفاءة، لينخرط في ورش تقنية متعددة. هؤلاء يعودون لينضموا إلينا، ويسهموا معنا في أعمالنا المسرحية. مسرحيتنا الأخيرة التي قدمناها (فولار) على (مسرح المدينة) من تمثيل سوسن شوربا. اعتمدنا فيها كلياً على كفاءاتنا، كان مع الممثلة على المسرح، مؤدون ومساعدون، نحو ثمانية أشخاص من الفرقة، وعدد مماثل يعمل على التقنيات. وبذلك حققنا ما يشبه الاكتفاء الذاتي».
مسرحيات عديدة قدمها «مسرح شغل بيت» بينها «ألفت» التي تتعلق بحضانة الأطفال من قبل الأم، و«درج» عن ضياع الحب في زمن الفوضى، و«أفيون» عن حال الإنسان وعلاقته بالعمل. «لا يعنيني أن أشتم رجال السياسة، أو أن أنتقدهم. هذا ليس همي في الوقت الحالي وقد أغير رأيي، فيما بعد. كل السياسة لا تعنيني. أنا قضيتي الإنسان، وهي محور الأعمال التي نقدمها».
درّب «مسرح شغل بيت» منذ إنشائه قبل 6 سنوات، أكثر من 18 مجموعة، وأصبحت له فرقة دائمة مكونة من عشرين فناناً. «قدمنا لغاية اليوم ما يقارب من 28 مسرحية، بين مسرحيات طلاب، وأعمال احترافية، وتحولنا إلى هيئة متكاملة. نحن نقدم بمعدل مسرحية كل شهر، دون انقطاع».
«مسرح شغل بيت» مفتوح على مدار النهار. يدرب هذه الأيام خمس مجموعات. يقول الهبر: «عندنا مستويان. المستوى الأول ينضم إليه المبتدئون، وحالياً لدينا ثلاث مجموعات، تضم كل منها ما يقارب 15 شخصاً. وإذا ما نجح المتدرب في هذا المستوى، ويخضع ذلك للجنة من المحترفين تحكم على عمله المسرحي الذي يقدمه، بمقدوره أن ينتقل إلى المستوى الثاني. وهنا يخضع المتدرب لنوع آخر من التعليم، يتضمن النصوص، والمدارس المسرحية، وتقنيات أكثر عمقاً. وفي هذا المستوى ندرب حالياً مجموعتين».


مشهد من مسرحية جثة متنقلة (تصوير كريس غفري)

إذا كانت مشكلة المسارح في لبنان، دائماً مادية، مع توفر المواهب، فإن العقبة حلّت هذه المرة، لأن الملتحقين بالورشات يدفعون 500 ألف ليرة لبنانية شهرياً (الدولار نحو 24 ألف ليرة) مقابل تدريبهم. مبلغ صغير نسبياً، لكنه يكفي لتأمين إيجار المكان وتسديد فاتورة الكهرباء وباقي المستلزمات. «حين يكبر العدد، وهذا ما حصل معنا، فإن المبلغ الذي نجمعه يصبح كافياً. ثم إننا من خلال أسعار البطاقات حتى لو كانت منخفضة يمكننا أن نسدد مبلغاً رمزياً للممثلين والفنيين. لا يمكن أن نخرج من مسرحية دون مردود ولو صغيراً، نوزعه على المشاركين معنا».
تمكن شادي الهبر بهذه الحلقة التي شكلها من متدربين، وممثلين، ومسرحيات تبيع تذاكر لجمهور يتنامى بعد الحجر والأزمة الاقتصادية، من أن يؤمن تمويلاً ذاتياً لفرقة مستقلة، وأعمال يصفها بأنها «تملك زمام أمورها».
تدرّب الهبر مع المسرحي الكبير منير أبو دبس لسبع سنوات، أما زميلته مايا فواكبته عشرين عاماً في محترفه في بلدة «الفريكة». منذ البدء عرف الهبر أنه يحب المسرح، ولا يمكنه أن يذهب إلى مهنة أخرى، لكنه في الوقت نفسه لم يرد أن يكون مرتهناً لأحد «لأنني أعرف البئر وغطائه في المجال الفني. مع احترامي للجميع، هذه الاستقلالية تمنحني الحرية والإحساس بالراحة».
لكن كانت شكوى دائمة، من تقاعس الجمهور عن الحضور، ومن صعوبة دفع ثمن البطاقات في وقت الأزمات. يجيب الهبر: «ثمة معادلة بسيطة، كلما ازداد عدد الممثلين، كبر عدد من يأتون لمشاهدتهم. ثم إن ثمن البطاقات، مقبول، ينخفض أحياناً إلى 150 ألف ليرة. كما أننا نبيع بطاقة الطلاب بخمسين ألفاً فقط، مما يتيح للشباب الحضور. لم يكن الفن يوماً مكاناً لجمع المال، لكن الاكتفاء ممكن».
يؤكد لنا المخرج شادي الهبر، أن العمل كثير، والطلب يتزايد على المسرح. «هناك من يريدنا أن ندرب في مدارس، أو أن نقدم مسرحية في مخيم، أو أن نقيم عملاً توعوياً. وهذا كله نقوم به في كل لبنان، وفي مناطق مختلفة، إضافة إلى المسرحيات التي نقدمها في بيروت».


حفل جمع عائلة مسرح شغل بيت (تصوير كريس غفري)

لمؤسس «مسرح شغل بيت» مشاريع كثيرة لم تنفذ بعد. الوقت لا يتسع «من بين ما أفكر به. هو التواصل مع المدارس، لا للتدريب على التمثيل، وإنما للتعريف بالمسرح وأهمية ارتياده، وآداب التعاطي في صالة المسرح». ثمة إمكانية كبيرة «لخلق توازن بين البيزنس والفن. هذا ضروري لإنشاء مسرح حرّ يعتمد على قدراته الذاتية، ولا تملى عليه أجندات لا يريدها. فأي خلل بين الاثنين، يكون ضحيته العمل الفني نفسه، وقوته ومتانته».
من الآن إلى يوليو (تموز) سيقدم «مسرح شغل بيت» ثلاث مسرحيات. في 7 مايو (أيار) ستقدم الدفعة 16 من المتدربين مسرحيتها «رحم» حول إمكانية الولادة الجديدة للإنسان. ومسرحية ثانية محترفة هذه المرة، في 10 يونيو (حزيران) كتبها ديمتري ملكي وإخراج شادي الهبر، تمثيل ديما الحلبي وجميل الحلو هي «دفاتر لميا»، تحكي قصة لميا التي تخدم في بيت وبعد وفاتها، يذهب ابن اخيها، ينبش في أغراضها وكأنه يعاود اللقاء بعمته، وكأنها تخبره قصتها. يقول الهبر «هي قصة عمتي التي بدأت تخدم في بيت منذ كان عمرها 12 سنة إلى أن ماتت بالسرطان. المسرحية تسلط الضوء على معاناة النساء اللواتي يحرمن من التعليم، ويزج بهن صغيرات السن في الخدمة المنزلية».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.