الدراما اللبنانية في غيبوبة «إنعاشها» ليس بالاستسهال

بوستر مسلسل «كسر عضم»
بوستر مسلسل «كسر عضم»
TT

الدراما اللبنانية في غيبوبة «إنعاشها» ليس بالاستسهال

بوستر مسلسل «كسر عضم»
بوستر مسلسل «كسر عضم»

الوضع صعب، لكن ما نشاهده لا أعذار له. في لبنان، تحاول الصناعة الدرامية المنهكة الصمود للإبقاء على حضورها في الموسم الرمضاني. ورغم النوايا الحسنة، فإن النتيجة تقريباً دون المستوى. تعرض «إم تي في» مسلسل «والتقينا» من إنتاج «مروى غروب» لمروان حداد، وتعرض «الجديد» مسلسل «الزمن الضائع» من إنتاج «فينيكس بروداكشن» لإيلي معلوف. بنية العملين مهزوزة، برغم محاولة الأول محاكاة الواقع اللبناني منذ الثورة. عداهما، تغيب المسلسلات المحض لبنانية، بانسحاب كارين رزق الله للمرة الأولى من رمضان. الأسباب «إنتاجية»، كما غردت في «تويتر». المنتج إنسان يتأثر بالظرف ويصيبه ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل عملته المحلية بسهم حاد. وحين يكون أمام خيارين، الصمود أو الاستسلام، يقرر عدم اليأس. لا يمكن تجريد المرء عن النيران حوله. يهب الانهيار فيلفح مصيره الشخصي والمهني.
إن استثنينا شركتي الإنتاج المملوكتين من لبنانيين، «الصباح إخوان» لصادق الصباح و«إيغل فيلمز» لجمال سنان، فإن الوضع يرثى له. تكف الشركتان الكبيرتان عن الإنتاج المحض اللبناني، بذريعة ما يطلبه السوق وشروط التصدير إلى الخارج. لم يعد الداخل المشظى مسرحاً للعرض والطلب. لديه ما يكفي من الأعذار ليزج بالدراما اللبنانية في أسفل أولوياته.
والتلفزيونات هي الأخرى مصابة بكدمات قاسية. تحاول «إم تي في» تسديد صفعة في وجه الإحباط العام. ومع ذلك، تفلت يد كارين رزق الله التي حققت مسلسلاتها على شاشتها الأصداء والأرقام. «إل بي سي آي» و«الجديد» على نغمة واحدة في «التوفير». الحجة والواقع معاً: كلفة الإنتاج عالية والمشترون مفلسون. وحين تحولت الشركتان إلى إنتاج الأعمال المشتركة، أصيبت الدراما اللبنانية بدوار شديد. راح رجلان يحاولان «إنعاشها» بعدما أخلت «إم تي في» وكارين رزق الله الساحة، ولم تحجز شركات إنتاج لبنانية أخرى مقعداً رمضانياً ثابتاً: مروان حداد وإيلي معلوف. يطيلان عمرها، لكن بأضعف الإمكانات.
بتفرغ صادق الصباح وجمال سنان للإنتاجات المشتركة وللمسلسلات بين مصر والمغرب والخليج، وبسير شركة مفيد الرفاعي (MR7) على خطى «البيع إلى الخارج»، يمكن، بحزن بالغ، الحديث عن موت مؤجل للدراما اللبنانية يشق طريقه نحو نهاية جنائزية. وإلى أن ينتفض المنتجان (معلوف وحداد) على الترقيع والاستسهال، لا شيء يبشر بنهوضها من غيبوبتها، طالما أن النجاة ليست فقط بالنوايا الحسنة، بل بمحتوى ممسوك وضبط ممثلين وإخراج يتحلى بموهبة. لا يليق التنظير حين يشتد الخناق على الإنسان والأرض. ليس المطلوب ميزانيات ضخمة لتقديم أعمال لها قيمة. المطلوب مواهب ونصوص وكاميرات تحترم المستوى. والأهم، الاستغناء تماماً عن مسمعي الحوارات البلهاء! هؤلاء يتكاثرون في المسلسلات، يضحكون متى يذرفون دمعة ويثيرون الأسف متى يحاولون الإضحاك. المعضلة ليست في عدم القدرة على استمالة «نجوم الصف الأول» إلى دراما تكاد تلفظ أنفاسها. هي في تضعضع التركيبة من أساسها. لا بأس بمسلسل «متواضع» بميزانيته، يمنح الفرص لمواهب جدية تحتاج إلى نقطة انطلاق.
ما يحدث مؤسف من الجهتين: ميزانيات ضئيلة (قد يبررها الظرف) ومسمعو نصوص (لا مبرر لوجودهم تحت أي ظرف)، يضاف إليهم كتاب يعجزون عن إمساك الشخصيات برغم طرح عناوين اجتماعية قد تبدو مهمة، ومخرجون لا يصلحون لإعطاء التعليمات والوقوف وراء الكاميرا. المحزن أن أسماء في التمثيل لها مسيرتها، حين تقف بين هذه الأيادي، تصاب بالوهن، على عكس وقوفها أمام نصوص وكاميرات متينة. كأن عدوى الركاكة سريعة الانتشار وتتسبب في أضرار في الصورة والسمعة. ينبغي الاعتراف بحقيقة ليست لطيفة: بعض الضعف الدرامي ليس مستجداً، بل هو أقرب إلى نهج. ففي سنوات ما قبل الثورة والانهيار والانفجار، غزت الشاشة نماذج هابطة وحققت نسب مشاهدة عالية. استفادة منتجين من أرقام شركات الإحصاء، جعلتهم يطمئنون إلى أن ما يفعلونه لا يحاسبون عليه. بل بالعكس، يجدون دائماً من يصفق. فإن اعترض صوت نقدي، اتهم بمعاداة النجاح وبرشق الشجرة المثمرة! فتكرست ظاهرة تسميع النصوص واهتزاز الكاميرا، ولم يعد ثمة رادع لتنفيذ محتوى لا يرتقي إلى المستوى.
تدرج في لبنان عادة تشغيل المسرحية بمن حضر. لمروان حداد محطات في «صناعة نجوم»، والرجل معروف بمنح الفرص. وهو إن نجح يوماً في إطلاق ممثلين إلا أن النجاح ليس حليفاً دائماً. ظروفه الإنتاجية، كظروف زميله إيلي معلوف، متعثرة؛ ومن السذاجة النقدية عدم تفهم ضرورة التسويق عبر الاستعانة بوجوه تسهل المهمة. مع ذلك، لا مبرر لطبخة من دون نكهة. أمكن الاقتصاد في المكونات واستبدال أحدها بآخر، لكن من غير المسموح تقديم وجبة شبه خالية من نفسها! لكل إنسان الحق بفرصة، ونوال بري بطلة مسلسل «والتقينا» تستحق كالجميع فرصة لرسم خياراتها والبحث عن ذاتها في المجال الأحب إلى القلب. إنما إثبات النفس يكون بصعود درجات السلم. الحياة كريمة، وهذا صحيح. كان يمكن تأكيد أن الاستثناءات موجودة لجهة بعض المواهب المنتقلة فجأة إلى البطولة لو أن دورها ممسوك في مسلسل ممسوك. ولنا عودة لاحقة.



مصر تدرس تطبيق نظام «البكالوريا» بدلاً من الثانوية العامة

وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)
وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)
TT

مصر تدرس تطبيق نظام «البكالوريا» بدلاً من الثانوية العامة

وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)
وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)

طرح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بمصر، محمد عبد اللطيف، مقترَحاً جديداً لتغيير نظام الثانوية العامة، واعتماد «شهادة البكالوريا المصرية» بدلاً منه، مقترِحاً تطبيق النظام الجديد بداية من العام المقبل على الطلاب الملتحقين بالصف الأول الثانوي.

وأوضح الوزير خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الأربعاء، أبعاد النظام الجديد وتفاصيله، ووصفه بأنه «يعتمد على تنمية المهارات الفكرية والنقدية، بدلاً من الحفظ والتلقين»، كما يعتمد على التعلم متعدد التخصصات بدمج المواد العلمية والأدبية والفنية، والتقييم المستمر وتقسيم المواد على عامين، وفق بيان لمجلس الوزراء.

ووجَّه رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي بمناقشة آليات تنفيذ هذا النظام في المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، والتوافق على صيغة نهائية تطرحها الحكومة للحوار المجتمعي قبل بدء التطبيق.

ويتكون هيكل «شهادة البكالوريا المصرية» المقترحة من مرحلتين، هما المرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، والمرحلة الرئيسية (الصفان الثاني والثالث الثانوي)، وفق عبد اللطيف الذي يؤكد أنه يحظى بـ«اعتراف دولي» ويتيح فرصاً متعددة.

الوزير المصري قدَّم مقترحاً لتغيير نظام الثانوية العامة (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وتتضمن المرحلة الأولى، ممثلة في الصف الأول الثانوي، عدداً من المواد الأساسية تدخل في المجموع الكلي، وتشمل مواد التربية الدينية، واللغة العربية، والتاريخ المصري، والرياضيات، والعلوم المتكاملة، والفلسفة والمنطق واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى مواد خارج المجموع تشمل اللغة الأجنبية الثانية والبرمجة وعلوم الحاسب، وفق البيان.

وأضاف الوزير أن المرحلة الرئيسية (الصف الثاني الثانوي) ستتضمن المواد الأساسية في جميع التخصصات، وهي مواد اللغة العربية، والتاريخ المصري واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى المواد التخصصية ويختار منها الطالب مادة واحدة، وهي الطب وعلوم الحياة تشمل «الرياضيات/ الفيزياء»، والهندسة وعلوم الحساب تشمل «الرياضيات (مستوى رفيع)» و«الفيزياء (مستوى رفيع)»، والأعمال تشمل «الاقتصاد (مستوى رفيع)» و«الرياضيات»، والآداب والفنون تشمل «الجغرافيا (مستوى رفيع)» و«الإحصاء».

وبخصوص مواد المرحلة الرئيسية (الصف الثالث الثانوي)، فإنها تتضمن في المواد الأساسية لجميع التخصصات مادة التربية الدينية، بالإضافة إلى المواد التخصصية وهي الطب وعلوم الحياة تشمل «الأحياء (مستوى رفيع)» و«الكيمياء (مستوى رفيع)»، والهندسة وعلوم الحساب تشمل «الرياضيات (مستوى رفيع)» و«الفيزياء (مستوى رفيع)»، والأعمال تشمل «الاقتصاد (مستوى رفيع)» و«الرياضيات»، والآداب والفنون تشمل «الجغرافيا (مستوى رفيع)» و«إحصاء».

وزير التربية والتعليم المصري خلال طرح النظام الجديد للثانوية العامة (رئاسة الوزراء)

وكان وزير التربية والتعليم المصري الذي تولى الحقيبة الوزارية في يوليو (تموز) الماضي، قد أعلن في أغسطس (آب) عن تغييرات في نظام الثانوية العامة بتخفيض عدد المواد للصف الأول الثانوي من 10 إلى 6 مواد، والصف الثاني الثانوي من 8 إلى 6 مواد، والصف الثالث الثانوي من 7 إلى 5 مواد؛ الأمر الذي أثار جدلاً وقتها.

وسرعان ما تعرَّض مقترح الوزير إلى انتقادات عدة عبر «السوسيال ميديا»؛ إذ اعتبر متابعون وأولياء أمور أن «التغييرات المتتالية خلال السنوات الماضية في نظام الثانوية العامة أضرت بمستقبل الطلاب ولم تفدهم، وأن تغيير استراتيجيات التعليم يتطلب سنوات طويلة».

وبخصوص نظام «البكالوريا» الجديد، أشار الوزير، إلى مجموعة من القواعد العامة التي تخصّ المرحلة الرئيسية (الصفين الثاني والثالث الثانوي)، تضمنت أن الامتحانات تتاح بفرصتين في كل عام دراسي خلال شهري مايو (أيار) ويوليو لمواد الصف الثاني الثانوي، وشهري يونيو (حزيران) وأغسطس لمواد الصف الثالث الثانوي، وأن دخول الامتحان للمرة الأولى يكون مجاناً، وبعد ذلك بمقابل 500 جنيه (الدولار يساوي 50.58 جنيه مصري) عن كل مادة، ويحتسب المجموع لكل مادة من مواد الثانوية السبع من 100 درجة.

الوزير يتابع العملية التعليمية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وعدّت عضو لجنة التعليم بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المصري) الدكتورة جيهان البيومي «النظام الجديد مقبولاً إذا كان يستهدف الخروج من فكرة حشو عقول الطلبة بالمعلومات والاعتماد على الحفظ والتلقين فقط، وهو أمر انتهى عصره في كل الدول»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أما الفكرة وآلية تطبيقها فهما ما نحتاج إلى مراجعته ومعالجة أساليب التطبيق؛ وهو ما يستدعي مناقشته مع الوزير ولجنة التعليم وأيضاً الاستماع إلى المناقشات المجتمعية للوصول إلى أفضل الحلول وأفضل تطبيق».

وتعرّض نظام الثانوية العامة في مصر لتغييرات على مدى سنوات، من بينها تغيير النظام من عام واحد رئيسي (الصف الثالث الثانوي) إلى عامين هما «الصفان الثاني والثالث الثانوي»، ثم عودة النظام القديم واحتساب المجموع لعام واحد فقط.

وخاض امتحان الثانوية العامة في العام السابق 2024 أكثر من 750 ألف طالب وطالبة في الشعبتين الأدبية والعلمية بشعبتيها (العلوم والرياضة)، وتمثل شهادة الثانوية محطة مفصلية في المسار التعليمي للطلاب، وتحظى باهتمام شديد من معظم الأسر المصرية.

ويتوقع أن يثير المقترح الجديد جدلاً وسعاً في مصر بسبب أهميته لمئات الآلاف من الأسر في جميع المحافظات.