الانتخابات الفرنسية: المفاجآت غير مستبعدة

ماكرون يوجّه سهامه للوبن... وميلونشون «متربص»

فرنسية تلتقط صورة «سيلفي » مع الرئيس ماكرون في سوق مفتوحة قرب باريس أمس (أ.ف.ب)
فرنسية تلتقط صورة «سيلفي » مع الرئيس ماكرون في سوق مفتوحة قرب باريس أمس (أ.ف.ب)
TT

الانتخابات الفرنسية: المفاجآت غير مستبعدة

فرنسية تلتقط صورة «سيلفي » مع الرئيس ماكرون في سوق مفتوحة قرب باريس أمس (أ.ف.ب)
فرنسية تلتقط صورة «سيلفي » مع الرئيس ماكرون في سوق مفتوحة قرب باريس أمس (أ.ف.ب)

بدأت منتصف الليل الماضي فترة «الصمت الانتخابي» التي تمنع أي دعاية انتخابية أو نشر نتائج استطلاعات الرأي أو التحدث إلى وسائل الإعلام، بانتظار الساعة الثامنة من مساء الغد حيث تظهر أولى نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية.
وفيما يخيِّم جو من الترقب، أو التخوف، حول نسبة مشاركة الـ48 مليون ناخب في هذا الاستحقاق الرئيسي في الحياة السياسية في فرنسا نظراً إلى الصلاحيات الواسعة التي يوفرها دستور الجمهورية الخامسة لرئيس الجمهورية، فإن ما أفرزته استطلاعات الرأي المتعاقبة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة تبيِّن أن اثنين من ثلاثة مرشحين سيتمكنان من التأهل للدورة الثانية التي ستجرى في 24 الجاري. والثلاثة هم: الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، ومرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون.
وإذا كانت استطلاعات الرأي الأخيرة ترجِّح تأهل ماكرون ولوبن للجولة الحاسمة بحيث يحصل الأول على 26% إلى 27% من الأصوات، فيما الثانية ستحصل على 23% إلى 24%، إلا أن عدداً من المحللين لا يستبعد حصول مفاجأة تحمل ميلونشون، الذي يخوض المنافسة الرئاسية للمرة الثالثة كما مارين لوبن، من أن يقارع للمرة الأولى الرئيس ماكرون باسم كتلة وناخبي اليسار بمختلف تياراته. لكن ميلونشون ما زال بعيداً عن الالتصاق بمنافسيه الأولين (ما بين 16 و17%). ويقوم رهانه على تعبئة محازبيه وأنصاره، وعلى اجتذاب نسبة مهمة من ناخبي مرشحي الحزبين الاشتراكي والشيوعي (آن هيدالغو وفابيان روسيل) وبعض ناخبي مرشح الخضر يانيك جادو، إضافةً إلى تخلف بعض ناخبي لوبن.
تعد نسبة المشاركة المجهول الأكبر في هذه الانتخابات وربما وصلت إلى 30% أو جاورتها. وبما أن شريحة كبيرة من الناخبين تقرر في اللحظة الأخيرة لمن تعطي صوتها، فإن الركون إلى ما تحمله استطلاعات الرأي في هذه المنافسة لا يخلو من المقامرة. ثم إن غياب اليقين ينسحب على الجولة الثانية.


             مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن وسط مؤيديها خلال جولة انتخابية في جنوب فرنسا أمس (أ.ف.ب)

وللتذكير، فإن الرئيس ماكرون سحق في الجولة الثانية من انتخابات عام 2017 منافسته لوبن. إذ حصل على 66% مستبِقاً الأخيرة بـ32 نقطة. لكنّ الأمور تغيّرت بعد خمس سنوات من وجوده في قصر الإليزيه. ذلك أن استطلاعات الرأي تبيّن تقلص الفارق بشكل كبير، بحيث يتأرجح ماكرون ما بين 52% و53%، ولوبن ما بين 47% و48%. والحال أن هامش الخطأ يصل إلى 2%، ما يعني أن مصير المنافسة الرئاسية ليس معروفاً سلفاُ. والنتيجة أن نوعاً من القلق أخذ يدبّ في صفوف الطاقم الرئاسي. إضافةً إلى أن ماكرون أخذ في الأيام الأخيرة يستهدف لوبن بشكل مباشر. واستغل المقابلة التي نشرتها صحيفة «لو باريزيان» أمس، وكذلك الحديث الصحافي إلى إذاعة «آر تي إل» لمهاجمة لوبن والتنديد ببرنامجها الانتخابي. ففي نظره، «لم تتغير أساسيات برنامج لوبن الانتخابي إذ إنه برنامج عنصري وعنيف يهدف إلى إحداث انشقاق داخل المجتمع». واتهم ماكرون منافسته بـ«الكذب» واتباع نهج «التقية»، معتبراً أنها ستكون «عاجزة» عن تنفيذ وتمويل برنامجها الاقتصادي – الاجتماعي، مندداً في الوقت عينه، بالصورة التي تريد الترويج لها من أنها تخلت عن التطرف وأصبحت مرشحة عادية.
لم يحن بعد زمن النظر في الأخطاء التي ارتكبها فريق ماكرون. لكن يبدو اليوم أن دخوله المتأخر الحملة الانتخابية أحد أسباب تراجع شعبيته مقارنةً بمنافسته. ذلك أن لوبن أعلنت ترشحها رسميا في 9 أبريل (نيسان) من العام الماضي، أي قبل عام تماماً، بينما ماكرون أعلن ترشحه في 3 مارس (آذار)، أي بعد نحو عام من منافسته. وبالطبع، ماكرون، كرئيس للجمهورية وللاتحاد الأوروبي، كان منشغلاً للغاية (وما زال) بالحرب في أوكرانيا وبمساعيه لنفح النادي الأوروبي بدينامية جديدة وبمشاركته في الاجتماعات المتلاحقة متعددة الأشكال (الاتحاد الأوروبي، والحلف الأطلسي، ومجموعة السبع...) فضلاً عن إدارة شؤون فرنسا. وبالتالي لم تكن أجندته تسمح له بأن يتفرغ للمعركة الرئاسية ومن أجل ولاية ثانية.
إلا أن المحللين السياسيين يرون أسباباً أخرى وراء تراجع التأييد لماكرون وأولها برنامجه الانتخابي وما نص عليه (أو ما لم ينص عليه) من مقترحات. فماكرون، على سبيل المثال، يقترح رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً، داعياً الفرنسيين، في حال رغبوا في المحافظة على نظامهم الاجتماعي، إلى العمل لفترة أطول. ففي ألمانيا، يقع التقاعد في سن الـ67 عاماً. والحال أنه سعى، إبان حكومة إدوار فيليب وقبل جائحة «كوفيد - 19» إلى تعديل قانون التقاعد، الأمر الذي أثار موجة من الاحتجاجات والإضرابات. وكانت المحصلة أن مشروع القانون الذي أُعد وُضع على الرف. كذلك رأى كثيرون أن برنامج ماكرون يميل يميناً بحيث ابتعد عنه ناخبو اليسار. وفي المقابل، فإن منافسته سعت إلى أن تكون أقرب إلى الناس وجعلت الدفاع عن القوة الشرائية لولب دعايتها الانتخابية بالتوازي مع التركيز على مسائل الأمن والهجرات.
وعلى الرغم من محاولات لوبن أن تقدم نفسها على أنها مرشحة معتدلة، فإن برنامجها يقول عكس ذلك. ففي موضوع الهجرات، فإنها تريد استشارة الفرنسيين في استفتاء عام. وليس سراً أنها تريد وضع حد للهجرات العشوائية واتباع سياسة «الكوتا» المرتبطة بحاجة الاقتصاد، وإلغاء الحصول على الجنسية الفرنسية بشكل آليّ للذين يولدون على الأراضي الفرنسية من أبوين مهاجرين، وحصر الحصول على الهوية الفرنسية عبر عملية التجنس المعقدة عادةً. وتريد بالتوازي إلغاء سياسة الشمل العائلي واتباع سياسة تفضيلية لصالح الفرنسيين في العمل وتخصيص المساكن والمساعدات الاجتماعية. كذلك ينص برنامجها على حرمان الأجنبي من تأشيرة الإقامة إذا كان عاطلاً عن العمل لأكثر من عام، والطرد المنهجي للمهاجرين غير الشرعيين وللأجانب الذين يُمضون أحكامهم في السجون الفرنسيون وكل من لا يحصل على حق اللجوء...
هذا غيض من فيض ما تقترحه لوبن التي تريد أيضاً منع أي إشارة دينية في القضاء وتشديد سياسة التعاطي مع الإسلامويين. إلا أنها تبدو أقل تطرفاً قياساً لما يطرحه مرشح اليمين الشعبوي إريك زيمور الذي يرى في الإسلام وليس في الإسلام الراديكالي المتطرف أو الإسلامويين، الخطر الأكبر الذي يهدد الجمهورية الفرنسية والثقافة والحضارة الغربيين، وتصل به الأمور إلى طلب منع الأسماء العربية واستبدال أسماء غربية بها...
تسير انتخابات عام 2002 على الأرجح، باتجاه استنساخ ما جرى عام 2017 مع فارقين أساسيين: الأول، أن ماكرون اليوم، افتقد الدينامية التي نجح في استثارتها المرة الماضية وخسر الكثيرين ممن آمنوا برغبته الإصلاحية وبسعيه لتخطي الأحزاب التقليدية فضلاً عن أن كثيرين ما زالوا يرون فيه «مرشح الأغنياء». وبعد أن كان متيقناً من اجتياز الامتحان الرئاسي بسهولة، تبدلت الأمور في المائة متر الأخيرة. وفي المقابل، فإن لوبن تعلمت من تجربتها الماضية، وهي تؤكد أنها اليوم «جاهزة» لتسلم إدارة شؤون البلاد. ويقف مرشح اليسار المتشدد «متربصاً»، وهو الذي كرر كثيراً أن «لحظته قد أتت». وثمة إجماع على أن ميلونشون قام بالحملة الانتخابية الأكثر نجاحاً، إذ قفزت شعبيته من أقل من 10% إلى حدود 17% على الرغم من وجود خمسة مرشحين يمكن تصنيفهم على يسار المشهد السياسي الفرنسي.
يبقى أن الكلمة الفصل ستكون لصناديق الاقتراع التي ستعين المرشحين الذين ستظهر صورتهما على شاشات التلفزة في الساعة الثامنة من مساء الغد.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.