رحيل الكاتب المصري مجيد طوبيا... راهب الأدب

أحد أعمال الأديب الراحل
أحد أعمال الأديب الراحل
TT

رحيل الكاتب المصري مجيد طوبيا... راهب الأدب

أحد أعمال الأديب الراحل
أحد أعمال الأديب الراحل

رحل عن عالمنا الأديب المصري الكبير مجيد طوبيا، عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد حياة أخلص فيها للأدب.
امتزج الأدب والسينما في تجربته على نحو فريد، فقدّم للثقافة العربية عدداً من المجموعات القصصية والروايات المهمة، كما درس السيناريو والإخراج السينمائي، وقدّم للسينما عدة أفلام مهمة، أبرزها «أبناء الصمت» إنتاج 1974.
نعى عدد من المثقفين الأديب الراحل عبر منصات التواصل الاجتماعي، منهم الروائي د. إيمان يحيى، الذي وصف طوبيا بـ«الموهوب الذي كتب سيناريوهات عظيمة لأفلام خالدة، وكان محباً للناس، يجلس على مقهى بميدان الجامع، ويعشق أفكار المساواة والعدل».
أما الروائي والسيناريست عبد الرحيم كمال، فرأى فيه «موهبة مصرية خالصة متفردة»، بينما أكد الشاعر والباحث أحمد سراج أن مجيد طوبيا رصد معاناة المصريين، خاصة في الفترة من نكسة 1967 حتى نصر أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وعبر عن أحلامهم وأوجاعهم، دون أن يفرق بينهم بسبب اختلاف الدين أو المذهب.
مجيد إسحاق طوبيا، المولود في 25 مارس (آذار) 1938 بمحافظة المنيا (صعيد مصر)، حصل على درجة بكالوريوس في الرياضة والتربية من كلية المعلمين في القاهرة عام 1960، ثم دبلوم معهد السيناريو عام 1970، ودبلوم الدراسات العليا بالإخراج السينمائي من معهد السينما بالقاهرة عام 1972.


الأديب الراحل

ومن أشهر أعماله الأدبية «تغريبة بني حتحوت» التي صنفت من جانب اتحاد الكتاب العرب ضمن أفضل 100 رواية عربية في القرن العشرين، و«فوستوك يصل إلى القمر»، و«غرف المصادفة الأرضية».
ويحمل طوبيا في جعبته رصيداً كبيراً من الأفلام والمسلسلات التي كتب لها القصة والسيناريو والحوار، استهلها بفيلم «حكاية من بلدنا» بطولة شكري سرحان، إنتاج 1969، و«صانع النجوم» 1976 بطولة محمود ياسين، و«قفص الحريم» 1986 بطولة شيريهان، وسهرة تلفزيونية بعنوان «تعيش زفتى حرة» 1998.
ويروي طوبيا في آخر حوار تلفزيوني له كيف أنه عمل مساعداً للمخرج محمد راضي في فيلم «أبناء الصمت» الذي كتب شهادة ميلاد النجم أحمد زكي الذي كان يقيم أثناء تصوير العمل في بيت طوبيا، مشيراً إلى أنه لم يحترف الإخراج حتى لا ينشغل عن الكتابة الأدبية. وعن أسباب إضرابه عن الزواج، أوضح أن هناك أسباباً كثيرة، منها خوفه من الفقد، الذي تعرض له برحيل أمه عن الحياة، وهو في سن مبكرة، وعدم اكتمال قصة حبه بفتاة إيطالية، فضلاً عن رغبته في التفرغ الكامل للإبداع الأدبي.
ويرى الناقد د. رضا عطية أن «طوبيا» يعد أحد أبرز الأصوات على الساحة العربية بجيل الستينات، مثل جمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، ومحمد البساطي الذي عبرّوا عن الأحلام الكبرى والإحباطات العظمى الناتجة عن انكسار حلم القومية العربية. ويضيف عطية، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، أن بعض أعمال الراحل مثل «تغريبة بني حتحوت» و«الهؤلاء» و«حكاية ريم الجميلة» تتخذ من تراث الحكي العربي إطاراً فنياً، كما تبرز محاولات تهميش اليسار الثقافي في حقبة السبعينات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».