«الرُّمان»... تاريخ من الأساطير والحكايات المدهشة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

«الرُّمان»... تاريخ من الأساطير والحكايات المدهشة

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

هل الرمان مجرد ثمرة عادية، نقشر جلدها السميك وصولا لحباتها الشهية؟ طرح الباحث الألماني بيرند برونر السؤال على نفسه فتوصل إلى نتيجة مدهشة، هي أن هناك تجليات ثقافية وأسطورية وحضارية منسية تعطي تلك الفاكهة أبعاداً أخرى عبر التاريخ رصدها في كتابه الممتع «الرمان - تاريخ وحكايات من حول العالم»، الذي صدرت نسخته العربية عن دار «العربي» بالقاهرة، بترجمة للأكاديمية د. سمر منير.
يرصد المؤلف، على سبيل المثال، إشارات مختلفة إلى ثمرة الرمان في الأساطير الفارسية، حيث يقال إن البطل الأسطوري «إسفنديار» أصبح لا يقهر بعد أن تناول ثمرة من هذه الفاكهة. وتظهر ضمن أساطير الإغريق «هيستيا بولبيبوس» كواحدة من ربات الجمال لكنها اختارت أن تظل عذراء للأبد. وتبدو في لوحة حائط بيزنطية مدهشة تتحدر من القرن السادس الميلادي جالسة على العرش ويحيط بها ستة أطفال أبرياء ويقدم كل منهم لها ثمرة رمان كما كان شعرها به طوق ذهبي مثبت به ثمرتا رمان.
ومن المؤكد أن اليونان القديمة عرفت هذه الفاكهة في القرن الثامن قبل الميلاد على أقصى تقدير حيث ظهر الرمان في ملحمة «الأوديسا» للشاعر هوميروس باعتباره جزءاً من حدائق الفردوس لشعب «الفياكيين» الأسطوري الذي كان يقطن الجزر البعيدة. وكان الإغريق يقدسون ثمار الرمان الذي ارتبط لديهم بالأمل في مواصلة الحياة حتى الموت وكان يعتبر من الأشياء التي تم إخفاؤها فيما كان يعرف بالصندوق الأسطوري الموجود في قاعة «التيليسترون»، وهي قاعة إقامة الطقوس السرية المقدسة في مدينة إلفسينا والتي كانت تعد المقر الرئيس لعبادة الربة ديميتر. وكان الرمان لا يظهر عندئذ إلا لمن تتكشف لهم الأسرار في الاحتفالات الطقوسية المقدمة للآلهة.
وبشكل عام احتلت فاكهة الرمان حيزاً كبيراً في علم الأساطير، فقد حسم «باريس» الصراع الدائر بين الربات الإغريقيات الثلاثة هيرا، آثينا، وأفردويت بشأن أي منهن تعد الأكثر جمالاً عندما أعطي لأفروديت ثمرة رمان. ويقال إن أفروديت ربة الجمال والحب قد زرعت بعد ذلك بيدها شجرة رمان في قبرص، كما كانت تحمل صولجاناً طويلاً متوجاً بثمرة من هذه الفاكهة. ويقال إنها قد استنبتت أول ثمرة رمان من دم حبيبها الوسيم «أدونيس» بعد أن أرتكب حبيبها خطأ عندما اصطاد خنزيراً برياً كان يرمز بدوره إلى الإله أريس.
ويشير الكتاب إلى هياكل ونقوش بارزة عديدة تثبت أن الرمان كان يستخدم بوصفه رمزاً للحياة والخصوبة، فتارة يكون رمزاً لأحد الآلهة وتارة أخرى يكون قرباناً للأحياء وأحياناً يكون عطية للموت وفي بعض الأحيان يظهر في هذه الهياكل والنقوش البارزة معادلاً لبيضة أو زهرة أو ديك. كما ترتبط أسطورة «بيرسيفون» بفاكهة الرمان ارتباطاً وثيقاً، حيث تظهر الأسطورة أن تلك الفاكهة تعد من ناحية رمزاً للحياة ولكن لها علاقة من ناحية أخرى أيضاً بالموت وما بعده من حياة مفترضة حيث إن بيرسيفون ابنة «ديمتر» ربة الخصوبة تعرضت ذات يوم للاختطاف في العالم السفلي على يد الإله «هاديس» إله الموت وفي سبيل تحرير ابنتها منعت ديميتر أي نباتات سابقة من أن تحمل ثماراً وخلقت بذلك فصل الشتاء والذي كان يعد ظاهرة غير معروفة لأحد آنذاك. ثم أطلق الإله اللص سراح الفتاة بأمر من الإله زيوس أبو الآلهة جميعاً، ولكنه جعل «بيرسيفون» مرتبطة به للأبد بأن منحها حبات رمان لتأكلها.
في السياق نفسه يمثل الرمان أحد الرموز الوطنية لدى الأرمن، وله مكانة كبيرة في تاريخ أرمينيا حيث كان يرمز للحياة والخصوبة والوفرة. ففي الأعراس الأرمينية كان يتم رمي ثمرات الرمان على الأرض وانتشار حباتها بشكل كبير يعني أن للعروس أطفالاً كثراً.
ويذكر المؤلف أنه دائماً ما تحمل ثمرة الرمان بين طياتها بعض الغموض بخاصة في سرديات الحضارات القديمة، حيث ترتبط من ناحية بالحياة وتشير كذلك إلى قوة العالم السفلي الذي ينتظر الإنسان بعد الموت، فكان يتم صناعة مجسمات من الفخار والبرونز والذهب أو العاج على هيئة تلك الثمرة لتصحب الإنسان في رحلته إلى العالم الآخر.



«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.