مصري يهدي أربيل سنويًا أكثر من مليون شتلة ورد

حضر إلى إقليم كردستان العراق قبل 33 سنة ويسهم في تزيين شوارعها وحدائقها

يعود تاريخ تأسيس المشتل إلى ستينات القرن المنصرم
يعود تاريخ تأسيس المشتل إلى ستينات القرن المنصرم
TT

مصري يهدي أربيل سنويًا أكثر من مليون شتلة ورد

يعود تاريخ تأسيس المشتل إلى ستينات القرن المنصرم
يعود تاريخ تأسيس المشتل إلى ستينات القرن المنصرم

يواصل المواطن المصري أحمد محمود علي الذي جاء إلى إقليم كردستان عام 1981 عمله اليومي في الإشراف على زراعة الأشجار والورود وتحسين نوعياتها ورفع نسبة الإنتاج في مشتل (كوران) وسط مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان. فالمشتل الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ستينات القرن المنصرم أصبح الآن ينتج أكثر من مليون شتلة ورد، بالإضافة إلى إنتاج أنواع كثيرة من الأشجار خاصة أشجار الزينة سنويا.
«الشرق الأوسط» تجولت في المشتل برفقة المواطن المصري أحمد محمود الذي جاء إلى أربيل قبل 33 عاما ليبدأ مشواره في مجال الحدائق فيها، فأصبح جزءا من المدينة التي احتضنته، فأسهم في تزيين حدائقها وشوارعها لتضاهي أجمل مدن العالم. وقال أحمد في «بعد حصولي على دبلوم الزراعة في مصر عام 1981، جئت فورا إلى العراق للحصول على عمل، وكنت أنوي في بداية الأمر البقاء لمدة ستة أشهر أو عام كحد أقصى، لكن ها أنا بقيت كل هذه الأعوام هنا وتجنست بالجنسية العراقية، وتم تعييني في دائرة المشاتل والغابات في نفس العام، تزوجت في أربيل ولدي أربع بنات وولد واحد، لكنني أزور أهلي في مصر سنويا». وأضاف محمود: «أهل أربيل أناس طيبون ولدي علاقات ممتازة هنا، وتعاملهم معي جيد، ولهذا بقيت في هذه المدينة لأنني أشعر بارتياح كبير بينهم فهم أهلي وناسي، والعادات والتقاليد هي نفسها الموجودة في مصر».
وعن بداية العمل في تطوير المشتل، قال علي: «بدأنا منذ عام 2003 بالعمل، لأن وجود المشاتل ضرورة لمديرية هندسة الحدائق، حينها كان المشتل صغيرا، الآن وسعنا المشتل بحيث ننتج سنويا أكثر من مليون شتلة ورد، غير الأشجار والشجيرات الدائمة والموسمية، فإنتاجنا مستمر طيلة الفصول الأربعة، أنا أوجد يوميا من الساعة السابعة صباحا وحتى الساعة الخامسة مساء، وحتى أيام الجمعة أوجد هنا بعد الظهر لأنني أعشق هذا العمل».
وعن أهم التجارب التي أجراها في مجال زراعة أنواع جديدة من الورود والأشجار في الإقليم، قال علي: «جربت زراعة أنواع جديدة من النباتات التي تم استيرادها من إيران وتركيا وسوريا وإيطاليا، ونجحت زراعتها في هذا المشتل، مثل زراعة شجر (توتنيا) الذي لم يكن موجودا من قبل في العراق، أنا نجحت في زراعتها والآن أنتج منها نحو (6000) شتلة كل عام، وكذلك شجرة (النادينيا)، التي لم توجد أيضا هنا وكانت تستورد من إيطاليا وتركيا وسوريا، جربت زراعتها عن طريق الأقلام ونجحت، و(الماغنوليا) و(السرو الفضي) و(الثويا)»، مبينا أنه كان يخشى من فشل تجاربه لكنه تمكن من النجاح.
وأكد علي على أن المشتل يحتاج إلى منظومة تسميد وتنقيط لكي يمكن زيادة الكمية المنتجة في المشتل، موضحا أنه يستخدم الطرق التقليدية في سقي المزروعات عن طريق اليد، مشيرا إلى أن محاولاته مستمرة في زيادة الإنتاج وتحسين نوعية الورود والأشجار، فقد تمكن أخيرا من إنجاح زراعة «شجرة واشنطن»، التي كانت تستورد في الأعوام السابقة لتزيين شوارع المدينة بمبلغ 1100 دولار لكل شتلة.
وتشكل الورود والأشجار مظهرا جميلا من مظاهر مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، فلا يخلو شارع أو طريق في هذه المدينة من زراعة الورود المتنوعة التي تشكل في تصاميمها وأنواعها لوحة جميلة تعبر عن حب سكان المدينة للورود والأشجار، فهي إلى جانب منظرها الجميل توفر بيئة نظيفة لكل من يعيش فيها، إضافة إلى الحدائق الواسعة الموجودة في المدينة والتي تتمثل في حديقة سامي عبد الرحمن، وحديقة المنارة وحديقة شانيدار، وحديقة المدينة التي تضم نافورات مائية تمنح المرء أجواء هادئة بعيدة عن مصاعب الحياة.
بدوره قال المهندس نزار عمر، مدير هندسة الحدائق والغابات في محافظة أربيل، لـ«الشرق الأوسط»: «قبل ثلاث سنوات من الآن بدأنا بالعمل على زيادة إنتاجنا من الورود، وتمكنا العام الماضي من رفع إنتاجنا للورود بحيث استطعنا تعويض مشكلة الميزانية التي أوقفت غالبية مشاريع الإقليم، لكننا حافظنا على جمالية أربيل، عن طريق إنتاجنا من الورود، وتعويض الورود التي كنا نستوردها سنويا من الخارج، فالعام الماضي أنتجنا كميات كبيرة من الورود تقدر بمليار وخمسمائة مليون دينار عراقي، بالإضافة إلى إنتاج نحو 70 ألف شجرة سنويا، وهذا الإنتاج تتم زراعته في شوارع مدينة أربيل وحدائقها». حاليا نسبة المساحات الخضراء تمثل 15 في المائة من مدينة أربيل، والعمل متواصل على زيادة هذه النسبة باستمرار، نحن الآن نستطيع أن نعتمد على إنتاجنا الداخلي في تزيين شوارعنا والحفاظ على بيئة العاصمة، مشددا على أن النجاح الذي تحقق في هذا المجال تم بجهود محلية من قبل عمال دائرة هندسة الحدائق في المدينة وبطرق يدوية تقليدية، موضحا أن هناك حاجة إلى مكائن خاصة بزراعة الورود والعناية بها بتقنيات حديثة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».