طهران ترمي كرة «القضايا المتبقية» في ملعب واشنطن

المدعي العام الإيراني أصر على متابعة ملف «سليماني»... ونائب يتحدث عن مخاوف «اقتصادية» روسية وصينية

وزير الخارجية الإيراني يلتقي المنسق الأوروبي لمحادثات فيينا في طهران يوم 27 مارس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني يلتقي المنسق الأوروبي لمحادثات فيينا في طهران يوم 27 مارس (أ.ف.ب)
TT

طهران ترمي كرة «القضايا المتبقية» في ملعب واشنطن

وزير الخارجية الإيراني يلتقي المنسق الأوروبي لمحادثات فيينا في طهران يوم 27 مارس (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الإيراني يلتقي المنسق الأوروبي لمحادثات فيينا في طهران يوم 27 مارس (أ.ف.ب)

واصلت طهران رمي الكرة في ملعب الإدارة الأميركية لحسم القضايا المتبقية من مفاوضات فيينا الهادفة لإحياء الاتفاق النووي، وسط مخاوف في إيران من انهيار المسار الدبلوماسي بعد عام على انطلاقه.
وأبلغ وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان؛ الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بأن الوسيط الأوروبي نقل «مقترحات» إيرانية إلى الجانب الأميركي، مشدداً على أن «الكرة الآن في الملعب الأميركي».
وكرر عبد اللهيان العبارة التي وردت على لسان مسؤولي الأطراف المعنية بالمفاوضات بشأن اقترابها من النهاية. ونقل بيان من وزارة الخارجية الإيرانية عن الوزير قوله للأمين العام للأمم المتحدة: «لقد اقتربنا من التوصل إلى اتفاق، ونقلنا مقترحاتنا بشأن القضايا المتبقية إلى الولايات المتحدة، عبر ممثل الاتحاد الأوروبي في المفاوضات، إنريكي مورا».
ولا يتواصل الوفدان؛ الإيراني والأميركي، في فيينا بشكل مباشر، لكن رسائلهما تمرر عبر مشاركين آخرين والاتحاد الأوروبي؛ منسق المحادثات.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن البيان الإيراني أن غوتيريش شدد على أهمية محادثات فيينا، وأعرب عن أمله في أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق في أقرب وقت.
وشكل الملف النووي؛ تحديداً مفاوضات فيينا، جزءاً أساسياً من التصريحات المنقولة على لسان وزير الخارجية الإيراني خلال الأسبوع الأخير، وذلك بعدما زار المنسق الأوروبي، إنريكي مورا، كلاً من طهران وواشنطن في محاولة لكسر الجليد من المفاوضات التي توقفت بعد عقبة روسية، مطلع الشهر الماضي.
وطلبت روسيا في اللحظات الأخيرة من المفاوضات أن تتمكن من القيام بعملها طرفاً في الاتفاق، وألا تتضرر مصالحها في التجارة مع إيران بسبب العقوبات التي تستهدفها بسبب غزو أوكرانيا. وبعد أسبوعين من النقاش بشأن الموقف الروسي، قالت موسكو إنها تلقت الضمانات المطلوبة من واشنطن.
وبعد تخطي العقبة الروسية، عادت القضايا العالقة بين طهران وواشنطن مرة أخرى إلى واجهة المفاوضات. وكشف عبد اللهيان في 26 مارس (آذار) الماضي عن أن إسقاط التصنيف «الإرهابي» عن «الحرس الثوري» هو ضمن الأمور القليلة العالقة، وذلك في أول إعلان رسمي للقضية التي كانت متداولة في تقارير صحافية. ورداً على هذا الموقف، أكد المبعوث الأميركي الخاص لإيران، روبرت مالي، أن عقوبات بلاده على «الحرس الثوري» الإيراني ستبقى بغض النظر عن الاتفاق النووي أو عن مسألة إبقاء هذه القوة المسلحة مدرجة في قائمة المنظمات الإرهابية.
وفي وقت لاحق، كشف موقع «أكسيوس» الإخباري عن أن إيران رفضت شرطاً أميركياً لتقديم التزامات بشأن خفض التصعيد الإقليمي مقابل شطب «الحرس الثوري» من قائمة الإرهاب.
والخميس الماضي، أفادت «إذاعة فردا» الأميركية الناطقة بالفارسية، نقلاً عن مصادر مقربة من المفاوضات، بأن تخلي إيران عن أي محاولات مستقبلية للانتقام لمقتل الجنرال قاسم سليماني «أحد الشروط الأساسية لإزالة (الحرس الثوري) من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية».
وقضى سليماني؛ صاحب أعلى رتبة عسكرية في إيران ومسؤول العمليات الخارجية لجهاز «الحرس الثوري»، بضربة جوية في بغداد مطلع 2020 أمر بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب؛ الأمر الذي رفع منسوب التوتر إلى مستويات تقترب من الحرب.
وقالت المصادر إن «إزالة (الحرس الثوري) من قائمة الإرهاب هي (آخر العقبات) أمام إنجاز مفاوضات فيينا»، مشيرة إلى «معلومات مفصلة» بحوزة الأجهزة الاستخباراتية الأميركية عن «خطط لاستهداف المسؤولين الأميركيين الذين تتهمهم طهران بالتورط في مقتل سليماني»؛ الأمر الذي يعرقل أي سعي.
وفي أول رد إيراني، قال المدعي العام، محمد جعفر منتظري، أمس، إن بلاده لن تتنازل عن متابعة ملف سليماني حتى «ينال المسؤولون عن هذا الأمر جزاء أعمالهم».
وقال منتظري إن الملف القضائي «متعدد الأوجه؛ كل من الحكومة العراقية والحكومة الإيرانية ودول الهيمنة مؤثر فيه»، مضيفاً: «الحكومة العراقية اتخذت خطوات، لكن التقدم أقل من توقعاتنا».
ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن منتظري قوله: «نعلن بثقة أننا لن نترك متابعة الملف حتى الانتهاء من هذه القضية... حتى لو استغرق الأمر سنوات سننتهي منها، حتى يعاقب مرتكبو الاغتيال جزاء ما فعلوه»، وأضاف: «الملف له أبعاد دولية، ويستغرق وقتاً».

مخاوف الصين وروسيا
في فيينا، أثار تجميع الخيمة المخصصة للصحافيين أمام فندق «كوربورغ»، اهتمام المراقبين بينما يسود ترقب بشأن مستقبل المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى.
وعلق السفير الروسي ميخائيل أوليانوف في تغريدة على «تويتر» بأن خيمة الإعلاميين «ليست حيوية في هذه المرحلة... عندما تحسم إيران والولايات المتحدة خلافاتهما النهائية من بعد (نأمل قريباً)»، ورجح أن يعود أطراف المفاوضات إلى «اجتماع قصر» لإعلان قرار رسمي بشأن استعادة الاتفاق النووي.
وقال عضو اللجنة البرلمانية الإيرانية للسياسة الخارجية والأمن القومي، جليل رحيمي جهان آبادي، إن «مخاوف روسيا والصين» من بين أسباب توقف مفاوضات فيينا. وصرح لوکالة «إرنا» الرسمية، أول من أمس، بأن «المخاوف هي مع احتمال حل مشكلة إيران وتحسين علاقاتها مع الغرب؛ هل روسيا والصين، خصوصاً روسيا التي تواجه الأزمة الأوكرانية، ستحذف من سوق التجارة... والتعامل مع إيران أم لا؟».
واتهم رحيمي الجانب الأميركي بـ«عرقلة المفاوضات والتنمر»، وأعاد ذلك إلى «إيحاءات» إسرائيل واعتقادها أنه «إذا عبرت إيران من هذا الممر الضيق، فلن يعود من الممكن طرح محادثات جديدة مع إيران وتقديم مطالب. وهم يعتقدون أن كل مطلب يجب أن يفرض على إيران في الوقت الحالي».
وقال رحيمي إن «الغرب وصل إلى حالة من الجمود أمام مقاومة ودبلوماسية إيران. لهذا يحاول أن تكون لديه ورقة رابحة للرأي العام في ظل الأوضاع الصعبة للغاية».

الاتفاق المحتمل
جاءت تصريحات النائب غداة مقال كتبه النائب المتشدد محمود نبويان، ونشرته وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري»، وحذر فيه بأن الاتفاق المحتمل «لا يراعى الخطوط الحمر الإيرانية»، معرباً عن أسفه لبقاء 3 من المسؤولين من الفريق الأساسي لوزير الخارجية السابق، محمد جواد ظريف، ضمن طاقم التفاوض الحالي بقيادة علي باقري كني، مطالباً الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي بـ«تغيير عاجل في فريق المفاوضات»، واستدعاء «أشخاص ثوريين وملتزمين بالمصالح والخطوط الحمر».
ورهن نبويان التوصل إلى اتفاق جديد بحصول إيران على الضمانات المطلوبة وعدم استخدام آلية «فض النزاع» المنصوص عليها في الاتفاق النووي لعام 2015.
وفقاً لمقال نبويان؛ فإن الاتفاق المحتمل يطالب إيران بـ«وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 و60 في المائة، وأن توقف تخزين اليورانيوم بنسبة تفوق 5 في المائة». وأشار إلى أنه «لن يسمح لإيران سوى بامتلاك 2.5 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، على أن تقوم بتخفيف نسبة نقاء منسوبها المتبقي إلى أقل 5 في المائة، وألا يزيد مخزونها من 5 في المائة على 300 كيلوغرام، وتمنع من استخلاص اليورانيوم من مفاعل طهران».
كما «ستتوقف إيران عن إنتاج وتركيب أجهزة طرد جديدة، وستوقف عمل أجهزة الطرد الحالية، فضلاً عن توقف جميع خطط إنتاج وتوسيع معدن اليورانيوم». ويشير المقال إلى «إلزام إيران باستئناف إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للتحقق من التزاماتها النووية».
وفيما يتعلق بمبيعات النفط ومشتقاته، «يمكن لإيران أن تصدر ما يصل إلى 50 مليون برميل في غضون 45 يوماً»، بحسب المقال، الذي ينتقد عدم حصول إيران على ضمانات لتحويل موارد بيع النفط إلى العملة التي تريدها.
وبشأن الضمانات، زعم المقال أنها على عاتق الجانب الأميركي دون تدخل إيران، «كما يتحقق الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الثلاث دون تدخل إيران، فيما تتحقق الوكالة الدولية من أنشطة إيران». ويلفت النائب إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي «تلقائياً دون تدخل إيران»؛ الأمر الذي سيمكن من استعادة حق تفعيل آلية «فض النزاع».



إسرائيل تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال نصر الله

صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمّره الطيران الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)
صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمّره الطيران الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)
TT

إسرائيل تكشف تفاصيل جديدة عن اغتيال نصر الله

صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمّره الطيران الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)
صورة لحسن نصر الله أمام أنقاض مبنى دمّره الطيران الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

سمحت الرقابة العسكرية في إسرائيل بنشر معلومات جديدة عن عملية اغتيال الأمين العام السابق لـ«حزب الله» حسن نصر الله، ويتضح منها أن البلاغات عن مكان وجوده ومسارات تحركه، وصلت إلى تل أبيب قبل بضعة أيام من اغتياله، فاتُّخذ القرار على أعلى المستويات، وتم تنفيذه بـ14 غارة على العمارات التي دخل أنفاقها، واستهدفت حتى مخارج النجاة الممكنة. واستمرت أياماً عدة حتى تمنع أي عملية إنقاذ له أو لمرافقيه.

وتشير مصادر أمنية في تل أبيب إلى أن ملاحقة نصر الله لاغتياله بدأت في «أمان» (شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الاسرائيلي) و«الموساد» بُعيد حرب 2006، لكن القرار السياسي لم يُتخذ بهذا الشأن في حينه. وتقرر فقط تتبع آثاره، حتى يتم العثور على الفرصة. فعندما تحين، يجري التداول في الموضوع.

تضليل نصر الله

وعندما قرر نصر الله الانضمام إلى «حماس» فيما سماه «حرب مساندة غزة»، بدأت تتقدم خطة الاغتيال، ولكن تقرر أن يتم تضليله، وغرس الفكرة لديه بأن إسرائيل لا تنوي توسيع الحرب معه. وفي حينه، حرص «حزب الله» من جهة وإسرائيل من الجهة الأخرى على إبقاء الحرب محدودة. كل منهما يظهر للآخر أنه لا ينوي استخدام كل أسلحته ضد الآخر. وهكذا بدأت عملية التضليل تفعل فعلها، إلى أن قامت بتوسيع الحرب والهجوم البري على لبنان.

ويتضح أن التصعيد الإسرائيلي تقرر في 16 سبتمبر (أيلول) 2024، عندما أعلن عن فشل جهود المبعوث الأميركي آموس هوكستين لثني «حزب الله» عن مساندة غزة والتوصل إلى اتفاق لوقف النار، وذلك لأن «حزب الله» رفض المطلب الإسرائيلي بفك الارتباط مع القتال في غزة.

وأعلن رئيس الوزراء، بنيامين بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه، في حينه، يوآف غالانت، أن إعادة سكان الشمال الإسرائيلي غير ممكنة إلا إذا تمت عملية اجتياح بري للبنان. وفي 17 سبتمبر، قرر المجلس الوزاري الأمني المصغر في الحكومة (الكابنيت) إطلاق خطة الاجتياح. كما قرر نتنياهو، بعكس رغبة الجيش، تفعيل خطة تفجير أجهزة الاتصال (البيجر)، وفي اليوم التالي تفجير أجهزة اللاسلكي. وأدى التفجيران إلى مقتل 59 شخصاً، بينهم 4 مدنيين و55 ناشطاً من «حزب الله»، وإصابة نحو 4500 شخص معظمهم من عناصر الحزب الفاعلين، ومن ضمنهم أطباء يعملون مع الحزب والسفير الإيراني في بيروت مجتبي أماني، و19 شخصاً من عناصر «الحرس الثوري» الإيراني في سوريا ولبنان، والعشرات فقدوا النظر أو أحد الأطراف.

«زبدة» 18 عاماً

وفي 19 سبتمبر ألقى نصر الله خطاباً أعلن فيه أنه لن يوقف القتال إلا إذا أوقفت إسرائيل الحرب على غزة، فاستخدمتها إسرائيل ذريعة للتصعيد ضد لبنان، وأطلقت سلسلة عمليات تصعيد، بلغت أَوْجها في الاجتياح البري في مطلع أكتوبر (تشرين الأول).

وقد تم خلال هذا الاجتياح، الكشف عن «زبدة» عمل دام 18 عاماً، في المخابرات الإسرائيلية، لجمع المعلومات الاستخبارية بواسطة عملاء وبواسطة أجهزة إلكترونية، عن جميع كوادر «حزب الله» فرداً فرداً، من الأمين العام والقيادة العليا، وحتى أصغر قائد مجموعة. وتم تتبُّع أثرهم، خطوة خطوة، وفي مقدمتهم نصر الله.

حماسة نتنياهو

وقبل أيام من الاغتيال، اهتدى ضابط الاستخبارات العسكرية إلى مكان وجود نصر الله، فقام رئيس «أمان» شلومو بندر، بجمع رؤساء الدوائر، وطلب منهم إعطاء رأي في اغتياله. فوجد تأييداً بالإجماع. وطلب أن يسمع رأياً آخر متحفظاً أو معارضاً فلم يجد، فتوجه إلى رئيس الأركان هيرتسي هليفي، فصادق على العملية. وتم رفعها إلى نتنياهو شخصياً، فوافق بحماس على الاغتيال. وراح يؤكد أن هذا الرجل هو ليس قائداً لـ«حزب الله» بل قائد تنظيم عسكري يعمل كما لو أنه جيش، وله وزن كبير بين الأذرع الإيرانية، لدرجة أن الإيرانيين يعتمدونه لتسوية خلافات بين الأقطاب.

وتقرر أن تبدأ عملية قصقصة أجنحته أولاً، فتم اغتيال إبراهيم عقيل، في 20 سبتمبر، ومعه كوكبة من قادة الصفين الثالث والرابع. وعقيل كان ساعد نصر الله الأيمن. وفي 23 سبتمبر، أطلق رئيس الأركان هجوماً بالغارات الشرسة على مجموعة كبيرة من القواعد والمقرات التابعة لـ«حزب الله»، وبينها مواقع سرية لا يعرف بها سوى نفر قليل.

وبحسب الجيش، فإنه تَمَكَّنَ من تدمير 80 في المائة من القدرات العسكرية الهجومية للحزب، وتصفية عدد كبير من قادة المناطق في «حزب الله».

غرور وغطرسة

يقول أمير بحبوط، المراسل العسكري لموقع «واللا»، الذي نشر تقريراً في الموضوع، الأحد، إن «نصر الله لم يفهم الرموز لتلك الضربات القاسية والمتلاحقة. وظل متشبثاً بالربط ما بين لبنان وغزة». ويضيف: «نصر الله، الذي يعد نفسه أكبر الخبراء قدرة على معرفة إسرائيل وطريقة تفكيرها، غرق في الغرور والغطرسة، تماماً كما كان قادة أجهزة الأمن الإسرائيليون غرقوا في الغرور والغطرسة قبيل 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وظل يتحرك بحرية، وتحرك أيضاً فوق الأرض على عكس التوقعات. وهو لا يتوقع اغتياله، بينما كان ضباط المخابرات العسكرية مقتنعين بضرورة اغتياله، وصبوا كل جهدهم لتتبع آثاره، وكانوا يقصفون بطريقة تضلله، وتعزز قناعته بأنه ليس مستهدفاً».

فرصة العمر

وقبل أيام قليلة من الاغتيال، توصلوا إلى مكان وجوده الدقيق، ولم يكن ذلك عبر الأنفاق فحسب، بل أيضاً بالتحرك فوق الأرض. وتوقَّعوا وصوله إلى المقر القائم في عمق الأرض تحت مجمع سكني يضم 20 عمارة ضخمة مرتبطة ببعضها، في حي راقٍ في الضاحية الجنوبية، يوجد في الغرب منه حرج من الأشجار، وقرروا أن هذه هي فرصة العمر التي من النادر أن تتكرر.

وخلال 4 أيام، جرت متابعة تحركات نصر الله، على أعلى المستويات. وشارك فيها القادة الإسرائيليون من هيرتسي هليفي إلى قادة سلاح الجو، الذي تولى مهمة التنفيذ. وكانت الجلسة الأخيرة للأبحاث بحضور نتنياهو شخصياً. وتم إعداد سرب طائرات، وتزويد 14 طائرة مقاتلة بالأسلحة والذخيرة، حيث تحمل 83 عبوة بزنة 80 طناً، وتحدد موعد التنفيذ في الساعة 18:21 عند صلاة المغرب.

وخلال 10 ثوانٍ، كانت العملية منتهية. وقد انهارت العمارات، وحفرت في المكان حفرة عميقة ضخمة. وتم قصف المخارج الممكنة لمنع أي شخص من الهرب. ولم يتوقف القصف أياماً عدة، حتى يمنع نشاط قوات الإنقاذ والطوارئ اللبنانية. وكان القرار: «يجب ألا يخرج أحد منهم حياً».