مصر: الأزمات الرقابية الرمضانية تبدأ مبكراً

وقف إعلان لتعارضه مع «الآداب العامة» واتهام صناع مسلسل بـ«التحايل»

ليلى علوي بطلة مسلسل «دنيا تانية»
ليلى علوي بطلة مسلسل «دنيا تانية»
TT

مصر: الأزمات الرقابية الرمضانية تبدأ مبكراً

ليلى علوي بطلة مسلسل «دنيا تانية»
ليلى علوي بطلة مسلسل «دنيا تانية»

يبدو أن أزمة الرقابة على الأعمال الدرامية في رمضان، قد بدأت مبكراً هذا العام في مصر، فلم يمض اليوم الأول من الشهر الكريم، حتى تم الإعلان عن وقف إذاعة حلقة من مسلسل، وتغيير اسم مسلسل آخر، بجانب وقف إعلان تجاري.
وأصدر المجلس الأعلى للإعلام المصري، قراراً أمس بوقف عرض الحلقة الأولى من مسلسل «دنيا تانية»، الذي تقوم ببطولته الفنانة ليلى علوي، بعد شكوى من هيئة الرقابة على المصنفات الفنية، «لاحتوائها على مشاهد تعرض لقضية زنا المحارم»، متهماً صناع العمل بإذاعة الحلقة بـ«التحايل»، وموضحاً أن «الحلقة الحاصلة على تصريح من الرقابة على المصنفات الفنية حذفت منها المشاهد التي تتعلق بزنا المحارم»، وفقاً لبيان المجلس.
وقال خالد عبد الجليل، رئيس الرقابة على المصنفات الفنية، في بيان صحافي، إن «إحدى الفضائيات عرضت الحلقة الأولى من المسلسل بالتحايل، متضمنة المشاهد المحذوفة والتي تحتوي على لقطات منافية وخادشة للحياء والآداب العامة».
ورداً على قرار المجلس الأعلى للإعلام أصدرت أسرة المسلسل بياناً صحافياً أكدت فيه «احترامها مبادئ المجتمع، ولجهاز الرقابة على المصنفات الفنية»، مشيرين إلى أنه «تم الحكم على المسلسل بشكل غير صحيح، استناداً فقط لنهاية الحلقة الأولى، وهو الأمر الذي لا يكفي لمعرفة باقي أحداث العمل»، وكتبت الفنانة مي سليم، واحدة من أبطال المسلسل، على صفحتها الرسمية على «فيسبوك»: «المشهد كان صادماً وليس جريئاً أو خارجاً مثلما يكتب البعض».
وأيدت الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، «حرص المجلس الأعلى للإعلام لضبط المشهد الإعلامي»، وقالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المجلس الأعلى للإعلام يقوم بدوره من خلال وضع معايير وضوابط، ومتابعة مدى الالتزام بها»، مؤكدة أنه «ليس المقصود هنا تقييد حرية الإبداع، بل وضع قواعد لضبط المشهد الإعلامي، فالحرية لا تعني الفوضى، والإبداع لا يعني الإساءة للمجتمع».
وأضافت ليلى عبد المجيد أنها «شاهدت المسلسل محل الجدل، ولم تشعر بوجود تجاوز في المشهد المقصود، لكنها لا تعرف ملابسات قرار الرقابة، لذلك لا يمكنها التعليق»، مشيرة إلى أن «المسلسل يدور حول فكرة زنا المحارم، وهي قضية موجودة في المجتمع، ويمكن طرحها للنقاش طالما تم ذلك دون إسفاف، ودون تشجيع عليها».
وفي سياق متصل، استجاب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لشكوى مقدمة من الإعلامية المصرية دينا عبد الكريم، مقدمة برنامج «شغل عالي» على قناة «سي بي سي»، والتي طالبت فيها بتغيير اسم مسلسل تقوم ببطولته فيفي عبده، وشيرين رضا، لأنه يحمل اسم برنامجها، حيث تم تغيير اسم المسلسل ليصبح «شغل في العالي»، لأن «استخدام اسم البرنامج لصالح مسلسل هو بمثابة اعتداء على حقوق الملكية الفكرية» بحسب بيان المجلس الأعلى للإعلام.
وعلى صعيد الإعلانات التجارية، قررت هيئة المكتب بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وقف عرض إعلان شركة ملابس داخلية مصرية، وقال المجلس في بيان له اليوم: «تقرر وقف عرض الإعلان بعد رصد عدد من المخالفات التي شابته، حيث خالف عدد من المعايير التي حددها المجلس للإعلانات والبرامج وإعلانها ضمن الأكواد».
كما أن الإعلان أثار استياء الجمهور، وخصوصاً نقابة الأطباء، وذلك لما تتضمنه من محتوى يتعارض مع آداب وأخلاقيات المجتمع المصري كما أنه يتعارض مع الآداب العامة والذوق العام. بحسب بيان المجلس.
وطالبت نقابة الأطباء المصرية بوقف الإعلان لتضمنه «تنمراً صريحاً وواضحاً على المواطن المصري، وإظهاره بصورة لا تليق بجانب الإساءة للفريق الطبي»، بحسب بيان النقابة.
وأعربت ليلى عبد المجيد عن استيائها الشديد من الإعلان وقالت إنه «إعلان لا يمكن قبوله لأنه يتعارض مع القيم الإنسانية»، مشيرة إلى أن «التجاوزات الكثيرة التي تحدث في الإعلانات التجارية، تدل على تراجع الإبداع».
وقبيل بدء شهر رمضان المبارك أعلن المجلس الأعلى للإعلام عن مجموعة من الضوابط والمعايير المتعلقة بدراما رمضان، من بينها الالتزام بالكود الأخلاقي، والمعايير المهنية والآداب العامة، واحترام عقل المشاهد والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع، وعدم اللجوء إلى الألفاظ البذيئة، والحوارات المتدنية والسوقية، والبعد عن إقحام الأعمال الدرامية بالشتائم والسباب والمشاهد الفجة، والرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص في كل مجال في حالة تضمين المسلسل أفكاراً ونصوصاً دينية أو علمية أو تاريخية، وتجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات.
وهو ما تراه ليلى عبد المجيد «خطوة مهمة في ظل التأثيرات المتراكمة للدراما على المجتمع، والتي نعاني من بعض آثارها السلبية حتى الآن»، على حد وصفها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تتسبب فيه دراما رمضان في أزمات رقابية، ففي رمضان العام الماضي تم التحقيق مع المسؤولين عن مسلسل «الطاووس» بعد شكاوى تقول بعدم اتفاقه مع النظام الأخلاقي.



«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
TT

«الأكل العاطفي» تُحوّله الحرب إعلاناً للحياة... ولا تغفر مبالغاته

تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)
تتدخّل الشهية في محاولة ترميم ما يتجوَّف (آدوب ستوك)

يقصد عيادةَ اختصاصية التغذية اللبنانية، فيرا متّى، مواظبون على خطط غذائية تقي ويلات؛ منها السكّري. هؤلاء، في معظمهم، لم يغادروا المنازل نحو سقوف تتراءى آمنة من التوحّش المُعادي. في مقابلهم، يُفرِط كثيرون في تناول الطعام لسدّ حاجة إلى امتلاء تفرضه فراغات مؤلمة. لطالما تأكّدت العلاقة الشائكة بين المعدة والعالم الخارجي، وبدا وثيقاً الرابط بين الطعام والظرف. هذه أيامٌ مضطربة. جَرْفٌ من النزوح والخوف وفوضى الوقت. لذا تتدخّل الشهية في ترميم ما يتجوَّف. وتمنح بعض الأصناف اللذيذة شعوراً بالسكينة. فماذا يحدُث لدواخلنا، وهل النجاة حقاً بالأكل؟

اختصاصية السلوك الغذائي والتغذية العيادية الدكتورة فيرا متّى (حسابها الشخصي)

ينطبق وَصْف «ستريس إيترز (الأكل العاطفي)» على ملتهمي الطعام الملوَّعين بالمآسي. تقول اختصاصية السلوك الغذائي والتغذية العيادية، الدكتورة فيرا متّى، إنهم يشاءون مما يتناولونه الإحساس بواقع أفضل. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن وَقْع الاضطراب في الأجساد والنفوس، فتتصدّى له، عموماً، أصناف المأكولات وكمّياتها: «تاركو المنازل يتابعون النقل المباشر للحرب دون انقطاع. يتفاقم توتّرهم وينمو الشعور بعدم الأمان. ذلك يعزّز هرمونات تشتهي أنواع السكّر، وقد تتعدّى الرغبةُ الحلويات إلى الأملاح، دفعةً واحدة، دون فاصل أو استراحة أضراس».

تحسم تبدُّل العادات الغذائية أو تأثّرها في أقل تقدير. فغذاء النازح غالباً «غير صحّي»، ويُعمّق سوءه «النوم المتقطّع، والروتين المستجدّ». تشرح: «ضرر ذلك على الأطفال الحدّ من نموّهم الفكري والجسدي، بينما يمسُّ هرمون الكورتيزول المُسبِّب تكوُّن الدهون على بطن الكبار، فتتحقّق زيادة الوزن وإن قلَّ التهام الطعام جراء اضطراب النوم والتوتّر العالي. هنا، يتحوّل كل ما يدخل الفم إلى دهون لإصابة هذا الهرمون بالارتفاع اللافت مُحوطاً بعوامل تُصعِّب انخفاضه».

تستوقفها وضعية التغذية المستجدّة، لتراوحها بين القلّة والسوء: «قد يحضُر الطعام على شكل معلّبات مثلاً. هذه طافحة بالصوديوم والسكّر المُضاف، وتحتوي مواد كيميائية تُسبّب السرطان على المدى الطويل. بذلك، لا يعود نقصُ الطعام مُسبِّبَ المرض؛ وإنما سوءه».

غذاء النازح غالباً غير صحّي ويُعمّق سوءه النوم المتقطّع (أ.ف.ب)

ما يُفعِّل تناقُل الأمراض، وفق فيرا متّى، «الطعام غير المحفوظ جيداً». تتحدّث عن حالات بكتيرية تتمثّل في عوارض؛ منها التقيّؤ واضطراب الأمعاء، لغياب الثلاجات أو انقطاع الكهرباء. «ذلك يُخفّض المناعة وينشر الأوبئة، خصوصاً بين الأطفال. أما الكبار فيفاقمون مشكلات السكّري والشرايين والكولسترول وتشحُّم الكبد إنْ عانوها».

تعطي نسبة 20 في المائة فقط، من بين مَن تابعتْ حالتهم الغذائية، لمن لا يزالون يلتزمون نظامهم الصحّي. آخرون لوَّعهم السكّري، فازدادوا لوعة، وضخَّم تبدُّلُ غذائهم معاناتهم مع الأمراض. من دورها العيادي، تحاول إعادة أمور إلى نصابها: «نركّز اليوم على السلامة الغذائية، وكيفية تعامُل النازحين مع واقعهم الصحّي. دورنا توعوي. علينا الحدّ من التسمُّم، فأزمة الدواء لم تُحلّ، والمستشفيات توفّر استيعابها للجرحى. لا بدّ من تفادي تحميلها أعباء إضافية».

تفترض إخضاع اللبنانيين لفحص يختبر انجراف معظمهم خلف «الأكل العاطفي»، وتضمن النتيجة: «قلة فقط ستكون خارج القائمة». تصوغ معادلة هذه الأيام: «تلفزيون وبرادات. الالتهام فظيع للأخبار والمأكولات. لا شيء آخر. نحاول جَعْل هذا البراد صحّياً».

إنها الحرب؛ بشاعتها تفرض البحث عن ملاذ، ومطاردة لحظة تُحتَسب، والسعي خلف فسحة، فيتراءى الطعام تعويضاً رقيقاً. بالنسبة إلى اختصاصية التغذية، إنه «إحساس بالامتلاء وبأنّ مَن يتناوله لا يزال حياً». تحت قسوة هذه الأيام ومُرّها، لا يعود الإحساس بالذنب المُرافق للإفراط في تناوله، هو الغالب... «يتراجع ليتقدّم الشعور بالنجاة. مساعي البقاء تهزم فكرة الكيلوغرامات الزائدة. بإمكان الأكل العاطفي إتاحة المساحة للراحة والسعادة. ذلك يسبق تسبّبه في ثقل وزيادة الوزن. بتحقّقهما، يلوح الذنب، وإنما في مرحلة لاحقة، بعد بهجة الامتلاء الداخلي».

ضرر سوء الغذاء على الأطفال يمسّ بنموّهم الفكري والجسدي (د.ب.أ)

تتفهّم الحاجة إلى اللحاق بكل ما يُعزّي والتشبُّث به. الطعام يتقدَّم. ترى أن لا أحد مخوَّلاً تقديم نصيحة لنازح من نوع «اضبط شهيتك بينما القصف في جوارك». برأيها، «يكفي الخوف وحده شعوراً سيئاً». يهمّها «الحدّ من نتائج كارثية ستظهر بوضوح بعد الحرب»، مُفضِّلة الاستعانة بالتمر مثلاً بدل «القضاء على علبة شيكولاته» والقهوة البيضاء لتقليص ضخّ الكافيين.

وتنصح بالتنفُّس والرياضة، فهما «يهدّئان هرمون الأعصاب»، وبالنظافة بما «تشمل غلي الماء قبل استعماله حال الشكّ في مصدره». تضيف: «الاستغناء عن تناول دجاج ولحوم أُبقيت مدّة خارج الثلاجة، لاحتمال فسادها، على عكس الحمّص والصعتر، مثلاً، القابلَيْن لعمر أطول». أما الحصص الغذائية، فالمفيد منها «التونة والسردين والأرز والمعكرونة وزيت الزيتون، ولا بأس بمعلّبات البازلاء والذرة بديلاً للخضراوات. يُفضَّل استبعاد اللحوم المصنّعة. الحليب المجفَّف جيّد أيضاً لغياب الطبيعي».