أشعلت أزمة الغذاء العالمية الحالية المزيد من السجالات والاتهامات بين واشنطن وموسكو، في وقت وصف فيه المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي ديفيد بيزلي الحرب في أوكرانيا بأنها «كارثة فوق كارثة» سيكون لها تأثير «يتجاوز أي شيء رأيناه منذ الحرب العالمية الثانية»، لأن العديد من المزارعين الأوكرانيين الذين ينتجون كميات كبيرة من القمح ينخرطون الآن في العمليات العسكرية.
وكان بيزلي يقدم إحاطة مع مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، نائبة منسق المعونة الطارئة جويس مسويا في نيويورك، أمام أعضاء مجلس الأمن الذين عقدوا جلسة خاصة مساء الثلاثاء حول الأوضاع الإنسانية المتردية في أوكرانيا. وأشار بيزلي إلى أن أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً بسبب جائحة «كوفيد - 19» ترتفع الآن بشكل كبير، وأكد أن البرنامج الذي كان يُطعم 125 مليون شخص في كل أنحاء العالم قبل الحرب في 24 فبراير (شباط) الماضي، عليه أن يخفض الحصص الغذائية لهؤلاء بسبب ارتفاع التكاليف، بما في ذلك أسعار الوقود والشحن. وذكر بشكل خاص اليمن، حيث جرى خفض مخصصات الطعام لـ8 ملايين شخص بنسبة 50 في المائة، مضيفاً «الآن، نتوقع عدم وجود حصص غذائية».
- أفريقيا والشرق الأوسط
وذكر المسؤول الأممي الرفيع أن أوكرانيا وروسيا تنتجان 30 في المائة من إمدادات العالم من القمح، و20 في المائة من الذرة، ونحو 75 أو 80 في المائة من زيوت دوار الشمس، موضحاً أن برنامج الغذاء العالمي يشتري 50 في المائة من حبوبه من أوكرانيا. ولفت إلى أن الحرب ستزيد النفقات الشهرية للوكالة بمقدار 71 مليون دولار بسبب ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والشحن، ليصل الإجمالي إلى 850 مليون دولار أميركي لمدة عام. وكشف أن برنامج الغذاء العالمي يصل إلى حوالي مليون شخص داخل أوكرانيا بالطعام الآن، وسيصل إلى 2.5 مليونين خلال الأسابيع الأربعة المقبلة، وأربعة ملايين بحلول نهاية مايو (أيار) المقبل، أملاً في الوصول إلى ستة ملايين بحلول نهاية يونيو (حزيران) المقبل. وحذر بيزلي من أن التركيز على أوكرانيا لا ينبغي أن يدفع المجتمع الدولي إلى إهمال أفريقيا، ولا سيما منطقة الساحل والشرق الأوسط، لأنه «بخلاف ذلك، ستكون هناك هجرة جماعية» إلى كل أنحاء أوروبا. واعتبر أنه «إذا أنهينا النزاع وتناولنا الحاجات، فيمكننا تجنب المجاعة وزعزعة استقرار الدول والهجرة الجماعية (…) ولكن إذا لم نفعل ذلك، فسيدفع العالم ثمناً باهظاً».
أما مسويا، فقالت إن «مدناً مثل ماريوبول وخاركيف وتشيرنيهيف وغيرها كانت مفعمة بالحياة قبل شهر واحد فقط، وباتت الآن مطوقة وتتعرض للقصف والحصار». ونقلت عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أنه بحلول 27 مارس (آذار)، قتل 1119 شخصاً بينهم 99 طفلاً، علما بأن «الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير». وأضافت أن «أكثر من عشرة ملايين شخص، وبينهم أكثر من نصف أطفال أوكرانيا فروا من منازلهم»، موضحة أن «هذا يشمل ما يُقدر بـ6.5 مليون شخص نزحوا داخل البلاد»، فضلاً عن أكثر من 3.9 مليون شخص عبروا الحدود إلى المناطق المجاورة خلال الشهر الماضي. وأشارت إلى أن وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث «يتواصل بشكل عاجل مع كل الأطراف حول ترتيبات ممكنة لوقف إطلاق النار لأغراض إنسانية في أوكرانيا. وقالت إن الأمم المتحدة والشركاء الإنسانيين «يعملون بنزاهة وبلا هوادة لدعم المبادئ الإنسانية، والتفاوض على ممر آمن من المناطق المطوقة وإليها من أجل قضية واحدة: تقديم المساعدة المنقذة للحياة». وكشفت أن أكثر من 1230 من طواقم الأمم المتحدة يعملون الآن في أوكرانيا، بالإضافة إلى أكثر من مائة منظمة إنسانية.
وقالت المسؤولة الأممية: «نحتاج إلى اتفاقات مفصلة وواقعية في شأن وقف إطلاق النار والهدنة الإنسانية للسماح للمساعدات بالدخول، وللسكان بالخروج». ونسبت إلى الشركاء الإنسانيين أنه جرى الوصول إلى «السيناريو الأسوأ» وتجاوزه في بعض المناطق.
- اتهامات متبادلة
شارك في الجلسة أيضاً نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان التي ألقت تبعات الكارثة الإنسانية على «الحرب التي اختارها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين». وقالت: «قصفت روسيا ما لا يقل عن ثلاث سفن مدنية تحمل بضائع من موانئ البحر الأسود إلى بقية العالم، بما في ذلك واحدة مستأجرة من قبل شركة تجارية زراعية»، مضيفة أن «البحرية الروسية تمنع الوصول إلى موانئ أوكرانيا، وتعطل أساساً صادرات الحبوب»، مضيفة أن القادة العسكريين الروس «يمنعون نحو 94 سفينة تحمل أغذية للسوق العالمية من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط». ولفتت إلى أن العديد من شركات الشحن العالمية تتردد في إرسال سفن إلى البحر الأسود، وحتى إلى الموانئ الروسية. وقالت: «نحن قلقون بشكل خاص في شأن دول مثل لبنان وباكستان وليبيا وتونس واليمن والمغرب التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الأوكرانية لإطعام سكانها».
ورد المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، بالتأكيد أن الجيش الروسي «لا يشكل أي تهديد لحرية الملاحة المدنية». وقال إن «الأسباب الحقيقية التي تجعل سوق الغذاء العالمي تواجه اضطرابات خطيرة ليست بأي حال من الأحوال في تصرفات روسيا، (بل) بالأحرى في هستيريا العقوبات الجامحة التي أطلقها الغرب ضد روسيا من دون النظر إلى سكان ما يسمى بالجنوب العالمي ولا من مواطنيها». ورأى أن «رفع العقوبات هو السبيل الوحيد لضمان عدم انقطاع الشحنات وتحقيق الاستقرار في أسواق المنتجات الزراعية والغذائية الدولية».
وهذا ما استدعى رداً إضافياً من شيرمان، التي قالت إن «العقوبات لا تمنع الحبوب من مغادرة موانئ أوكرانيا» بل هي «حرب بوتين»، موضحة أن «الصادرات الغذائية والزراعية لروسيا لا تخضع لعقوبات من الولايات المتحدة أو من حلفائنا وشركائنا».
من جهته، أكد المندوب الفرنسي نيكولا دي ريفيير أن «حرب روسيا غير المبررة هي التي تمنع أوكرانيا من تصدير الحبوب وتعطل سلاسل التوريد العالمية وتؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي تهدد وصول السلع الزراعية إلى الفئات الأكثر ضعفاً» في العالم.
فيما قال المندوب الأوكراني سيرغي كيسليتسيا إن «القوات الروسية تتعمد تدمير المناطق السكنية والبنى التحتية الحيوية، والقصف الصاروخي في جميع أنحاء البلاد وحصار المدن وانتهاك ترتيبات الممرات الإنسانية، وترهيب المدنيين». وقال: «حوالي 400 مليون شخص حول العالم، وخاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا يعتمدون على إمدادات الحبوب من أوكرانيا، لكن الآن يواجه 40 مليون شخص في أوكرانيا نقصاً في الطعام».
بيزلي يحذّر من «كارثة» غذائية بسبب الحرب في أوكرانيا
سجال أميركي ـ روسي على خلفية أزمة المحاصيل عبر العالم
بيزلي يحذّر من «كارثة» غذائية بسبب الحرب في أوكرانيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة