«إثراء» يعرض المشاريع الفائزة ببرنامج «الحلول الإبداعية» في لندن

تكنولوجيا الواقع الافتراضي والمعزز تخاطب قطاعات الترفيه والمتاحف والتعليم

عبد الله بامشموس يساعد إحدى الزائرات لمعاينة مشروعه
عبد الله بامشموس يساعد إحدى الزائرات لمعاينة مشروعه
TT

«إثراء» يعرض المشاريع الفائزة ببرنامج «الحلول الإبداعية» في لندن

عبد الله بامشموس يساعد إحدى الزائرات لمعاينة مشروعه
عبد الله بامشموس يساعد إحدى الزائرات لمعاينة مشروعه

أجواء حماسية شابة شملت الحضور في الفعالية التي أقامها مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بإحدى قاعات مبنى كاونتي هول بلندن، يوم الثلاثاء الماضي، حيث قدم المركز من خلالها خمسة من المخترعين الشبان من السعودية، ومنحت الفرصة لتقديم مشاريعهم التقنية لعدد من المختصين وأصحاب الشركات العالمية. المشاريع الخمسة، التي يجب القول إنها تعكس عقليات شابة متحمسة، تم تطويرها تحت إشراف خبراء تقنيين، وهي نتاج لبرنامج «الحلول الإبداعية» الذي يقدمه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، والذي استغرق عاماً طرحت من خلاله 30 فكرة من 59 مبدعاً، تم اختيار خمسة منهم للمشاركة في المعسكر التدريبي الدولي، وحصل صاحب كل مشروع منهم على منحة لإحياء أفكاره.
للوصول لهذه المرحلة المتقدمة، خصص المركز لجاناً ومرشدين ومستشارين محليين وعالميين لكل مشروع، إضافة إلى تجهيز مختبرات للواقع المعزز والواقع الممتد، الذي يأتي تماشياً مع رؤية البرنامج القائمة على تطوير محتوى إبداعي مبتكر وتجارب وحلول إبداعية قابلة للتسويق، إلى جانب توفير بيئة محفزة تدعم نمو الاقتصاد الإبداعي في المملكة، وتسهم في تطوير المهارات المهنية الاحترافية للمتأهلين.
سلطت الفعالية اللندنية الضوء على خمسة من المبتكرين الشباب الواعدين في المملكة العربية السعودية، ومعظمهم من النساء، الذين قدموا نماذجهم الأولية التي تستكشف الألعاب التفاعلية، والواقع الافتراضي، والواقع المعزز. وكانت «إثراء» قد قدمت المشروعات الخمسة في السعودية بداية شهر فبراير (شباط) الماضي للمهتمين والمستثمرين، ثم أحضرتها إلى لندن لإعطاء المؤسسات البريطانية فرصة الاطلاع على المخرجات النهائية للمشاريع، بهدف تحويلها إلى منتجات تطرح في الأسواق العالمية.
وفيما بينها تخاطب المشاريع الفائزة قطاعات الترفيه والمتاحف والتعليم، وتتوجه للمستخدمين من مختلف الفئات العمرية؛ في تقديمهم للمشاريع تحدث كل عبد الله العرفج صاحب مشروع «قصة العلم»، وعبد الله بامشموس، الذي قدم مشروعه «ومضة»، ونوف الصغير عن مشروع «جواب»، ومشروع «القط» التفاعلي الذي يستكشف أسرار القط العسيري، وهو الرسم الحائطي في عسير، وأخيراً قدمت الفنانة التشكيلية نعيمة كريم مشروعها التفاعلي عن استكشاف المطر.

عبد الله العرفج يشرح مشروعه «قصة العلم»

وخلال جولة «الشرق الأوسط» بين المشاريع الفائزة، سنحت لنا الفرصة للحديث مع رئيسة قسم الإبداع والابتكار في المركز مزنة الزامل. في البداية تشير الزامل إلى أن ما يميز البرنامج هو الأفكار المبتكرة، وهي «الأساس»، حسب ما تذكر، وتضيف: «ما يميز المشروع أيضاً هو أن المشاركين لهم خبرات مختلفة، فعلى سبيل المثال المشارك عبد الله بامشموس، لديه خبرة في مجال الواقع الافتراضي، وأيضاً يتمتع بموهبة كبيرة فهو قاص بارع. وعلى الجانب الآخر لدينا نعيمة وهي فنانة حقيقية، ولكنها ليست متمرسة في التكنولوجيا، فالأساس لدينا هو الأفكار الجديدة والمبتكرة، التي نعمل على إثرائها سوياً. فنحن نعمل مع المشاركين ونمدهم بالأدوات والخبرة والإمكانات المطلوبة لتحويل أفكارهم لمشروعات حقيقية، ودورنا في (إثراء) هو إحضار هذه المشاريع هنا لعرضها على الشركات العالمية». وحصلت المشروعات الخمسة على دعم نوعي من كافة أقسام مركز «إثراء»، حسب ما تقول الزامل، فـ«مشروع نعيمة على سبيل المثال حصل على دعم من فريق المتحف لدينا، ومشروع عبد الله العرفج حصل على الدعم من الإخصائيين في التكنولوجيا المتقدمة، فقد خصص المركز لجاناً ومرشدين ومستشارين محليين وعالميين، إضافة إلى تجهيز مختبرات للواقع المعزز والواقع الممتد». وتختتم حديثها معي بالقول: «هدف البرنامج هو بناء محتوى مبتكر وخلاق يخلق الفرص ويحل المشكلات، أما هدفنا الثاني فهو المشاركة بالمعرفة».
وكان لا بد من تجربة بعض المشاريع الموجودة حولنا، حيث انطلق البعض لارتداء نظارات الواقع الافتراضي والسماعات لضمان الاندماج الكامل في التجربة الغامرة لكل مشروع. أتوجه للفنانة نعيمة كريم، وأتحدث معها قليلاً حول مشروعها «انتظار المطر» قبل أن أجرب بدوري تجربتها التفاعلية. بداية تعرف كريم عن نفسها بالقول «أنا فنانة تشكيلية، ولكني هنا أردت أن يحصل المشاهد على كل التفاصيل الحسية مثل الصوت والصورة، ولكني أيضاً أضفت عامل الرطوبة، التي يحس بها من يجرب العمل عبر نفثات رطبة، بهذا الشكل يتعايش الشخص بالكامل مع تجربة (ترقب المطر)». تحرص الفنانة على أن يعكس عملها الغامر ما تسميه «مسرحية» المطر، فالمطر له إشارات ومقدمات سمعية وبصرية من البرق والرعد يحس بها كل شخص في مكان مطير، إشارات تصفها الفنانة بـ«المثيرة»، وتضيف أنها أرادت نقل كل تلك العناصر عبر التكنولوجيا، التي تتجاوز في تأثيرها ما تستطيع رسمه على لوحاتها. «أنا رسامة أحب تصوير السماء والسحب والطيور، والمطر بالتأكيد من أكثر الأشياء إلهاماً بالنسبة لي، ولهذا أردت أن أنقل تجربتي للمشاهد بأمل أن تلهم الجميع ليرعوا هذا العالم حولنا من الأخطار البيئية التي تحدق به». تضع الفنانة في يدي شريطين ورقيين ترش عليها رذاذاً معطراً، وتطلب مني شم الرائحة عند لحظة سقوط المطر في التجربة التفاعلية. عبر ارتداء النظارات التفاعلية والسماعات أستمع لصوت الفنانة وهي تتحدث حول العالم والطبيعة مع مشاهدة غامرة للوحة فنية تفاعلية مع مؤثرات صوتية لسقوط المطر. التجربة جميلة وموحية جداً، وأخرج منها وما زالت رائحة العشب المبلل في أنفي.
الفنان عبد الله العرفج، يقف إلى جانب منصة مشروعه ليشرح لنا ما يريد تحقيقه من مشروعة المعنون «قصة العلم»، يشرح لنا الفكرة البصرية والتجربة البصرية الغامرة. يقدم العرفج عبر مشروعه وسيلة بسيطة وتفاعلية لتعلم أساسيات علم الفلك، صممها العرفج لفائدة طلبة المدارس الثانوية. أسأله إن كان مشروعه يعتمد على منهج دراسي أو علمي معين، ويجيب بأنه استخدم خبرته وما تعلمه أثناء عمله في مرصد فلكي، رغم أنه دارس للبرمجيات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».