«المعهد الملكي للفنون» في السعودية يطفئ شمعته الأولى بـ«تَليد»

سوزان اليحيى لـ «الشرق الأوسط»: نعمل على توفير منصة للفنانين لتحقيق طموحاتهم

أكثر من 1000 طالب وطالبة سنوياً يستفيدون من برامج المعهد
أكثر من 1000 طالب وطالبة سنوياً يستفيدون من برامج المعهد
TT

«المعهد الملكي للفنون» في السعودية يطفئ شمعته الأولى بـ«تَليد»

أكثر من 1000 طالب وطالبة سنوياً يستفيدون من برامج المعهد
أكثر من 1000 طالب وطالبة سنوياً يستفيدون من برامج المعهد

يندر أن تترك جهة ما بصمة ملموسة في غضون عام واحد، إلا أن المعهد الملكي للفنون التقليدية في الرياض استطاع تحقيق هذه المعادلة الصعبة، فخلال الـ365 يوماً الماضية صدح صوته في سرد التاريخ الفني المتجذر في السعودية، وإعادة إحياء الفنون التقليدية، بما تشمله من الخط والتطريز، وفن النسيج، وصناعة المجوهرات، وغيرها، مع توفير فرص الانغماس في تعلم الفنون التقليدية، التي تشكل لبنة من لبنات بناء المشهد الثقافي المحلي. ولا يقتصر ذلك فقط على الفنون البصرية، بل يمتد أيضاً للفنون الأدائية وفنون تقليدية أخرى مثل الرقص والموسيقى. جميعها انتعشت في المعهد الذي يحتفل اليوم السبت بإطفاء شمعته الأولى عبر فعاليات تتخذ لها مسمى «تَليد»، في حديقة الفوطة بالرياض، وتستمر لمدة 3 أيام غنية بالتراث الفني.
تتحدث الدكتورة سوزان اليحيى مدير عام المعهد لـ«الشرق الأوسط»، عن «تَليد»، مبينة أنها كلمة تشير للفن الموروث، وتضيف: «تأتي بمناسبة مرور عام على تأسيس المعهد الملكي للفنون التقليدية بعالم متجدد من التراث الفني بطريقة معاصرة ومبتكرة، ولإثراء الأصالة والثقافة في مساحة تفاعلية مثرية، نكتشف فيها تاريخ الفنون التقليدية».

التركيز على تعليم الفنون التقليدية للأجيال الشابة

وتزيح اليحيى الستار عن حزمة الأنشطة المصاحبة لـ«تَليد»، موضحة أنها تشمل عروضاً حية للحرفيين، وفعاليات خاصة للأطفال، مثل البناء بالطين لتجربة حية كحرفي صغير، إلى جانب ورش العمل والندوات الإثرائية والعروض الأدائية التقليدية. وأبانت أن دخول «تليد» متاح للجميع عبر التسجيل بالموقع الإلكتروني، في رحلة مليئة بالتجارب الحية.
وبمواضيع تلامس مستجدات الفنون، تأتي الحوارات في برنامج «تَليد»، إذ يقام اليوم حوار «دور المجتمع في المحافظة على الفنون التقليدية»، في جلستين إحداها بالعربية والأخرى بالإنجليزية، إلى جانب ورش العمل عن «الألوان في الطبيعة» و«القهوة السعودية»، وغداً جلسة حوار «تصحيح المفاهيم في مجالات الفنون التقليدية»، وفي اليوم الأخير عنوان الجلسة «دراسات التوثيق والترميم والمتاحف، ودورها في حفظ الهوية».
قصة الولادة
بسؤال اليحيى عن فكرة تأسيس المعهد الملكي للفنون التقليدية، تقول «هو وجهة رائدة لإبراز الهوية الوطنية، وإثراء الفنون التقليدية السعودية محلياً ودولياً»، مشيرة إلى أنه جاء تأسيسه بقرار من مجلس الوزراء في الرياض عام 2021، كأبرز مبادرات الاستراتيجية الوطنية للثقافة وتحت مظلة برنامج «جودة الحياة»، أحد برامج رؤية المملكة 2030.

 د. سوزان اليحيى مدير عام المعهد الملكي للفنون التقليدية

وتضيف اليحيى أن «المتوقع أن يخدم المعهد أكثر من ألف طالب وطالبة سنوياً، من خلال البرامج التعليمية التي يقدمها»، وتستطرد مبينة أهداف المعهد المتضمنة إبراز الهوية الوطنية السعودية من خلال تعليم الفنون التقليدية للأجيال الشابة، والمساهمة في حفظ التراث الثقافي السعودي وصونه.
يضاف لذلك، تقديم برامج تعليمية في مجالات متعددة مختصة بالفنون والثقافة تسهم بتخريج ممارسين مؤهلين، إضافة إلى رفع مستوى الوعي العام حول الفنون، والاحتفاء بقيمة الفنانين والرواد في مجالات الفنون التقليدية والحرفيين السعوديين، وتسليط الضوء على جهودهم، فضلاً عن الترويج لمجموعة واسعة من المعالم الثقافية السعودية على الصعيد العالمي، مع تركيز المعهد على تقديم التعليم والتدريب المهني في مجال الفنون التقليدية.
باكورة الجهود
وبعد العام الأول يأتي السؤال: ما الذي أنجزه المعهد حتى الآن؟ تجيب اليحيى، أن «للمعهد مقراً رئيسياً في الرياض وفيه فرع مجهز بالمعامل الفنية المتخصصة لتمكين فرص التعلم على أفضل وجه، ودُشن فرع آخر في جدة التاريخية، كما أبرم المعهد عدداً من الشراكات المحلية والدولية، وأطلق برنامج التلمذة في الحرف التقليدية الذي يُعد الأول من نوعه على مستوى المملكة، ويشمل في مرحلته الأولى حرفتي النسيج التقليدي (السدو) والبناء التقليدي بالطين».
ليس هذا كل شيء، كما تفيد اليحيى التي تشير إلى أن المعهد يقدم بالشراكة مع مؤسسة الأمير تشارلز للفنون التقليدية برنامج دبلوم فنون البناء في جدة التاريخية كتجربة تعليمية، وفق أعلى المستويات لإحياء الفنون التقليدية والمعمارية لجدة التاريخية مع التأكيد على الحفاظ على الموروث الثقافي المادي. وللدورات حصة وافرة، إذ توضح اليحيى أن المعهد يقدم 13 مجالاً في الفنون التقليدية عبر برامج الدورات القصيرة وهي: الخط الديوان، والتجليد التقليدي للكتاب، والتطريز اليدوي التقليدي، والأزياء التقليدية (المقطع النجدي)، والنسيج التقليدي (السدو)، والمجوهرات التقليدية، والفنون التقليدية بالفخار، وفنون الأبواب الخشبية التقليدية، والفنون التقليدية بالمعادن، والفنون التقليدية بالأحجار، والفنون التقليدية بالخوص، والقط العسيري، وتقنيات البناء التقليدي، بالإضافة إلى دورتين مقدمتين عن اليونيسكو، وتدريب ما يقارب 500 متدرب ومتدربة.

ما القادم؟
كما هو معروف، كلما زادت الإنجازات تضاعف حجم التحدي في استكمال هذه الجهود بشكل أكبر، وبسؤال اليحيى عن تطلعات المعهد الملكي للفنون التقليدية، توضح أنه يتماشى مع أولى محاور رؤية المملكة 2030، التي تهدف لخلق مجتمع حيوي يتميز بأصوله القوية، وأسسه المتينة التي تعزز الهوية الوطنية.
وتردف اليحيى قائلة، إن «المعهد الملكي للفنون التقليدية يعمل وفق استراتيجية مداها 10 سنوات ليكون وجهة للفنون التقليدية من خلال طرح دورات أكاديمية وتدريبية، وإطلاق حملات توعوية، وإجراء بحوث وبرامج تبادل دولي؛ كما يهدف إلى توفير منصة للفنانين لتحقيق طموحاتهم، ولتمثيل هوية المملكة العربية السعودية وإبراز تراثها».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».