عبر تقديم فقرات رقص حديث كل ليلة على مدى أسبوعين، وعرض أكثر من 50 لوحة فنية، توزعت بين «قاعتي مصر وإيزيس» في مركز محمود مختار الثقافي بالقاهرة، يقدم المخرج السينمائي المصري عماد إرنست معرضه «النصيب» الذي يمثّل الفصل الأول من فيلم يعده عن «كوكب الشرق» أم كلثوم، بعنوان «أم كلثوم... حدث ذات يوم في الجمالية»، يتكوّن من خمسة فصول، ويمزج فيه إرنست بين الرسم والتجهيز في الفراغ والموسيقى، والحكايات التي لا يعرفها إلا القليلون عن أم كلثوم التي ما زالت تملأ القلوب والأسماع، رغم رحيلها منذ 50 عاماً.
بدت قاعتا المعرض، الذي سينتقل أيضاً إلى الأردن وإسبانيا وفرنسا، بعد انتهاء عرضه في القاهرة، أشبه بجناحي طائر، أما الجسد فيتمثل في مسرح مفروش ببساط أحمر يقدم عليه إرنست كل ليلة بمصاحبة راقص آخر، عرضاً من الرقص الحديث يعبران فيه عن كثير من المشاعر التي كانت أم كلثوم تحركها في نفوس مستمعيها. كما شكّلت أوراق الشجر عنصراً أساسياً في لوحات المعرض، حيث استخدمها عماد إرنست في تشكيلات عديدة، لتعبر عن حالات حفلات أم كلثوم، منذ صعودها إلى خشبة المسرح لتقديم أغنياتها بدءاً من مقدمتها الموسيقية الطويلة، ثم تأهبها للغناء، واستقبال الجمهور لها، في لحظات توهجها، وتراوحاتها بين الذوبان في العشق، واللوعة والفراق، والقرب من الحبيب، مروراً بحالات الانتظار، ثم الفرح والهيام.
وأعطى إرنست لكل لوحة اسماً من أسماء أغنيات أم كلثوم، فهناك لوحة «ثورة الشك»، التي كتبها الأمير عبد الله الفيصل، ولحّنها الموسيقار رياض السنباطي، وغنتها أم كلثوم عام 1962، وإلى جوارها لوحات «ودارت الأيام»، و«هذه ليلتي»، و«أنت عمري»، و«أنا في انتظارك»، و«أهل الهوى»، و«سلو قلبي».
عماد إرنست (الشرق الأوسط)
وتنتهي بلوحة بعنوان «تانجو مع الست»، وهي ترمز إلى اكتمال حالة الوجد التي يصل إليها الفنان عماد إرنست، مع أم كلثوم فيرقص معها.
وأبرز إرنست باستخدام أوراق الشجر الكثير من الحالات، فقد راح تارة يقدمها طائرة في مهب الريح، وتارة محلقة ومتوهجة، وتارة محترقة، وتارة صفراء تهوي في فراغ لا نهائي، وتارة متلألئة في سماء تملأها النجوم.
وعن قصة فيلمه يقول إرنست لـ«الشرق الأوسط»: «البداية كانت بحادثة سيارة راحت ضحيتها فتاة، كان المشهد مروعاً، وفيما أشاح الجميع بوجوههم بعيداً، رحت أحملق في المشهد، فامتلأت روحي بالمأساة، وغادرت المكان متوجهاً إلى منزلي في حي الجمالية التاريخي، لم أكن في حالة تسمح لي بركوب سيارة، كنت أريد أن أمشي، وكانت أغنية أم كلثوم (ألف ليلة وليلة) تذاع في الراديو وتتحرك معي بموسيقاها وكلماتها، من مقهى إلى مقهى، ومن شارع إلى آخر، كنت أستمع إلى الأغنية فيما لا يفارقني مشهد اصطدام السيارة بالفتاة».
ويضيف عماد: «في طريق رحلتي إلى بيتي تولدت فكرة الفيلم، عشت خلالها حالات صوفية متوهجة رأيت فيها أم كلثوم وهي تعبّر بأغنياتها عن الفناء في الحبيب، ومخاصمته وهجرانه، والفرح بلقائه، والقرب منه، وهي حالة كاملة من الانتشاء، أدركت أنّ أم كلثوم تعيشها وهي تغني، وتدخل فيها كل مستمعيها في أنحاء الوطن العربي».
وأشار إلى أنّ من أطلق اسم «كوكب الشرق» على أم كلثوم، امرأة فلسطينية، كانت تحضر إحدى حفلاتها، في مسرح «الانشراح» بالقدس في ثلاثينات القرن الماضي، فبعدما غنّت أم كلثوم وانتشت المرأة، وتفاعلت معها، قالت لها أنتِ «كوكب الشرق كله»، لا «مطربة الشرق فقط»، على حد تعبيره.
وأضاف أنّ «هذه حكاية من قصص كثيرة تتضمنها فصول الفيلم الذي سيمزج بين فنون عدة، أقدم خلالها أم كلثوم بعد رحلة بحث طويلة حاولت فيها معرفة السر الذي يكمن خلف نجاحها واستمرارها كل هذه السنوات على عرش الغناء العربي، فهناك كثير من المحطات والتجليات في الفيلم تسعى لكشف سر تسلطنها على أسماع محبي الطرب الأصيل في الوطن العربي».