تزامناً مع اهتمام المهرجانات الدولية بتأثيرات وباء {كورونا} على الإنسان، قدم مهرجان الإسماعيلية الدُّولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، برنامجاً حمل عنوان «حتى لا ننسى»، عرض 3 أفلام تناولت تأثير «كورونا» على مناحي الحياة، وهي «حفل موسيقي من الشرفة، وأرجل وأيادي، وتايم لاين»، تمثل بولندا وإسبانيا ومصر، رصدت مأساة الكارثة، وما أصاب سلوكيات الناس خلالها من تغييرات جذرية.
لم يكن هذا البرنامج مدرجاً منذ البداية ضمن فعاليات وعروض هذه الدورة، وفق المخرج سعد هنداوي، رئيس المهرجان الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «تلقينا هذه الأفلام لتشارك ضمن المسابقات، وحينما وجدت خيطاً يربط بينها وهو الجائحة التي لا زلنا نعيش تداعياتها، رأيت أن نعرضها تحت عنوان (حتى لا ننسى)، ورغم أنه يقام خارج المسابقة بعيداً عن الجوائز فإنّ أصحاب الأفلام رحبوا بالفكرة، لأنّ الهدف هو تذكر كل ما صاحب (كورونا) وما ترتب عليها من أحداث غيرت ملامح الحياة التي اعتدناها».
«حفل موسيقي من الشرفة»
يسود الهدوء أحد الأحياء السكنية في بولندا، وتتبع الكاميرا الشرفات التي بدت متنفساً يطالع الناس من خلاله بعضهم بعضاً، ويلقون نظرة على الشوارع الساكنة والسيارات المتراصة خلال الموجة الأولى من جائحة كورونا، تلهو طفلة بلعبتها أمام مسكنها، وامرأة تمارس رياضتها، بينما جارها يعزف على الغيتار بشرفة منزله، ويحاول أن ينظم حفلاً موسيقياً لجيرانه للترويح عنهم، ويسعى رجل لإسقاط حذاء تعلق بالنافذة بمعاونة زوجته، وعندما ينجح أخيراً يضعه في سلة للأشياء القديمة بالشارع، فيأتي آخر ويرتديه ويمضي إلى طريقه، هكذا تدور أحداث الفيلم البولندي «حفل موسيقي من الشرفة»، ملتقطاً مشاهد توثيقية لما كان يجري خلال إغلاق كورونا، وهو من إخراج ديانا وكريستوف كانلوبسكا.
«أرجل وأيادٍ»
يعرض هذا الفيلم الإسباني الروائي القصير قصة لورينا وألبرتو، وهما زوجان شابان غيرت حالة الإغلاق في إسبانيا طبيعة علاقتهما، إذ حاصرتهما المخاوف جراء احتمالات العدوى نظراً لتضارب المعلومات حولها، ورغم حبهما وقضائهما أوقات مرحة معاً في إعداد الطعام، فقد أثر الفيروس على علاقتهما كزوجين حتى إنهما باتا يشعران بالخوف في محاولتهما اتخاذ قرار بشأن شكل المستقبل بينهما. صوّرت مشاهد الفيلم كلها داخلياً واعتمد كاتبه ومخرجه جورج برنجيور على وحدة المكان داخل البيت، بينما تتنقل الكاميرا بين غرفة النوم والمطبخ، وينتهي الفيلم بمشهد تراص ملابس كل منهما منفردة تعلوها كمامة.
«تايم لاين»
في محاكاة بصرية ووجدانية يطرح الفيلم المصري، حالة إنسانية في مواجهة الخوف الذي قد يكون وهمياً في بعض الأحيان بسبب كثرة الأخبار المغلوطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ويعرض العمل الذي يجمع بين التوثيقي والروائي حالة الاكتئاب التي أصابت بطله، والتي تبدو واضحة من إطلاق لحيته (ربما لإغلاق صالونات الحلاقة أيضاً)، ونومه لساعات طويلة والشكوك والمخاوف التي تحيط به في مدينته الإسكندرية، لذا تتحرك كاميرته في حيز ضيق داخل جدران الشقة، بينما تتعلق عينه بكل ما يصله عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ما صاحبها من تصريحات وتضارب في أعداد الإصابات والوفيات.
ووسط كل ذلك يقرر البطل مغادرة بيته في مشهد خارجي ينبض بالحياة والتفاؤل. يمثل الفيلم تجربة شخصية لمخرجه تميم النويري. وقد صوّر خلال فترة الإغلاق مما جعله يقوم بكل المهام من تمثيل وتصوير وإخراج لعدم إمكانية الاستعانة بأحد في تلك الفترة.
وعبرت د. سامية حبيب رئيسة قسم النقد في أكاديمية الفنون، عن إعجابها بهذا المحور المهم الذي قدمه المهرجان، لأنّه يعكس تلامس السينمائيين مع هذه القضية في جانبها الإنساني من وجهة نظر كل مخرج. ففيلم «تايم لاين» جسد محنة الإنسان في مواجهة الفيروس وتبعاته، وعبر المخرج عن انعزال البطل في بيته وعلاقاته التي يستمدها من مواقع التواصل الاجتماعي؛ فيما جاء الفيلم البولندي «حفل موسيقي من الشرفة» ليؤكد أنّه ما يزال في الحياة إنسانية رغم التباعد الذي جعل علاقات الجيران تتم كلها عبر الشرفات، ورصد الفيلم الإسباني «أرجل وأيادٍ» حالة الخوف التي جلبها الوباء حتى بين أقرب الناس.