حرب أوكرانيا تعكس مكانة مواقع التواصل وتأثيرها

حرب أوكرانيا تعكس مكانة مواقع التواصل وتأثيرها
TT

حرب أوكرانيا تعكس مكانة مواقع التواصل وتأثيرها

حرب أوكرانيا تعكس مكانة مواقع التواصل وتأثيرها

جدد وصف الحرب الدائرة حالياً بين روسيا وأوكرانيا بأنها «أول حرب على تيك توك» الجدل بشأن مواقع التواصل الاجتماعي، وتأثيرها على كيفية تلقي وتفاعل الجماهير للأحداث المهمة من حروب وثورات ونزاعات مسلحة. ومع انتشار مقاطع الفيديو القصيرة من أرض المعركة، بات «تيك توك» أحد الأسلحة المهمة في الحرب، بحسب مراقبين، يرون أن لوسائل التواصل الاجتماعي تأثيرها ودورها «الفعّال» في نقل الأحداث، و«خلق نوع من التعاطف» مع طرف على حساب الآخر، حتى إنها «قد تصبح المصدر الوحيد للأخبار عندما تضطر المؤسسات الإعلامية لسحب مراسليها من مناطق النزاع لحمايتهم».
منذ بدء الأزمة الروسية - الأوكرانية، لعب تطبيق «تيك توك» دوراً لافتاً في توثيق الأحداث، حتى إن بعض الفيديوهات وصفت بأنها «اللقطات الأولى من ساحة المعركة». وكتب الصحافي توماس فريدمان، في مقال نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في فبراير (شباط) الماضي، أن «هذه أول حرب ستغطى على تيك توك من خلال أفراد سلاحهم الوحيد هواتفهم الجوالة». في حين كتبت كاتلين تيفاني، في تقريرها بمجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية، خلال شهر مارس (آذار) الجاري، أن «العالم يتابع تفاصيل الحرب الروسية - الأوكرانية عبر منصة تيك توك».
من جهة ثانية، وثق مركز مرونة المعلومات البريطاني، الذي يعمل منذ سنوات على تحليل مضامين الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع الفيديو المتعلقة بالحرب، وقال بنيامين ستريك، مدير التحقيقات بالمركز، في تصريحات نقلتها مجلة «ذا أتلانتيك»، إن «نحو من 80 إلى 90 في المائة من الفيديوهات التي وثّقت كان مصدرها حسابات مدنيين على تيك توك، كانوا يعيشون حياتهم اليومية، ينشرون لقطات لكلابهم أو طعامهم، ومع بدء العمليات العسكرية أصبحوا يوثقون دخول الدبابات والوحدات العسكرية لبلادهم».
ولكن، مع أن «تيك توك» تعد المنصة الأكبر حالياً من ناحية التعاطي مع فيديوهات الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن ثمة منصات أخرى أقدم لعبت دوراً فعالاً في أحداث الربيع العربي منذ نحو 10 سنوات، على غرار «فيسبوك» و«تويتر».
وبحسب كاتلين تيفاني، فإن «تاريخ الحروب هو أيضاً، تاريخ للإعلام. إذ إن الذاكرة مليئة بالأحداث التي ارتبطت بوسائل إعلام معينة، فكانت حرب فيتنام (أول حرب تلفزيونية)، وحرب العراق الأولى 1991 (أول حرب تغطى على سي إن إن) - التي كانت تبث بثاً حياً من بغداد، أما غزو أميركا للعراق عام 2003، فكان (حرب فوكس نيوز)، وسميت أيضاً (حرب اليوتيوب). وعام 2012، قيل إن إسرائيل وحماس دخلتا (أول حرب على تويتر)».
اليوم هناك نحو مليار مستخدم لتطبيق «توك توك» حول العالم، من بينهم 130 مليون مستخدم في الولايات المتحدة الأميركية، حسب إدارة التطبيق. بينما تؤكد صحيفة «نيويورك تايمز» أن «حجم الفيديوهات والمحتوى المنشور عن الحرب الروسية - الأوكرانية على تيك توك يتفوق على إنستغرام».
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، قال محمود غزيّل، الصحافي اللبناني والمدرّب في مجال التحقق من المعلومات، إن «فيسبوك كان إحدى الوسائل المهمة التي حرّكت التظاهرات العربية، واليوم يفتح تيك توك المجال للفئات العمرية نفسها بمشاركة أوسع لحياتهم اليومية، ومشاهداتهم الفعلية بما يجري في الشارعين الروسي والأوكراني، حتى 6 مارس الحالي، وهو التاريخ الذي جرى فيه منع المستخدمين في روسيا من نشر أو مشاهدة ما يصار إلى تحميله من خارج روسيا». وهو رأي تتفق معه الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، إذ قالت لـ«الشرق الأوسط» معلّقة: «أصبحت المنصات أداة سياسية من أدوات إدارة الحروب والأزمات، بعدما أصبح المجال الافتراضي، جزءاً من المجال السياسي».
في سياق متصل، وصفت مجلة «تايم» الأميركية حرب القوات الكردية والعراقية ضد تنظيم «داعش»، بأنها «أول حرب على فيسبوك»، بل إن أحد مسؤولي الخارجية الأميركية السابقين قال في تصريحات نشرتها «ذا أتلانتيك» في ملاحظة لافتة، إن «داعش هو أول تنظيم إرهابي، يمتلك أراضي في الواقع، وكذلك في العالم الافتراضي (الديجيتال)».
دور «تيك توك» في توثيق الأحداث لم يبدأ بالأزمة الأوكرانية، بل يقول بنيامين ستريك إن «هذه ليست الحرب الأولى على تيك توك، إذ استخدم التطبيق بغزارة خلال الصراع الدائر في ليبيا وسوريا، ووثّق لانتهاكات حقوق الإنسان في ميانمار، كما نقل مشاهد العنف من حركة طالبان عام 2021 عندما سيطرت على أفغانستان، ونقل الأحداث عندما قصفت إسرائيل قطاع غزة في الربيع الماضي، حتى إنها سميت يومذاك انتفاضة تيك توك».
وهنا تشير مي عبد الغني إلى أن «تطبيق تيك توك برز في هذه الحرب كمصدر إخباري مهيمن، حين شارك كثير من المواطنين في ساحة الحرب قصصهم عبر التطبيق، لما يتمتع به من مزايا تتعلق بقصر الفيديو. وهذا ما يسهل استخدامه في توصيل المعلومات، إضافة إلى أن خوارزميات تيك توك تهتم بعرض المحتوى على أكبر عدد من الجمهور».
وترى عبد الغني أن «المشكلة تكمن في زيادة انتشار الصور والفيديوهات المضللة على مواقع التواصل الاجتماعي، مقابل بروز تقنيات كشف التضليل... وهو ما يدعونا إلى تعزيز مناهج التحقق من المعلومات، وإشراك الجمهور في كشف التضليل والتزييف، الذي ينتشر بسرعة مخيفة، خصوصاً في أوقات الحروب والأزمات».
من ناحية أخرى، يكمن الاهتمام بمنصة «تيك توك» حالياً بوجود العدد الأكبر من اليافعين عليها، بحسب غزيل، الذي يوضح أن «اليافعين هم الذين ينتجون العدد الأكبر من المحتوى المرئي المشارك على الإنترنت حالياً، وهذا بالإضافة إلى أن فيديوهات تيك توك يسهل تحميلها وإعادة مشاركتها ضمن مجموعات واتساب وغيرها من منصات التواصل، من دون أن يظهر الرابط الحقيقي بين منشئ هذه المواد البصرية والحكومات أو الجهات التي دفعته لنشر مثل هذا المحتوى».
ويشرح غزيل من ثم أن «تيك توك شكل وسيلة أساسية في حصد المعلومات عن التحركات الأمنية لكل الأطراف المشاركة في العملية العسكرية بأوكرانيا، ولكن مع غلق الأجواء الروسية عن تطبيق المحتوى الخارجي لتيك توك، باتت الغلبة للرواية الأوكرانية». ثم يضيف: «خلال الأيام الماضية، أمكن رصد عدد من الفيديوهات المنشورة من قبل المؤثرين الروس، الذين بدوا كأنهم يتلون بياناً رسمياً لدحض ما وصفوه بالإشاعات حول الأحداث، وتأكيد صواب العملية الروسية... وفي المقابل، أجرى البيت الأبيض جلسة تثقيف سياسي لنحو 30 من المؤثرين حول أضرار العملية الروسية وتأثيراتها في حال توسعها».
ختاماً، يشير تقرير نشرته مجلة «نيويوركر» الأميركية إلى أن «وسائل التواصل الاجتماعي تشكل الآن الطريقة التي يوثق بها الأوكرانيون الغزو الروسي، فيما يرى كأنه نوع جديد من حروب المواطن الصحافي»، ولفت إلى «أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في نقل الحروب والأزمات، لا سيما عندما تسحب المؤسسات الإعلامية مراسليها من مناطق النزاع لحمايتهم».


مقالات ذات صلة

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)
وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)
TT

مباحثات سعودية - صينية في بكين لتطوير التعاون الإعلامي

وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)
وزير الإعلام سلمان الدوسري خلال لقائه مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي (واس)

التقى سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، مدير مكتب الإعلام بمجلس الدولة الصيني مو قاو يي. وجرى، خلال اللقاء الذي عُقد في العاصمة الصينية بكين، الخميس، بحث آفاق التعاون الإعلامي وسبل تطويره، وتبادل الخبرات بين الجانبين والاستفادة منها، إضافةً إلى تعزيز التعاون في مجال تكنولوجيا الإعلام وتفرعاتها المختلفة.

كما زار الوزير الدوسري إدارة جامعة بكين للغات والثقافة، والتقى رئيس مجلس إدارة الجامعة ني هايدونغ، وناقش، خلال الزيارة، أوجه تطوير العمل المشترك، وتبادل الخبرات بمجال الإعلام والنشر والترجمة واللغة، وذلك في بيان نشرته «الخارجية» السعودية على موقع سفارتها في بكين.


وزير الإعلام سلمان الدوسري يلتقي رئيس مجلس إدارة جامعة بكين للغات والثقافة ني هايدون (الخارجية السعودية)

والتقى الوزير الدوسري بالطلبة السعوديين في جامعة بكين، وتبادل معهم الحديث، كما جرى توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين منصة سعوديبيديا وجامعة بكين للغات والثقافة، وذلك بحضور السفير السعودي لدى الصين عبد الرحمن الحربي.

وأشاد وزير الإعلام السعودي بالنمو المميز للعلاقات الثنائية بين البلدين، خلال لقائه رئيسة الهيئة الوطنية للإذاعة والتلفزيون الصينية تساو شومين، وبحث معها سبل تعزيز التعاون المشترك بمجال الإذاعة والتلفزيون.


وزير الإعلام سلمان الدوسري يلتقي الطلبة السعوديين في جامعة بكين (الخارجية السعودية)