الغزو الروسي لأوكرانيا يلحق أضراراً بعملتي البلدين

العملة الوطنية الروسية عوضت بعضاً من خسائرها منذ بداية الحرب (رويترز)
العملة الوطنية الروسية عوضت بعضاً من خسائرها منذ بداية الحرب (رويترز)
TT

الغزو الروسي لأوكرانيا يلحق أضراراً بعملتي البلدين

العملة الوطنية الروسية عوضت بعضاً من خسائرها منذ بداية الحرب (رويترز)
العملة الوطنية الروسية عوضت بعضاً من خسائرها منذ بداية الحرب (رويترز)

ألحق الغزو الروسي لأوكرانيا أضراراً باقتصادي البلدين اللذين اتبعت السلطات فيهما تكتيكات مختلفة لدعم العملة الوطنية المتراجعة قيمتها، وقد حققت تلك المقاربات نجاحات متفاوتة.
قبل بدء الغزو في 24 فبراير (شباط) الماضي كان سعر صرف الروبل الروسي نحو 80 مقابل الدولار، لكنه فقد الكثير من قيمته في الأيام التي تلت الهجوم متراجعاً إلى مستوى غير مسبوق بلغ 150 روبلاً للدولار الواحد. إلا إن العملة الوطنية الروسية عادت وعوضت بعضاً من خسائرها لتسجل نحو 105 روبلات للدولار الواحد، مستفيدة على ما يبدو من المحادثات الجارية بين موسكو وكييف لوضع حد للنزاع.
ورغم حرمانه من غالبية احتياطاته بالعملات الأجنبية جراء العقوبات الغربية، تمكن «المصرف المركزي الروسي» من بيع جزء من هذه الاحتياطات لدعم الروبل. ويبدو أن هذه التدابير؛ التي يضاف إليها ضبط الرساميل الذي يفرض على الجهات المستوردة بيع غالبية ما لديها من العملات الأجنبية للمصرف المركزي ويحد من إمكانية استفادة المستهلكين من أصولهم، تؤتي ثمارها.
وقال الخبير ألكسندر كودرين، في «مصرف أتون للاستثمار»، إن «(المصرف المركزي الروسي) لم يتدخل في السنوات العشر الماضية بشكل مباشر إلا في حالات قليلة»، مشيراً إلى أن تدخله «يصب حالياً في مصلحة إرساء الاستقرار في سوق الصرف». وأضاف: «بدأت تظهر أولى المؤشرات التي تدل على الاستقرار». ومؤخراً أطلق خبير الاقتصاد الروسي في «مؤسسة العلم والسياسة (إس دبليو بي)» في برلين تغريدة جاء فيها أن الروبل يكتسب قوة بفضل الضوابط الصارمة المفروضة على الرساميل والعائدات الكبيرة للنفط والغاز بعد «الصدمة» الأولية للعقوبات.
وفي أوكرانيا؛ حيث تفرض السلطات الأحكام العرفية، علق «المصرف المركزي» كل عمليات التداول بالعملات، وحدد سعراً للصرف عند 29 هريفنيا للدولار الواحد. كذلك حظر «المركزي الأوكراني» عمليات السحب بالعملات الأجنبية وغالبية عمليات الدفع عبر الحدود.
وقال مدير السياسة المالية في «المصرف المركزي الأوكراني»، فولوديمير ليبوشينسكي، إن المسؤولين كانوا قد أعدوا خطة تحسباً من اندلاع النزاع. وتابع: «كنا نأمل ألا نضطر لتطبيقها، لكننا كنا مستعدين». وأضاف ليبوشينسكي: «بفضل خبرة العمل في ظل قيود إدارية، كنا ندرك بكل وضوح ما يتعين القيام به لتجنب زعزعة استقرار القطاع المالي ولضمان تشغيله بشكل فاعل في تلك الظروف».
مؤخراً قال وزير المالية، سيرغي مارتشينكو، في تصريح للتلفزيون الأوكراني، إن تدابير «المصرف المركزي» أوجدت «ظروفاً نشهد حالياً بموجبها استقراراً لسعر الصرف». وهو أشار أيضاً إلى أن أوكرانيا تلقت دعماً من شركائها الدوليين؛ بمن فيهم الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، مشيراً أيضاً إلى أن صندوق النقد الدولي وافق على برنامج للمساعدات الطارئة لأوكرانيا بقيمة 1.4 مليار دولار.
وحذر الأستاذ المحاضر في «كلية لندن للاقتصاد»، عثمان ماندنغ، بأن التدابير، وإن كانت الظروف تبررها، تنطوي على بعض المخاطر. وقال إن «تعليق التداول بالعملات الأجنبية يوازي في الواقع تجميد الأسعار و... في حال بقي مفروضاً لفترات طويلة؛ فإنه يمكن أن يؤدي إلى قيام سوق سوداء للعملات الأجنبية». وتابع: «استئناف التداول بالعملات الأجنبية... سيكون مرغوباً للتخفيف من وطأة التشوهات الضمنية»، مشيراً إلى أن «المصرف المركزي الأوكراني» كان قد خفف بعض القيود، كما يبدو أن بعض عمليات صرف العملات الأجنبية بين المصارف بدأت تستأنف ببطء.
وقال ليبوشينسكي إن «المصرف المركزي» سيسعى إلى تخفيف القيود فور رؤية مجال لاتخاذ خطوة كهذه. وتابع: «بعد تحرير أوكرانيا من الغزاة الروس وعودة الأوضاع الاقتصادية إلى طبيعتها، فسنستأنف كل عمليات صرف العملات الأجنبية وسنرفع القيود المفروضة على العملة ونعيدها إلى مستويات ما قبل الحرب في أقرب وقت ممكن».
كذلك أشار ماندنغ إلى أن احتياطات أوكرانيا من العملات الأجنبية كان يقدر بنحو 28 مليار دولار في بداية الشهر. وتابع: «من شأن هذا الأمر أن يعكس بعض الارتياح في المدى القصير، لكن لاحقاً قد تكون هناك ضرورة لتجديده».
ويواجه الأوكرانيون الذين يغادرون البلاد هرباً من المعارك وبحوزتهم مبالغ مالية بالعملة المحلية مشكلات كثيرة بسبب التعقيدات القائمة على صعيد صرف عملتهم. ومؤخراً قال نائب رئيس المفوضية الأوروبية، فالديس دومبروفسكيس، إن المفوضية تعمل مع «المصرف المركزي الأوروبي» من أجل مساعدة الأفراد في تحويل ولو قسم من مدخراتهم بالهريفنيا إلى اليورو.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».