ياسين جابر... عزوف مشرّع الإصلاح في البرلمان اللبناني

التكنوقراطي المنفتح و«صلة مجلس النواب مع الخارج»

ياسين جابر... عزوف مشرّع الإصلاح في البرلمان اللبناني
TT

ياسين جابر... عزوف مشرّع الإصلاح في البرلمان اللبناني

ياسين جابر... عزوف مشرّع الإصلاح في البرلمان اللبناني

يغادر النائب والوزير السابق ياسين جابر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان اللبناني، ورئيس لجنة تطبيق القوانين فيه، الندوة البرلمانية بإرادته.
الاقتصادي والتكنوقراطي المنفتح يطوي صفحة امتدت لـ27 سنة في العمل الحكومي والنيابي، كرسته «عراباً» لتشريع «القوانين الإصلاحية»، و«صلة الوصل» بين لبنان والخارج، مرة عبر لجان الصداقة الأوروبية والبريطانية واليابانية، ومرة أخرى عبر تجمع نيابي لـ«ترميم» علاقات لبنان مع الكونغرس الأميركي. تجربتان في أبرز ملفين دقيقين على عاتق البرلمان، الملف الخارجي والملف المالي والاقتصادي، ويغادرهما جابر الآن محبطاً لعلمه بأن إرادة الإصلاح ليست فاعلة، وتجنباً لتكرار الانتقادات التي طالته، مع آخرين، في حراك أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
في العام 1995 تلقّى ياسين جابر، رجل الأعمال اللبناني المقيم في لندن اتصالات من لبنان عرضت عليه المشاركة في حكومة رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، ورُشّح، بالذات، لأن يحمل فيها حقيبة «الاقتصاد والتجارة». عند تلك النقطة اتخذ جابر قراراً بالعودة إلى بيروت التي هجرها في العام 1979 إلى بريطانيا، وافتتح أعماله فيها.
كانت بيروت في ذلك الوقت تشهد صعوداً مدوّياً على صعيد إعادة الإعمار والإنماء. ولقد أغرى ذلك الصعود، كثيرين من اللبنانيين المهاجرين ليكونوا شركاء في هذه النهضة. وكان جابر واحداً منهم، كيف لا وهو يمثل جزءاً من مجتمع رجال الأعمال اللبنانيين الذين انتقلوا إلى العاصمة البريطانية إبان فترة الحرب، حيث أسهم خلال إقامته فيها بأواخر الثمانينات بتأسيس فرع «جمعية خريجي الجامعة الأميركية في بيروت» في لندن، وترأس الفرع لثلاث سنوات. غير أن معظم أولئك عادوا بعد نهاية الحرب من أجل للمشاركة في مسيرة النهوض السياسي والاقتصادي لبلد عاين الخراب والدمار، و«حاز فرصة» للنهوض بعد العام 1992.
مثّلت تلك الحقيبة التي حملها ياسين جابر في الحكومة، مستهل مسيرته في العمل السياسي، أتبعها بالترشح إلى الانتخابات عن المقعد الشيعي في النبطية (جنوب لبنان) وبات عضواً في كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري. إلا أن هذا الدخول إلى البرلمان، لم يحجب الهدف الأساسي من دعوته إلى العمل السياسي، وهو المشاركة في حكومتين ترأسهما الحريري وزيراً للاقتصاد. إذ تلاقت دراسته كخريج في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت، وخبرته الواسعة في قطاع المال والأعمال في بريطانيا على مدى أكثر من 15 سنة، مع الرؤية السياسية للنهوض بلبنان في تلك الفترة. واستقر على رأس الوزارة حتى خروج الحريري من الحكومة للمرة الأولى في العام 1998 في عهد الرئيس الأسبق إميل لحود. وتحوّل جابر بعد ذلك إلى التفرغ للعمل البرلماني.

مشرّع لقوانين إصلاحية
وعلى الصعيد البرلماني، بدأ ياسين جابر مسيرته في لجنة المال والموازنة النيابية التي بقي فيها لمدة 24 سنة. ومنذ ذلك الوقت، يقول جابر «كنتُ جزءاً من النشاط التشريعي الهادف للعبور إلى الإصلاح المالي والاقتصادي». يصفه عارفوه بأنه «مهندس القوانين الإصلاحية» التي بدأت تتبلور بعد مؤتمر «باريس1»، حيث أصرّ المجتمع الدولي على إقرار القوانين الإصلاحية، وتنفيذها، وليس أولها إقرار «الهيئات الناظمة» لقطاعات الكهرباء والاتصالات والطيران المدني ولاحقاً النفط، كما أقر البرلمان في تلك الفترة قوانين إصلاحية أخرى مثل السوق المفتوحة لإلغاء الوكالات الحصرية.
جابر قال لـ«الشرق الأوسط» متذكراً وشارحاً «في تلك الفترة، كان الوضع صعباً. إذ أقيم مؤتمر (باريس1) لمساعدة لبنان بدفع من الرئيس الحريري، وعلى أثره، طالب المجتمع الدولي لبنان بإقرار القوانين الإصلاحية التي بدأنا بتشريعها في العام 2002. أقررنا حزمة القوانين الإصلاحية المطلوبة، لكن المؤسف أنه بعد عشرين سنة، لم تطبق هذه القوانين». ومن ثم، استتبعت بحزمة جديدة على مدار السنوات، منعها «قانون الأسواق المالية الحديثة» الذي أقرّ في العام 2011، وأتاح للقطاع الخاص العمل بالبورصات بمعزل عن الدولة، وتلاه التمهيد لقانون تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وصولاً في العام 2021 إلى إقرار «قانون الشراء العام» الذي «لم يكن أحد ليصدق بأنه يمكن أن يُقرّ». ولكن، بالفعل، جرى إقراره في العام الماضي، وكان يفترض أن يبدأ العمل به في يوليو (تموز) الفائت، إلا أنه حتى الآن لم يدخل حيّز التنفيذ. وهنا يُشار إلى أن جابر كان قد تقدم باقتراح القانون إلى المجلس النيابي، وأُعدّ هذا القانون في «معهد باسل فليحان» بالتعاون مع «البنك الدولي» و«الاتحاد الأوروبي» و«الوكالة الفرنسية للتنمية» و«وستمنستر فاوندايشن».

قوانين لم تُنفّذ
هذه المسيرة في التشريع، والجهود في إقرار القوانين التي وضع جابر لبنة قسماً منها، لم تثمر أو تنفذ، شأنها شأن أكثر من 72 قانوناً جرى إقرارها في البرلمان على مدى السنوات السابقة ولم تُنفذ رغم الدفع من قبله، وهو رئيس لجنة تطبيق القوانين.
هذا الواقع يختصره جابر بالقول، إن المؤسف والدافع لليأس في لبنان أنه «حتى اليوم ليس هناك قرار سياسي بالإصلاح». ثم يوضح «في ملف الكهرباء، لم يتخذ أي قرار بالإصلاح، رغم صراخنا منذ ثماني سنوات عبر الإعلام وفي داخل المؤسسات... كذلك حين تم إقرار سلسلة الرتب الرواتب التي عارضناها، بالنظر إلى أنه يستحيل إقرار سلسلة رواتب جديدة في ظل عجز في الموازنة... حذّرنا ورفعنا الصوت، لكن لا رأي لمن لا يُطاع».

الاقتصاد والشؤون الخارجية
نشاط جابر في المجلس النيابي تركز في أهم محورين: الشأن الخارجي، والمحور الاقتصادي – المالي. وتجربة جابر وزيراً للاقتصاد في عقد التسعينات، ولاحقاً وزيراً للأشغال العام والنقل في العام 2004، لم تقتصر على رفده بخبرة تشريعية في إعداد القوانين الإصلاحية. فهذه التجربة، إلى جانب مرافقته لرئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في أسفاره الخارجية لإنقاذ الوضع اللبناني، مهّدت له لتشكيل مروَحة واسعة من العلاقات الخارجية، وفتحت له أبواب التعرف إلى المجتمع الدولي، استفاد منها في وقت لاحق حين زادت الضغوط الخارجية السياسية على لبنان.
أضف إلى ما سبق، أنه خلال تجربة جابر النيابية، كلفه رئيس مجلس النواب نبيه برّي - الذي هو أيضاً رئيس كتلته البرلمانية - ملفات خارجية كثيرة، بينها «مجموعة الصداقة مع لبنان في مجلسي العموم واللوردات البريطانيين»، كما ترأس «لجنة الصداقة اللبنانية - الأوروبية»، إلى جانب رئاسة «لجنة الصداقة البرلمانية اللبنانية - اليابانية» لنحو عشرين سنة. وهذا بجانب تمثيله البرلمان اللبناني في الجمعية اللبنانية - اليورومتوسطية حتى العام 2011.
بعدها، في فترة الأزمة السورية، توترت العلاقة بين لبنان والكونغرس الأميركي، على ضوء تجاذبات في السياسة الخارجية. وكان الاتجاه الأساسي لدى لبنان شرح الموقف اللبناني وترميم العلاقات مع واشنطن على مختلف المستويات. عندها، وخلال العام 2016، طلب رئيس المجلس النيابي من جابر ومجموعة أخرى من الزملاء تشكيل وفد كُلّف تصحيح تلك العلاقات، وإنشاء تجمع يترأسه جابر نظم رحلات متتالية إلى واشنطن، حيث عقدت لقاءات مع ممثلين في الكونغرس والمؤسسات الدولية... بينها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لشرح الموقف اللبناني وإعادة أحياء العلاقات.
يقول جابر، الذي بات منذ العام 2018، رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، إن اختياره من قِبل برّي لهذه المهام، جاء على خلفية تجربته مع الحريري، وقبلها لوجوده لفترة غير قصيرة في بريطانيا، حيث اكتسب قدرات التواصل مع الخارج، ومهارات الحوار والمباحثات. وفي هذا السياق، يشدد على أنه كان يمثل كتلة «التنمية والتحرير» والمجلس النيابي، وانخرط في هذا النشاط بتكليف ورعاية الرئيس نبيه برّي. ثم يوضح «دخلنا إلى الكونغرس الأميركي وطرحنا وجهة نظر لبنان بالظروف السياسية المحلية والإقليمية، وبالفعل أعطى ذلك الحراك مفعولاً إيجابياً لفترة».

إرادة الخروج... وإرادة سياسية
اليوم، يترك ياسين جابر البرلمان بإرادته. لقد قرر العزوف عن الترشح للانتخابات النيابية المقبلة، من غير أن يترك العمل السياسي والاجتماعي والثقافي الذي يمارسه منذ سنوات طويلة، عبر مركز ثقافي افتتحه في مدينته النبطية، وغيره من المؤسسات.
أكثر من هذا، لم يخرج من البرلمان بسبب خلافات. بل اتخذ قراره الشخصي، على ضوء شعوره بالحسرة. وهو هنا يسأل بضيق «هل يُعقل أن هناك عشرات القوانين التي حفرناها بالصخر وكافحنا من أجل إقرارها، لم تصدر المراسيم التنفيذية لها، وهذا مع أن بعضها موجود منذ عشرين سنة، مثل إقرار الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء؟».
بعدها، يعود جابر بالذاكرة إلى الوراء، ليتحدث عن تجربة لبنان اليوم. يقول مسترجعاً شريط الأيام والسنين «حين وصلت إلى لندن في العام 1979، كانت بريطانيا تعيش حالة اقتصادية صعبة استلزمت منها توقيع برنامج مع (صندوق النقد الدولي)، مثلنا تماماً في هذا الوقت. يومذاك اتخذ الساسة البريطانيون قراراً بالإصلاح، وأجريت انتخابات عامة فاز فيها حزب المحافظين، وجاءت مارغريت ثاتشر إلى رئاسة الحكومة البريطانية... ونهضت بالبلاد حتى باتت واحدة من أكبر الاقتصاديات في القارة الأوروبية». ويتابع «... هذه التجربة بعثت فينا الأمل في ذلك الوقت، ولا تزال؛ لأنه متى توافرت الإرادة السياسية، سنكون قادرين على التغيير. لكن للأسف، هذه الإرادة غير موجودة. مشكلتنا في غياب الإرادة لا في النظام».

تضحية وحسرة
حسرة جابر اليوم، تنطلق من كونه مارس العمل السياسي 27 سنة، أهمل خلالها أعماله ونشاطاته الخاصة لصالح الشأن العام... ومع هذا، بعد 27 سنة «تعرّضت للانتقادات في 17 أكتوبر 2019، وطالتنا الشتائم مع الآخرين، وهذا أمر يدعو للأسف». ويستطرد فيقول «حين قررنا نحن خريجي الجامعة الأميركية العودة إلى لبنان والانخراط في العمل السياسي، كان يدفعنا الأمل الكبير. من جهتي، ضحيت من أجل الإصلاح والنهوض في البلد، وكنت مشرّعاً أعمل على هذا الصعيد. إلا أن ما يحزنني أننا وصلنا إلى طريق مسدودة، ولم نتمكن من تخليص لبنان من أزماته. لقد كانت أحلامنا كبيرة، لكنها اصطدمت بالكثير من العوامل التي حالت دون ريادة لبنان».
جابر كان قد أكد في بيان عزوفه عن الترشح للانتخابات المقبلة المقرر يوم 15 مايو (أيار) المقبل، أن الخروج من العمل النيابي «لا يعني الخروج من الحياة السياسية والعمل الاجتماعي»، متعهداً الاستمرار في خدمة الناس وخدمة لبنان. وخلال اللقاء مع «الشرق الأوسط» جدد القول، إنه موجود في العمل الاجتماعي والسياسي، خارج الندوة البرلمانية «لأننا جزء من لبنان»، وشدد على أن البلاد رغم الأزمة «ستكون قادرة على تحقيق إنجازات إذا ما توافرت الإرادة؛ فالإصلاح ممكن وغير مستحيل، لكن لا يبدو حتى الآن أن هناك رؤية واضحة للخروج من الأزمة بعد وصولنا إلى الانهيار». واختتم متسائلاً «هل يُعقل أن قانون الكابيتال كونترول لم يُقرّ حتى الآن بعد سنتين ونصف السنة على تفجّر الأزمة؟... بل، ولا يبدو أن هناك إرادة لتحقيق إنجازات... للأسف».

ياسين جابر... بطاقة شخصية
< يتحدّر من عائلة شيعية تعد إحدى أكبر عائلات مدينة النبطية، في جنوب لبنان
< ولد في مدينة لاغوس، العاصمة السابقة لنيجيريا، يوم 15 يناير (كانون الثاني) من عام 1951م
< والده رجل الأعمال المغترب في أفريقيا كامل جابر
< أنهى دراسته الثانوية في مدرسة الإنترناشونال كوليدج (الآي سي) في بيروت
< تخرَج في الجامعة الأميركية ببيروت، حاملاً درجة بكالوريوس آداب في الاقتصاد
< متزوّج من وفاء محمد العلي، وأب لأربعة أولاد هم: كامل وسارة وتمارا ونائل



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».