عطور تعتمد على عنصر الاختلاف وتستهدف الذواقة

خلاصاتها نادرة وعبقها قوي لمواجهة الشركات الكبيرة

عطور تعتمد على عنصر الاختلاف وتستهدف الذواقة
TT

عطور تعتمد على عنصر الاختلاف وتستهدف الذواقة

عطور تعتمد على عنصر الاختلاف وتستهدف الذواقة

تفيد التقديرات بأن سوق العطور العالمي يقدر بـ22 مليار دولار أميركي، وفي أوروبا وحدها قدرت أرباحه في عام 2014 بـ1.5 مليار جنيه إسترليني. ما أثبتته الأيام، أن الأزمات الاقتصادية قد تؤثر على كثير من قطاعات المنتجات المترفة، لكن يبقى العطر، ومستحضرات التجميل، من القطاعات المنتعشة، لأنها الوسيلة التي يلجأ إليها كثير من الناس لمقاومة الاكتئاب وتحسين المزاج، فضلا عن أسعارها المناسبة التي تؤثر على ميزانية أي شخص، ثريًا كان أم متواضع الحال.
الأرباح المذكورة أعلاه لا تقتصر على شركات كبيرة مثل «لوريال» و«إيستي لودر» فحسب، بل شملت بيوت الأزياء أيضا، التي تعيش على العطور وتعتبرها الأكسجين الذي تتنفس منه. ولأن لكل ظاهرة ناجحة وجه آخر، فإن انتشار العطور الموسمية، إضافة إلى العطور التي تعتمد على أسماء النجوم، مثل بيونسي، وجينفر لوبيز، وجاستين بيبر، وغيرهم، أبعدت شريحة تريد التميز ودفعتها إلى أحضان عطارين مستقلين، قد يسبحون مع التيار أو ضده، لكنهم يقدمون عطورا بنكهة خاصة تخاطب ذواقة من نوع آخر، لأن سلاحهم هو التميز. فهم يعرفون أنهم لا يستطيعون الدخول في منافسة مباشرة مع الشركات الكبيرة بإمكانياتها الإنتاجية الضخمة وقدراتها التسويقية الهائلة، وفي الوقت نفسه يعرفون أن زبونهم يريد المختلف والمتفرد، لهذا يركزون على تلبية رغبته بالبحث عن الخلاصات والمواد النادرة، التي يعبئونها في قارورات بتصاميم بسيطة، لكن ما بداخلها يعبق بكل ما هو ثمين. وليس أدل على هذا من عطور ماركة «ثمين» السعودية المتوفرة في «سيلفريدجز»، التي تستعمل خلاصات ورد الطائف، وهو كما يقال من أجود أنواع الورود، وعطر «إكس إيدولو 33»، الذي استعمل فيه عود معتق عمره 33 عاما، وهلم جرا، أو عطور «ميزون رامون مونيغال» التي يقول صاحبها إنه يبتكر الحلم ويختزنه في قارورة. ولا يمكننا إلا أن نصدقه لأنه ينحدر من أسرة عملت في هذا المجال منذ عدة عقود، كما عمل مع كبريات شركات العطور لـ35 سنة قبل أن يستقل في عام 2009 ويبدأ في طرح عطور نخبوية.
ثم هناك مجموعة «إليكتيموس» (Electimuss) ومعناها «اختيار الأفضل» في اللغة اللاتينية، التي تجسد رؤية هندسية في منتهى العصرية، رغم أنها مستوحاة من روما القديمة، فالرواية تقول بأن الرومانيين كان لهم دور كبير في تطوير فن وصناعة العطور مستعملين خلاصات غريبة وجديدة كانوا يجلبونها من كل بقاع العالم كلما غزوها واحتلوها.
ومع الوقت، أصبحت العطور في الثقافة الرومانية القديمة ترفا، لكن أساسيا بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء. بالنسبة للرجل، ارتبط بالصحة والقوة والفحولة، وكان يرشه بسخاء على جسمه وثيابه، كما أن المصارعين كانوا يستعملونه قبل أي مباراة أو معركة لنفس السبب. بالنسبة للمرأة الثرية، فكانت تستعمله على شكل زيوت في حمامها ولدهن بشرتها. ومن هنا بدأت المنافسة بين الرومانيات للحصول على عطور متميزة وخاصة، بغض النظر عن أسعارها، على شرط أن تبرز جمالهن وتفردهن. وتشير كتب التاريخ إلى أن المجتمع الروماني في القرن الميلادي الأول كان يستهلك ما لا يقل عن 2500 طن من اللبان وشجر المر. لكن بعد سنوات من البذخ، أصبحت فيها العطور باهظة الثمن، وكان لا بد من نص قانون جديد يقنن استعماله.
«إليكتيموس» أخذ هذا التاريخ بعين الاعتبار بتركيزه على الزيوت الخالصة في الأساس مع استعمال خلاصات نادرة تتراقص على نغمات الزمن الماضي وإيقاعات عصرية تواقة أن تبقى مع صاحبها إلى الأبد، لهذا فإن المجموعة الجديدة، وتتكون من 5 عطور، لا يمكن الحصول عليها بسهولة، لكن في حال أسعفك الحظ، فإنك لا بد أن تجد ما يروق لك فيها، لأن لكل منها شخصيتها المختلفة والمميزة، وإن كان القاسم المشترك بينها كلها هو عنصر الفخامة وعدم تبخرها بسرعة. الأول هو عطر «ساجيتا» الذي تغلب عليه الورود مع نغمات من المسك والفيتفير، والثاني هو «فانتي» الذي تشكله خلاصات زهرة الماندرين والياسمين والورد والغاردينيا والفانيلا، بينما الثالث فهو عطر «رودانثي» وهو أيضا تطبعه خلاصات الورد، خصوصا وردة بلغاريا، مع مزيج من الزنبق والجيرانيوم والبنفسج والباتشولي والصندل والمسك الأبيض. العطر الرابع في هذه السلسلة بعنوان «بلاتينيوم ماسكوس» وكما يدل اسمه يغلب فيه زيت المسك، واحد من أهم وأقدم العناصر التي استعملت في العطور قديما، طبعا أضيفت إليه خلاصات أخرى نذكر منها الباتشولي والقرفة والقرنفل، مما يعطيه نكهته الحلوة. العطر الخامس هو «إنسيتاتوس» ومعناه «سريع» في اللغة اللاتينية، وكان يشير إلى حصان عربي للإمبراطور كاليغولا. يفتتح العطر بنغمات من الرغموت الصقلي، تزيد قوته بفضل اللبان والجلد.
يقدر سعر كل عطر بـ135 جنيها إسترلينيا وتتوفر المجموعة في محلات محددة مثل «فورتنام آند مايسون»، و«رولييه وايت» (Roullier White). والجميل فيها مثل معظم العطور المتخصصة أنها تخاطب الجنسين.
الملاحظ أن العطارين المستقلين كانوا دائما موجودين، لكن لا يعرف عنهم سوى قلة من الزبائن، وهو ما تغير في الآونة الأخيرة؛ حيث بدأت أسماء كثير منهم تلمع وتتداول، بفضل اهتمام محلات كبيرة بهم، مثل «هارودز» التي خصصت لهم طابقا كاملا، وكذلك «ليبرتيز» وغيرها من المحلات، فضلا عن مواقع الإنترنت ووسائل التواصل، التي ساهمت في تسليط الأضواء عليهم وتروج لهم.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.