نحن الآن على بعد أسبوع وثلاثة أيام من إعلان نتائج مسابقة الأوسكار في السابع والعشرين من هذا الشهر. كل الدلائل ومئات آلاف التوقعات تقول إنّ أوسكار أفضل فيلم سيذهب إلى «قوة الكلب» وإنّ أوسكار أفضل إخراج سيذهب إلى جين كامبيون، صانعة «قوّة الكلب». على ذلك، فإنّ «قوّة الكلب» لا يبدو أنّه سيتمتع بالفوز بكل ترشيحاته الإثنا عشر، وبل ربما خسر أكثرها.
خمسة من عشرة
إذا صدقت التنبؤات، والغالب للآن أنّها ستصدق، فإنّ الدورة 94 من الأوسكار ستأتي وستمضي من دون مفاجأة تخص الفوز في هذين المضمارين: أفضل فيلم وأفضل مخرج. سيهز الجميع رأسه ويقول: «لقد توقعت ذلك». لكنّ التوقع لم يعد مهارة ودليل موهبة. هذه المخرجة النيوزلندية التي صورت فيلمها «الأميركي» في نيوزيلاندا، تنعم بمحبة عدد كبير من النقاد وعدد أكبر من الذين لديهم الحق في التصويت في تلك المناسبات السنوية الكبيرة، كالبافتا ونقابة الممثلين والغولدن غلوبز ونقابة المخرجين وسواها. والتي تصل إلى خاتمتها بحفلة توزيع جوائز الأوسكار.
هناك عشرة أفلام في سباق أفضل فيلم وخمسة مخرجين، مما يعني أنّ خمسة مخرجين من الذين تتنافس أفلامهم على الأوسكار لم يجدوا مكاناً لهم في خانة الإخراج. سيبقى هذا المنوال غريباً كمبدأ ومتداول كعادة.
أريانا دَبوز في «وست سايد ستوري»
الأفلام الخمسة التي لصانعيها حظ الفوز بأوسكار أفضل إخراج هي «بلفاست» لكنيث برانا، «وست سايد ستوري» لستيفن سبلبرغ، «بيتزا بعرق السوس» لبول توماس أندرسن و«قُد سيارتي» لريوسوكي هاماغوتشي و«قوة الكلب» لجين كامبيون.
الأفلام الخمسة التي تنبري منفردة من دون دخول صانعيها سباق الإخراج هي «كودا» لشيان هَدر، «لا تنظر لفوق» لأدام مكّاي و«دون» لدنيس فيلينييف و«الملك ريتشارد» لرينالدو ماركوس غرين و«زقاق الكابوس» لغوليروم دل تورو.
كل واحد من المخرجين المرشّحين لأوسكار الإخراج له تاريخ مع هذه الجائزة باستثناء الياباني رايوسوكي هاماغوتشي صاحب «قد سيارتي». هو جديد تماماً على اللعبة. الباقون لهم تجارب سابقة.
ستيڤن سبيلبرغ تم ترشيحه 19 مرّة سابقة وربح ثلاث مرّات: في سنة 1993 نال أوسكاري أفضل فيلم وأفضل مخرج عن «قائمة شيندلر» والأوسكار الثالث ناله فقط كأفضل إخراج عن فيلمه «إنقاذ المجنّد رايان».
جين كامبيون رُشّحت لجائزتي الإخراج والسيناريو عن فيلمها «البيانو» (1993) ففازت بالأولى وخسرت الثانية.
أما كنيث برانا فتاريخه حافل بأربع ترشيحات، لكنه لم ينل جائزة حتى الآن: في سنة 1990 دخل سباق أفضل ممثل عن «هنري الخامس» (1990)، وسباق أفضل مخرج. بعد ثلاثة أعوام شارك بفيلم قصير عنوانه «أغنية البجعة» ثم رشّح مرّة ثالثة عن «أسبوعي مع مارلين» (كأفضل ممثل مساند).
بول توماس أندرسن لم يفز أيضاً بأي أوسكار بعد رغم ترشيحه ست مرّات. الأولى عن «بوغي نايت» (1998) كأفضل كاتب سيناريو، الثانية عن «ماغنوليا» (2000) كأفضل كاتب سيناريو أيضاً والثالثة والرابعة كأفضل مخرج وأفضل سيناريست عن «سيكون هناك دم» (2015) والخامسة والسادسة عن إخراج «خيط شبح» (Phantom Thread) الذي نال بدوره ترشيحه في خانة أفضل فيلم.
وراء الكاميرا
إذا وقع المكروه (بالنسبة لي على الأقل) وفازت كامبيون بأوسكار أفضل مخرجة فستكون ثالث أنثى تحقق هذا النجاح. ففي عام 2004 نالت صوفيا كوبولا (ابنة فرنسيس فورد كوبولا) أوسكار أفضل فيلم (عن «مفقود في الترجمة») وفي عام 2010 حازت الجديرة كاثرين بيغيلو أوسكاران عن «خزنة الألم» (The Hurt Locker) الأولى كأفضل فيلم والثانية كأفضل مخرجة.
في الوقت ذاته، هناك أكثر من جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج ينتظر «قوّة الكلب» وصاحبته. الفيلم ذاته في عشر مسابقات أخرى: بطله بنديكت كمبرباتش مرشّح لجائزة أفضل تمثيل أول. في قسم أفضل ممثل مساند هناك وجهان من وجوه هذا الفيلم هما كودي سميت - مكفي وجيسي بليمونز.
لا أنثى في خانة أفضل ممثلة أولى عن هذا الفيلم لكن كيرستين دانست حاضرة في سباق أفضل ممثلة مساندة.
وراء الكاميرا، هناك ترشيح لمديرة تصوير «قوّة الكلب» آري وغنر وترشيح لبيتر سكيبراس كأفضل توليف (مونتاج) وآخر لجوني غرينوود كأفضل موسيقى مكتوبة خصيصاً، من ثمّ ترشيح سابع في سباق أفضل سيناريو مقتبس (قامت به جين كامبيون نفسها) ثم ترشيح ثامن في قسم تصميم الإنتاج وواحد أخير في قسم الصوت.
«قوة الكلب» تحصيل حاصل
الغالب أنّ أوسكار أفضل سيناريو مقتبس سيذهب إلى جين كامبيون. لكن بالنسبة للمسابقات الأخرى فإنّ المسألة تختلف من حقل لآخر. فبنديكت كمبرباتش خسر فرصته في جوائز الممثلين تلك التي خرج منها ويل سميث رابحاً عن «الملك رتشارد»، وهذا ما هو مرجح له أن يتكرر هنا كون معظم أعضاء الأكاديمية هم أعضاء نقابة الممثلين.
للسبب نفسه ليس متوقعاً فوز جيسي بليمونز وكودي سميت مكفي عن دوريهما في مسابقة التمثيل الرجالي المساند. هما تواجها في جوائز نقابة الممثلين وخسرا إذ ذهبت الجائزة إلى تروي كوتسور عن «كودا». على ذلك، هناك احتمال فوز سياران هيندز بالأوسكار في هذا القسم عن دوره في «بلفاست».
وفي جوائز النقابة ذاتها فازت اللاتينية أريانا دبوز عن دورها في «وست سايد ستوري» وخسرت كيرستين دانست فرصتها في «قوة الكلب». الوضع ذاته مؤهل للتكرار هنا كونهما من أبرز المرشّحات في هذا الميدان.
العثرة الأولى لـ«قوة الكلب» ستكون في مجال التصوير على أساس حسن تصوير غريغ فرايزر لفيلم «دون». المنافسة هنا صعبة وطرفها الآخر برونو دلبونل عن «تراجيديا ماكبث». أمّا في فن التوليف فالفيلم يقف جيداً على قدميه بفضل حسن حياكة بيتر سكيبراس للحكاية. ولسبب ما لا أرى موسيقى هذا الفيلم أكثر تميّزاً عن تلك التي وضعها جرمين فرانكو لفيلم «إنكانتو» أو هانز زَمر عن «دون» الذي سيحصد جوائز تقنية أكثر منها فنية.
توقعات نهائية
لكن هل يمكن الاعتقاد بأن يخفق «قوة الكلب» في الفوز بأهم هذه الجوائز وهو أوسكار أفضل فيلم؟
كنت أعربت عن عدم إعجابي كثيراً بالفيلم أكثر من مرّة، لكنّ وجوده مدعوم بذلك النجاح المسبق الذي حققه حتى الآن التي تُرجم على مستوى الجوائز الأخرى وإعجاب نقدي حافل. لكن «يلفاست» ليس أفضل حالاً. و«قُد سيارتي» داخل مسابقة أفضل فيلم أجنبي ما قد يؤثر على وجوده في المسابقة الرئيسية، و«بيتزا بعرق السوس» ليس من أعمال مخرجه بول توماس أندرسن الأفضل. «زقاق الكابوس» سيتم التضحية به وفيلم ستيفن سبيلبرغ «وست سايد ستوري» لم يبهر كثيراً بل بدا إعادة لفيلم أفضل. «الملك رتشارد» سينجح في التمثيل وسيفشل في مدار أفضل فيلم. «كودا» خفيف جداً و«لا تنظر لفوق» ثقيل في رسالته وأعضاء الأكاديمية لا يحبّون الأفلام العميقة.
هذا كله يعزز نفاذ «قوة الكلب» إلى منصّة الفوز ونستطيع من الآن رؤية المخرجة ابنة الثالثة والستين وهي تبتسم وتعود إلى نيوزيلاندا وهي ما زالت تبتسم.