«ميثاق الملك سلمان العمراني» يحط في «إثراء» الظهران

ينطلق من رؤية خادم الحرمين لفنون العمارة السعودية ودلالاتها الثقافية

جانب من معرض «ميثاق الملك سلمان العمراني» الذي يستضيفه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)
جانب من معرض «ميثاق الملك سلمان العمراني» الذي يستضيفه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)
TT

«ميثاق الملك سلمان العمراني» يحط في «إثراء» الظهران

جانب من معرض «ميثاق الملك سلمان العمراني» الذي يستضيفه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)
جانب من معرض «ميثاق الملك سلمان العمراني» الذي يستضيفه مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)

يستضيف مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، معرض «ميثاق الملك سلمان العمراني»، الذي تنظمه هيئة فنون العمارة والتصميم التابعة لوزارة الثقافة، والذي حط رحاله في مقر المركز بمدينة الظهران (شرق السعودية)، أمس (الأربعاء) ويستمر إلى 30 مارس (آذار) الحالي. ويأتي المعرض في محطته الرابعة بعد إقامته في كل من الرياض وأبها وجدة على التوالي.
وينطلق المعرض من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في فنون العمارة المحلية ودلالاتها الثقافية، وهويتها التي تتوافق مع الطبيعة والمناخ والبيئة المحيطة، وتعكس تاريخ المملكة وموروثها الحضاري الأصيل.
قالت الدكتورة سمية السليمان، الرئيسة التنفيذية لهيئة فنون العمارة والتصميم: «إن إصدار الهيئة لميثاق الملك سلمان العمراني هو إحدى مبادراتها التي تُعنى بتنمية القطاع العمراني، حيث نقدمه كمبادرة نفتخر أن نتبناها بإلهام من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومسيرته في خدمة الوطن على مدى عقود والتي أنتجت عمارة وبيئات مبنية، تميزت في مفاهيمها وارتباطها بالموروث التاريخي للمكان عُرفت بالعمارة السلمانية».
وأشارت سمية السليمان إلى أنّ خادم الحرمين الشريفين أرسى هوية معمارية وطنية أصيلة من خلال تنفيذ العديد من المشاريع تحت رعايته الكريمة التي ارتكزت على الجذور المحلية، من ظروف ثقافية ومكانية واجتماعية ومناخية. وأضافت أنّه «في زمن سهل اللحاق بما يحدث دولياً من تنمية وتوجه عمراني، اختار - حفظه الله - أن يستقي الإلهام من مصدر فخرنا واعتزازنا المتمثل في تاريخنا وموروثنا الثقافي لتُعاد صياغته من جديد».
من جانبها، أوضحت فاطمة الراشد، رئيسة قسم الشراكات والاستراتيجيات في «إثراء»، أنّ المركز يحرص على استقطاب المعارض ذات القيمة النوعية العالية، التي تقدم محتوى محلياً وعالمياً ذا ارتباط بإرث ثقافي، يسعى في مجمله إلى فتح آفاق من الحوار، وتبادل الأفكار والمعرفة، كنافذة يطل بها الزائر على ثقافات متعددة، وحضارات متنوعة، وفنون مختلفة تثري الزائر بتنوع أنماطها.

معرض «ميثاق الملك سلمان العمراني» من تنظيم هيئة فنون العمارة والتصميم التابعة لوزارة الثقافة

وأضافت فاطمة الراشد: «إننا نعتز باستضافة معرض ميثاق الملك سلمان العمراني في شراكة استراتيجية مع هيئة فنون العمارة والتصميم، الذي يستخلص منه جوهر الفلسفة السلمانية في العمارة، ونشرها وتأصيلها لتكون نهجاً على المدى الطويل، ومرجعاً مُلهماً للمهتمين بالعمارة المحلية عالمياً».
يفتح المعرض أبوابه لجميع المهتمين والمتخصصين في مجالي العمارة والتصميم أو الممارسين لأعمالها، إضافة إلى مختلف فئات المجتمع الراغبين في الاستمتاع بمحتوياته التي تشمل عرض نماذج معمارية مميزة ومشاريع حصلت على جوائز محلية وعالمية، كما يستعرض أفضل 15 مشاركة في مسابقة الميثاق في صورة، كأحد حوافز ميثاق الملك سلمان العمراني، التي أُطلقت على مدى ثلاثة أشهر وتجاوزت المشاركات فيها أكثر من 300 صورة من مختلف مناطق ومدن المملكة أبرزت خلالها أهم المباني والمعالم المميزة.
كما يُعرّف المعرض بقيم ومبادئ الميثاق، رغبة في توجيه المصممين نحو القيّم الثقافية التي ينص عليها الميثاق، ويأتي ذلك امتداداً لحرص هيئة فنون العمارة والتصميم على تجسيد أصالة العمران، والاحتفاء بالرؤية الشاملة التي استُلهمت من تأثير خادم الحرمين الشريفين، إضافة إلى حرصها على تعزيز شراكاتها النوعية التي عقدتها مع عددٍ من الجهات الحكومية والخاصة لتطوير العمل التنموي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».