تكريم الشاعر سعود الأسدي في حفل إطلاق «أسبوع الكتاب في فلسطين»

الشاعر سعود الأسدي (يمين الصورة) في حفل تكريمه
الشاعر سعود الأسدي (يمين الصورة) في حفل تكريمه
TT

تكريم الشاعر سعود الأسدي في حفل إطلاق «أسبوع الكتاب في فلسطين»

الشاعر سعود الأسدي (يمين الصورة) في حفل تكريمه
الشاعر سعود الأسدي (يمين الصورة) في حفل تكريمه

قامت إدارة فعالية «أسبوع الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف»، أو ما بات يعرف اختصارًا بـ«أسبوع الكتاب في فلسطين»، وينظمه ملتقى فلسطين الثقافي للسنة الخامسة على التوالي، في مقر «دار الشروق للنشر والتوزيع (مقر الملتقى)» بمدينة رام الله، بتكريم الشاعر الفلسطيني سعود الأسدي، صاحب التجربة المتميزة والطويلة، والذي اشتهر بالعامية في كتابة الشعر، وبعض الفصحى، مستلهمًا التراث الفلسطيني، وتراث المنطقة، بل والعالم.
وكان لأشعار الأسدي، وحكاياته عن الشعر والأدب، وعن شيء من سيرته، وحكايات بعض الكتب، كلمة السبق، والحضور الأبرز، الذي ما انفكت الابتسامة، مع كل كلمة أو قصيدة يلقيها، ترافق وجوه الحاضرين، وربما بعضهم رافقته الدهشة، خاصة وهو يستعرض حكايات من التراث العربي والعالمي قام بتحويلها شعرًا، دون إغلاق جوهر الحكاية أو الأسطورة الأصلية، كأوبرا عايدة، وغيرها.
وعبر الأسدي عن سعادته بالتكريم بقوله: «هناك خصوصية على الدوام للاعتراف بالمبدع في وطنه.. هذا التكريم يعني الكثير، خصوصا أنه يأتي من ملتقى ثقافي فلسطيني، واحتفالاً باليوم العالمي للكتاب، وبحضور نخبة من المثقفين والأدباء والكتاب والشعراء والناشرين، ورجال الفكر ونسائه».
ويعتبر سعود الأسدي من أعلام الشعر الفلسطيني، هو المولود عام 1938، ونشأ على قراءة وكتابة الشعر الموزون والعامي، فيما درس لاحقًا في ثانوية كفر ياسيف بالداخل الفلسطيني المحتل، ليدرس الأَدب العربي بعدها في جامعة القدس، كما عمل مُدرِّسًا للغة العربيَّة منذ عام 1960 ولثلاثة وثلاثين عامًا في عدة مدارس.
واشتدَّ ميل الأسدي، بعد عام 1967، إلى الكتابة بـ«العاميّة الفلسطينية»، حرصًا عليها وعلى علاقة الفلاّح الفلسطيني بها، كما أشار في أكثر من مرة، هو من تمرّد على الأَشكال التقليدية في الشعر العامي، حتى صارت العاميّة الحديثة، بفضل إبداعه، واجهة كبيرة من واجهات الإبداع الفلسطيني الحديث.
وعالج الأسدي مواضيع ثقافية متعددة بما في ذلك التراث الفلسطيني بمقالات متسلسلة في صحيفة «الاتحاد» الحيفاوية، تحت عنوان «دقة المهباج»، ومقالات أخرى كثيرة.. وله الكثير من المؤلفات من بينها: ديوان «أغاني من الجليل» أصدره العام 1976، وهو أول ديوان زجلي بعد العام 1948، تحدث فيه عن ظهور فن الزجل في فلسطين، وأَشكاله، وأَوزانه، وأنواع القول فيه من «شروقي»، و«معنّى»، و«ميجانا»، و«عتابا»، و«موشّح»، و«قَرّادي»، وغيرها وأساليب غنائية.
وصدر له أيضا «نسمات وزوابع» العام 1986، و«ع الوَجَع» العام 1992، و«شبق وعبق» العام 1999، و«دَعْسِة بنت النبي» العام 2000، كما أصدر «كتاب جَفْرا» (تحقيق وتدقيق للأُغنية التراثية الفلسطينية)، العام 1999. وفي السنوات الأخيرة، انشغل الأسدي فيما سماه الـ«تذويب الشعري المسرحي إلى العربية»، إذ أنجز في هذا الإطار «أوبرا عايدة»، و«د. فاوست»، و«أوبرا لابوهيم»، وجميعها صدرت في العام 2013، قبل أن ينتج «صياغة عربية»، لـ«خرافات إيسوب»، الذي وصفه بأنه «كتاب لا تفنى جدّته بتقادم الأجيال».
وقال فتحي البس، رئيس ملتقى فلسطين الثقافي: «منذ تأسيسه قبل أربع سنوات، واظب ملتقى فلسطين الثقافي على الاحتفال باليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، بأسبوع من النشاطات الثقافية المميزة، لإيمانه بأن الثقافة هي أهم أدوات الإنسان لتحقيق التكيف مع عالم سريع التطور، وأهم أدوات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. وفي حالات مقاومة الاحتلال، تبقى الثقافة أداة دائمة تؤسس لنقيضه، وتحبط خططه، وتحافظ على هوية الشعب، وتراثه الوطني، وتبني الإنسان المقاوم، الذي يشارك في صناعة مستقبل مشرق لوطن حر ومستقل، لذلك نحن نشارك ونلبي دعوة اليونيسكو للاحتفال بهذا اليوم، من أجل تعزيز القراءة، ونشر الكتب، وحماية الملكية الفكرية من خلال حماية حقوق المؤلف، ويشرفنا تكريم قامة شعرية فلسطينية كبيرة كسعود الأسدي».



رقائق ذهبية من مقابر البحرين الأثرية

قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة
قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة
TT

رقائق ذهبية من مقابر البحرين الأثرية

قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة
قطعتان ذهبيتان من مقبرة أبو صيبع تقابلها ثلاث قطع مشابهة من مقبرة الشاخورة

كشفت أعمال التنقيب المتواصلة في مقابر البحرين الأثرية عن مجموعات متنوعة من اللقى، منها مجموعة من الرقائق الذهبية، زُيّن بعض منها بنقوش تصويرية تتميّز بطابعها الفني المتقن. تعود هذه المجموعة إلى الحقبة التي عُرفت بها هذه البلاد الجزرية باسم تايلوس في القرون الأولى من عصرنا، وتشهد لتقليد فني جنائزي شاع في نواحٍ عدة بالشرق الأدنى، وبلغ ساحل الخليج العربي.

خرجت هذه الرقائق الذهبية من مقابر عدة موغلة في القدم، تقع اليوم في المحافظة الشمالية، وتطل على شارع البديع. تُعرف هذه المقابر بأسماء القرى التي تجاورها، وهي مقبرة أبو صيبع، ومقبرة الشاخورة، ومقبرة الحجر. تقع أولى هذه المقابر على تل دائري يبعد نحو 8 كيلومترات غرب المنامة ونحو 500 متر جنوب دوّار جنوسان عند شارع البديع، وهي من المواقع الأثرية التي شرع فريق بحريني في استكشافها منذ عام 1983. أظهرت أعمال المسح قبوراً عدة، حوت مجموعات من الأواني الفخارية والزجاجيات والحلى، دخل قسم كبير منها القاعة التي تحمل اسم تايلوس في متحف البحرين الوطني بالمنامة، ومنها 4 رقائق بيضاويّة مصنوعة من الذهب، تُشكّل زوجين متشابهين من الأقراص كما يبدو.

عُثر على زوج من هذه القطع الذهبية عند أعلى صدر أحد الراقدين في هذه المقبرة، وعُثر على الزوج الآخر المشابه له عند أسفل الصدر، ممّا يوحي بأنها مشابك صُنعت لتثبت عند أطراف رداء الجثمان أو كفنه. يحمل كل زوج من هذه الأقراص صورتين منقوشتين، تمثّل الأولى وجه رجل ملتحٍ يظهر في وضعية جانبية، وتمثّل الأخرى قامة نسر مجنّح يظهر كذلك في وضعية مماثلة. تحتلّ صورة الرجل مساحة بيضاوية مسطّحة يبلغ طولها 5.3 سنتيمتر، وتظهر على شكل نقش ناتئ حُدّدت تفاصيله بأسلوب يجمع بين الدقة والإتقان والرهافة. الطابع الفني يوناني، مع أنف طويل، وعين يحدّها جفنان بارزان، وفم مطبق تحيط به لحية تنسدل من أعلى الوجنتين إلى أسفل الذقن. يرتفع هذا الوجه فوق عنق ترتسم فوق كتفين يعلوهما ثوب يوناني تقليدي، كما توحي ثناياه الملتفة حول المنكب. في المقابل، تحتل صورة النسر مساحة يبلغ طولها 4 سنتيمترات، وتُمثّل طيراً يقف منتصباً، فاتحاً جناحيه المنبسطين في الفضاء.

تتكرّر صورة هذا الرجل الملتحي مع اختلاف في التفاصيل على قطعتين ذهبيتين من الطراز نفسه، مصدرهما مقبرة الشاخورة التي تقع شمال غربي القرية التي تحمل اسمها، على بعد نحو 700 متر جنوب شارع البديع. وهي مقبرة كبيرة تُشكّل موقعاً كبيراً يشمل سلسلة من التلال المنخفضة، تحوي مجموعة من مدافن تعود لفترة تايلوس. تظهر صورة الرجل الملتحي على صفحة منمنمة مستطيلة، كما تظهر على صفحة دائرية، وتوحي ملامحها بأنها تمثّل وجهاً واحداً يختزل في وحدته شبهاً مثالياً يتجاوز الملامح الفرديّة.

يظهر المثال الأنثوي على قرص دائري يبلغ طول قطره 3.2 سنتيمتر، مصدره كذلك مقبرة الشاخورة. الأنف طويل ومتصل بالجبين، والعين مفتوحة وسط هدبها، والثغر صغير. الوجنة مكتنزة، والعنق منتصب، ويحدّه عقد تنسدل منه سلسلة من الحبات الرباعية الأضلاع. الشعر مرفوع إلى الوراء، مع جدائل معقودة تبلغ أعلى طرف الظهر. تبدو هذه الصورة المنقوشة على صفحة رقيقة من الذهب مماثلة للصور المنقوشة على الجواهر التي يُشار إليها باسم «قميو»، وهو اسم خاص بصنف من الجواهر، عُرف في ميدان الفنون الفاخرة الكبرى بشكل واسع على مدى عصور.

إلى جانب هذه الرقائق الذهبية التي تتبنّى أسلوباً تصويرياً، تحضر رقائق أخرى تحمل طابعاً تجريدياً، مصدرها مقبرة الحجر التي تتبع قرية تحمل هذا الاسم، تقع كذلك على شارع البديع، وتحديداً بين قرية أبو صيبع وقرية القدم. تنقسم هذه الرقائق إلى مجموعتين. عثرت بعثة محلية على المجموعة الأولى خلال عام 1971، وهي مكونة من قطع صغيرة متعددة الأشكال صُنعت لتزيّن أكاليل خاصة بالراقدين. وعثرت بعثة محلية أخرى على المجموعة الثانية بين عام 1992 وعام 1993، وهي مكوّنة من رقائق مستطيلة ذات أطراف مقوّسة، صُنعت لتثبّت فوق أفواه الراقدين في قبورهم.

تعكس قطع البحرين الذهبية تقليداً فنياً شاع في مقدونيا القديمة كما في مواقع تقع اليوم في مناطق حدودية من بلغاريا

استُخدم الذهب منذ أقدم العهود في ميادين فنية متعدّدة، وتعدّدت أشكاله بين حضارة وأخرى، وبين حقبة وأخرى. في «اللطائف والظرائف»، نقل الثعالبي عن شداد الحارثي في «باب مدح الذهب»: «الذهب أبقى الجواهر على الدفن، وأصبرها على الماء، وأقلّها نقصاناً على النار، وهو أوزن من كل شيء إذا كان في مقدار شخصه، وجميع جواهر الأرض إذا وضع على الزئبق في إنائه طفا، ولو كان ذا وزن ثقيل وحجم عظيم، ولو وضعت عليه قيراطاً من الذهب لرسب حتى يضرب قعر الإناء، وله حسن وبهاء في العيون، وحلاوة في الصدور، ومنه الزريابات والصفائح التي تكون في سقوف الملوك، وعليه مدار التبايع منذ الزمان الأول والدهر الأطول».

افتتن أهل الأرض بالذهب «منذ الزمان الأول والدهر الأطول»، وجعلوا منه ثمناً «لكل شيء»، كما تشهد الحضارات المتعاقبة على هذه الأرض. تعكس قطع البحرين الذهبية تقليداً فنياً راسخاً شاع في مقدونيا القديمة، كما في مواقع تقع اليوم في مناطق حدودية من بلغاريا. ويتمثّل هذا التقليد في صناعة رقائق من الذهب تستقر على أعضاء معيّنة من الجثامين، وعلى مواقع محدّدة من الأكفان. امتدّ هذا التقليد إلى الشرق الأدنى، وشاع في الساحل الفينيقي، كما تشهد قطع عُثر عليها في صيدا وجبيل وبعلبك وحمص.

بلغ هذا التقليد الجنائزي نينوى في شمال العراق، ووصل منه كما يبدو إلى الجزيرة العربية، كما تؤكد القطع التي خرجت من مقابر البحرين، والقطع المشابهة التي عُثر عليها في نهاية القرن العشرين بمدفن شُيّد في شرق مستوطنة ثاج التي تتبع اليوم شمال شرقي المملكة العربية السعودية، وتقع على بعد نحو 95 كيلومتراً من مدينة الجبيل غرباً، وسط وادٍ ضحل يمتدّ على الطريق التي كانت تسلكها قديماً القوافل التجارية.