هل يُسقط التكتيك الأوكراني استراتيجية بوتين؟

دبابات روسية مدمّرة في إقليم سومي الأوكراني (رويترز)
دبابات روسية مدمّرة في إقليم سومي الأوكراني (رويترز)
TT

هل يُسقط التكتيك الأوكراني استراتيجية بوتين؟

دبابات روسية مدمّرة في إقليم سومي الأوكراني (رويترز)
دبابات روسية مدمّرة في إقليم سومي الأوكراني (رويترز)

يعتمد الروس في مقاربتهم العسكريّة على 3 مستويات، هي: الاستراتيجيّة، والعملانيّة، والتكتيك.
على سبيل المثال، هناك استراتيجيّة كبرى للمحيط المباشر، الممتدّ من دول البلطيق وحتى البحر الأسود، مروراً بكلّ من بيلاروسيا وأوكرانيا.
ولكلّ دولة من هذه الدول (المحيط المباشر Near Abroad) مقاربة خاصة ومختلفة، تُنفّذ فيها روسيا مقاربة عملانيّة مناسبة لخصوصية المسرح بكلّ الأبعاد الاجتماعيّة والاقتصاديّة، ومن ثمّ السياسية (Customization).
لا تتعامل روسيا مع إستونيا كما تتعامل مع لاتفيا. ولا تتعامل مع بولندا كما تتعامل مع رومانيا. فبولندا تُعتبر عدوّة التاريخ في حروبها على روسيا وأوكرانيا. وهي عدوّة الجغرافيا لأنها «الكوريدور» الذي تعبر منه الغزوات إلى مركز الثقل الروسي (موسكو).
أراد الرئيس فلاديمير بوتين التنفيذ بسرعة، ومفاجأة الجيش الأوكراني، باعتماد مبدأ الحرب الخاطفة. وفرض الأمر الواقع (Fait Accompli). هذا مع العلم بأن عنصر المفاجأة لم يكن موجوداً؛ لأن الرئيس بوتين كان قد حدّد أهدافه في أوكرانيا منذ سنين، وكتب عن الموضوع، وحشد جيشاً كبيراً كافياً لعمليّة شاملة في أوكرانيا. نجح بوتين في جورجيا عام 2008، وفي القرم وإقليم دونباس عام 2014، كما في سوريا عام 2015؛ لكن التعثّر الخطير جاء في أوكرانيا... لماذا؟

إذا أخذنا طموحات الرئيس بوتين وأهدافه الجيوسياسيّة كلها، والتي تقوم في أساسها على استرداد مناطق نفوذ الاتحاد السوفياتي، وبالتالي الجلوس إلى طاولة القوى العظمى. وإذا تذكّرنا أنه القائل: «إن سقوط الاتحاد السوفياتي هو أكبر كارثة جيوسياسيّة»، فإنه حتماً أعد الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع الكوني. وإذا كبُر المشروع كبُرت معه الوسائل. فمن أين يبدأ؟
هل هناك أفضل من البدء في الخاصرة الطريّة له ولأوروبا... أوكرانيا؟ وهل هناك أفضل من الجيش الروسي الذي استثمر فيه منذ عام 2008 ليكون الوسيلة الناجعة لتنفيذ المشروع المُتخيّل؟ فالقوى العسكريّة في مخيّلة الكرملين هي الواجهة التي تعكس قوّة روسيا. وهي الملاذ الأخير للأمن القومي الروسي، بالإضافة إلى المؤسسات الاستخباراتيّة الأخرى.
فالجيش الروسي يعكس حالة روسيا الداخليّة، وهو مرآتها، كما يعكس مكانتها وتموضعها على الرقعة العالمية الكبرى.
https://twitter.com/aawsat_News/status/1502994133291438083
في أوكرانيا، انتصر التكتيك على الاستراتيجيّة. أوقف الأوكرانيون حتى الآن وسيلة بوتين الأساسيّة، الجيش الروسي، عدا السلاح غير التقليدي. فالنجاح التكتيكي يغذّي المستوى الأعلى منه العملانيّ، والذي بدوره يضخّ في الصورة الاستراتيجيّة روح النجاحات. لكن تراكم النجاحات التكتيكيّة لا يخدم مطلقاً استراتيجيّة خاطئة.
في أوكرانيا، حتى الآن، ظهر الفشل في الأبعاد الثلاثة التي ذكرناها في البدء (الاستراتيجي، والعملاني، والتكتيكي)، وقد ينتقد البعض بأن علينا الانتظار ويجب عدم التسرّع في الحكم. نعم صحيح. لكن في الحدّ الأدنى، تضرّرت صورة الجيش الروسي، وحشر بوتين نفسه في الزاوية؛ خصوصاً أن الدول المنافسة تراقب عن كثب كيفيّة أداء هذا الجيش الروسيّ. ألم يُراقب الصينيون والروس أداء الجيش الأميركي في حروبه الأخيرة؟ بالطبع.

وصف عملاني- تكتيكي لأرض المعركة:

• حرب من نوع جديد، لها تشابه مع حرب يوليو (تموز) 2006، والحرب في سوريا.
• الأقوى فيها لا يستطيع الحسم، رغم الخلل الكبير في موازين القوى.
• حرب بالواسطة بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من جهة، وروسيا والموقف الخجول للصين حتى الآن، من جهة أخرى.
• أراد بوتين نصراً سريعاً، وأرادت أميركا هزيمة سريعة له.
• لم نرَ حرباً بين دبابة وأخرى، ولا بين طائرة وأخرى.
• الحرب تدور في المدن، تقاتل فيها روسيا بالخطوط الخارجيّة، ويقاتل الجيش الأوكراني بالخطوط الداخليّة.
• تأتي الحركيّة من الجيش الروسي لأنه المهاجم، والثبات من الجيش الأوكراني لأنه يُدافع. الروسي على الطُّرق، والأوكراني في المدينة. وإذا سقطت المدن، وتشكّلت حركة مقاومة ستتبدّل الأدوار، ليصبح الروسي في موقع الثبات، والمقاومة في حركيّة تستهدفه كيفما تحرّك.

• هناك سباق بين أميركا وروسيا. تريد أميركا إيصال السلاح إلى الداخل الأوكراني قبل سقوط المدن؛ خصوصاً كييف. ويريد بوتين تأكيد الحصار والسقوط لكييف إذا أمكن، لمنع وصول السلاح.
• يحتاج الفريق الأوكراني إلى الدعم لضرب آلة الصدم الروسيّة (الدبابة) ومنع الطائرات من دعم تقدّم الدبابة. فعادت ذكرى صاروخ «ستينغر» من أفغانستان إلى أوكرانيا، وأخّر الصاروخ «Javelin» تقدّم الدبابة.
• من جهة أخرى، يحتاج الروسي إلى إعادة تنظيم قواه، وتجاوز عقبتي العديد واللوجستيّة، وإلا فسيتذكّر الكل قول السيناتور الأميركي الراحل جون ماكين: «إن روسيا هي عبارة عن محطّة وقود».
فهل سيسعى بوتين إلى إسقاط كييف، كي يُحسّن صورته وصورة جيشه؟


مقالات ذات صلة

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».