كييف تستعد لحصار روسي... وماريوبول تترقب وصول مساعدات إنسانية

جنود أوكرانيون يضطرون لنهب المنازل للبقاء على قيد الحياة

جندي أوكراني يسير في مدينة ماريوبول (أ.ب)
جندي أوكراني يسير في مدينة ماريوبول (أ.ب)
TT

كييف تستعد لحصار روسي... وماريوبول تترقب وصول مساعدات إنسانية

جندي أوكراني يسير في مدينة ماريوبول (أ.ب)
جندي أوكراني يسير في مدينة ماريوبول (أ.ب)

تخشى السلطات الأوكرانية حصول حصار لكييف إلا أنها تعهدت بأن «تُدافع بلا هوادة» عن العاصمة في وجه القوات الروسيّة التي تقصف الجنوب الأوكراني حيث تأمل مدينة ماريوبول المحاصرة في وصول قافلة مساعدات إنسانيّة اليوم (الأحد).
وقالت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إيرينا فيريشتشوك إن هذه القافلة ظلت عالقة أكثر من خمس ساعات عند نقطة تفتيش روسية السبت، في وقت يؤمل بأن تصل إلى ماريوبول الأحد آتية من زابوريجيا عبر برديانسك.
ويُعتبر ذلك حيوياً بالنسبة إلى ماريوبول. فهذه المدينة الساحلية الاستراتيجية الواقعة في جنوب شرقي البلاد بين شبه جزيرة القرم ودونباس، غارقة في وضع حرج «ميؤوس منه تقريباً» حسب منظمة أطباء بلا حدود، وهي تفتقر إلى الطعام وسكانها محرومون من الماء والغاز والكهرباء والاتصالات.
وفشلت محاولات لإجلاء مئات آلاف المدنيين مرات عدة، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال مصدر عسكري فرنسي إن «ماريوبول لا تزال محاصرة. ما لا يمكنهم الحصول عليه بالحرب، يريد (الروس) الحصول عليه من خلال الجوع واليأس. ولأنهم لا يستطيعون قهر الجيش الأوكراني، فإنهم يستهدفون السكان».
https://twitter.com/aawsat_News/status/1501897406350303242
وتقرّ موسكو بأن الوضع «في بعض المدن» اتخذ «أبعاداً كارثية»، على ما نقلت وكالات أنباء روسية السبت عن الجنرال ميخائيل ميزينتسيف الذي اتهم «القوميين» الأوكرانيين بزرع ألغام في المناطق السكنية وتدمير البنية التحتية حارمين بذلك المدنيين من طُرق للإجلاء وللموارد الأساسية.
لا تزال مدينة أوديسا في الجنوب تستعد لهجوم القوات الروسية التي تركز هجومها حالياً على بعد حوالي مائة كيلومتر إلى الشرق في مدينة ميكولايف. وأشار صحافي في وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن القصف المكثف طال خصوصاً مركزاً للسرطان ومستشفى لطب العيون.

وتنتشر جثث الضحايا في شوارع بعض المدن في وقت يستحيل التحقق من أعدادهم. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت إن «نحو 1300» جندي أوكراني قتلوا منذ 24 فبراير (شباط)، في أول إحصاء رسمي للسلطات الأوكرانية منذ بدء الغزو.
وأشار زيلينسكي إلى أن الجيش الروسي فقد «نحو 12 ألف عنصر». من جهتها، أعلنت روسيا في 2 مارس (آذار) أن 498 من جنودها قُتلوا وهي الحصيلة الوحيدة التي قدّمتها.
وقُتل ما لا يقل عن 579 مدنياً، بحسب حصيلة قدمتها الأمم المتحدة أمس (السبت)، مؤكدة أن عدد القتلى ربما يكون أعلى بكثير من ذلك.
وفرّ زهاء 2.6 مليون شخص من أوكرانيا منذ 24 فبراير، إضافة إلى وجود نحو مليوني نازح داخلياً، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
في كييف، وحدها الطرقات المؤدية إلى الجنوب لا تزال مفتوحة. وباتت العاصمة بحسب مصادر أوكرانية محاصرة بشكل متزايد بالجنود الروس الذين دمروا مطار فاسيلكيف أمس (السبت).
وقالت هيئة أركان الجيش الأوكراني إن القوات الروسية الموجودة في ضواحي العاصمة تحاول تحييد المناطق المحيطة بها من أجل «محاصرة» كييف. كما تعرضت الضاحية الشمالية الغربية (إيربين وبوتشا) لقصف مكثف في الأيام الأخيرة.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن القوات الروسية كانت موجودة أمس (السبت) على بُعد 25 كيلومترا من العاصمة وإن رتلاً في شمال المدينة تفرّق وهو ما يعزز فكرة وجود نية لتطويق كييف.

غير أنّ القوات الروسية تُواجه مقاومة من الجيش الأوكراني، غرب العاصمة وشرقها، حسب صحافيين في وكالة الصحافة الفرنسية. ووعدت الرئاسة الأوكرانية بـ«دفاع لا هوادة فيه» عن كييف. وأكّد جنود أوكرانيون قابلتهم وكالة الصحافة الفرنسية أن معنوياتهم جيدة. أما بالنسبة إلى الأعداء، فقال الجندي إيليا بيريزنكو: «إنهم مجبرون على التخييم في قرى تقترب فيها درجات الحرارة من 10 تحت الصفر خلال الليل، ويفتقرون إلى الإمدادات ويضطرون إلى نهب المنازل».
ويبقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مواقفه، واتهم أمس (السبت) القوات الأوكرانية بارتكاب «انتهاكات صارخة» للقانون الإنساني، خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس. لكن الرئاسة الفرنسية ردت على تصريحاته معتبرة أنها «أكاذيب».
أما الدعوات التي وجهها ماكرون وشولتس من أجل «وقف فوري لإطلاق النار» فلم تلق آذاناً صاغية.
لكن على الصعيد الدبلوماسي، ظهر تغيير في نهاية هذا الأسبوع: فرحب زيلينسكي بـ«نهج مختلف جذريا» من جانب موسكو خلال محادثاتها الأخيرة مع كييف، مشيرا إلى أن روسيا لم تعد «تُصدر الإنذارات فقط».
ورداً على سؤال حول تصريحات أدلى بها بوتين الجمعة وتشير إلى «تقدّم» في المحادثات الروسية - الأوكرانية، قال زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي في كييف إنه «سعيد بتلقي إشارة من روسيا».
وعقد لقاء الخميس بين وزيري الخارجية الروسي والأوكراني في تركيا لم يُحقق نتائج. وفي وقت سابق، عقدت ثلاث جلسات من المحادثات على مستوى الوفود، ستتواصل عبر الفيديو بحسب الكرملين.
وأعرب زيلينسكي عن أسفه لأن «الشركاء الغربيين (لأوكرانيا) ليسوا ملتزمين بما فيه الكفاية».
https://twitter.com/AFPar/status/1502630486975283207
ويرفض الغربيون الدخول في الصراع، لكنهم ضاعفوا العقوبات الاقتصادية والتجارية ضد روسيا، وطمأنوا كييف لناحية تقديم الدعم لها، خصوصاً العسكري.
وأعلنت واشنطن السبت تقديم مساعدات أسلحة جديدة لأوكرانيا بقيمة 200 مليون دولار، تأتي في أعقاب مساعدة أولية في مجال العتاد العسكري بقيمة 350 مليون دولار تم تسليم ثلثيها حتى تاريخ 4 مارس، وفقاً لمسؤول في البنتاغون.
كانت حزمة المساعدات الأولية هذه تهدف إلى «تزويد أوكرانيا على وجه السرعة بالذخيرة اللازمة، وبصواريخ جافلين المضادة للدبابات وصواريخ ستينغر المضادة للطائرات»، حسب ما أوضحت مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية جيسيكا لويس أمام الكونغرس.
ويأتي الإعلان عن المساعدات الجديدة من جانب البيت الأبيض بعد تصريحات لنائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف الذي قال إنه «حذر الولايات المتحدة» من أن هذه «القوافل» أصبحت «أهدافاً مشروعة»، متحدثاً خصوصاً عن أنظمة دفاع جوي محمولة وأنظمة صواريخ مضادة للدبابات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟