القضاء الموريتاني يبقي على الرئيس السابق تحت المراقبة

أعفى 14 متهماً بالفساد... منهم وزراء ورجال أعمال

الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (أ.ف.ب)
الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (أ.ف.ب)
TT

القضاء الموريتاني يبقي على الرئيس السابق تحت المراقبة

الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (أ.ف.ب)
الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (أ.ف.ب)

أعلنت النيابة العامة في محكمة نواكشوط الغربية نهاية آجال المراقبة القضائية، التي يخضع لها 15 متهماً بالفساد، ومن أبرزهم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وعدد من وزرائه ورجال الأعمال المقربين منه، ابتداءً من أمس الجمعة، باستثناء ولد عبد العزيز، الذي سيبقى تحت المراقبة القضائية حتى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل. وخضع المتهمون بالفساد للمراقبة القضائية منذ مارس (آذار) 2021، أي أنهم قضوا عاماً كاملاً تحت المراقبة، وفق ما ينص عليه القانون الموريتاني، غير أن ولد عبد العزيز خضع خلال هذا العام للحبس الاحتياطي لمدة ستة أشهر، وهي الفترة التي لم تحتسبها النيابة من آجال المراقبة القضائية.
ويواجه ولد عبد العزيز تهماً بالفساد، وغسل الأموال والإثراء غير المشروع، بناءً على تحقيق قامت به لجنة برلمانية مطلع 2020، لكن ولد عبد العزيز رفض هذه التهم، وقال إن ما يتعرض له «تصفية حسابات سياسية»، وبدأ يعبر عن آراء معارضة للحكومة والرئيس، وامتنع عن التوقيع لدى الشرطة القضائية، وفق ما تنص عليه إجراءات المراقبة القضائية، ليقرر قاضي التحقيق وضعه في الحبس الاحتياطي، قبل أن يخرج منه بسبب تعرضه لوعكة صحية.
وقالت النيابة في بيان صحافي، صدر مساء أول من أمس، إنها حريصة على «تطبيق ضمانات المحاكمة العادلة، والحفاظ على حقوق الأطراف، وستتقيد بالآجال القانونية المقررة، وتحترمها بشكل صارم ودقيق»، موضحة أن الحبس الاحتياطي الذي خضع له ولد عبد العزيز كان «بسبب سلوكه الشخصي، وذلك بقيامه بخرق تدابير المراقبة القضائية من خلال امتناعه عن الحضور، والتوقيع لدى الجهة المختصة، ولا تحتسب المدة التي قضاها في الحبس الاحتياطي من مدة المراقبة القضائية».
وأضافت النيابة أن الرئيس السابق «وبعد الإفراج عنه بحرية مؤقتة تقديراً لظروف صحية وصفها الأطباء، تم وضعه من جديد تحت تدابير مراقبة قضائية، تحتسب فيها المدة الأولى التي قضاها تحت هذا التدبير، قبل القرار القضائي القاضي بحبسه احتياطياً»، وبالتالي لن تنتهي مراقبته القضائية إلا في السابع من سبتمبر المقبل.
وعلقت النيابة العامة على مجريات التحقيق في واحد من أكثر الملفات تعقيداً في تاريخ العدالة الموريتانية، مشيرة إلى أن «عمليات التحقيق في الملف سارت بوتيرة مكثفة وسريعة»، وأعلنت أنها أصدرت في إطار التحقيق «إنابات قضائية دولية»، وهو ما اعتبرت أنه يأخذ في العادة الكثير من الوقت خصوصاً أنه «ملف يُغطي عشر سنوات، ويتابع فيه 15 متهماً، ويشمل قضايا متشابكة ومعقدة، ويحتوي آلاف الوثائق والمستندات».
وأضافت النيابة موضحة أنها مستمرة في تعقب الأموال التي جرى نهبها، سواء خارج أو داخل البلاد، مشيرة إلى أن «تقصيها يفرض متابعة التحقيق لإتاحة الوقت الضروري لكشف وحجز المزيد من هذه الأموال، التي لا تزال تُكتشف إلى الآن».
وسبق أن أعلنت النيابة العام الماضي وضع يدها على 41 مليار أوقية (أكثر من مائة مليون دولار أميركي) داخل البلاد، أغلبها من أملاك الرئيس السابق، فيما لم تكشف حجم الأموال التي يجري تعقبها خارج البلاد. وأكدت النيابة أن «حجم ما تم كشفه وحجزه خلال مرحلة التحقيق، وما يجري التحقق منه في هذه الأثناء، يُظهر الحاجة إلى مواصلة أعمال التحقيق، خاصة منها تلك المتعلقة بالتحقيقات المالية الموازية»، مشيرة في السياق ذاته إلى أنه «من لازم التحقيقات القضائية، وخصوصاً ما يتعلق منها بملفات الفساد الكبيرة، أن تأخذا وقتاً طويلاً يصل إلى سنوات عديدة». ولمحت إلى إمكانية أن تطلب الحبس الاحتياطي في حق أي متهم في الملف، حين ترى ذلك ضرورياً لمصلحة التحقيق، لكنها أكدت حرصها على «مواصلة ممارسة الدعوى العمومية في الملف، والعمل وفق الإجراءات التي يخولها لها القانون، من أجل محاكمة المشمولين فيه من طرف المحاكم المختصة في أسرع وقت ممكن».
لكن النيابة العامة لم تكشف أي موعد محدد للمحاكمة، التي يترقبها كثير من الموريتانيين، والذين يتابعون أول تحقيق يخضع له رئيس سابق للبلاد مع عدد من وزرائه في تهم تتعلق بالفساد.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.