كيف يتعامل الروس مع تشديد القيود على الإنترنت والحظر الغربي للتطبيقات؟

رجلان يستخدمان حاسبيهما حيث يظهر خلفهما العلم الروسي (رويترز)
رجلان يستخدمان حاسبيهما حيث يظهر خلفهما العلم الروسي (رويترز)
TT

كيف يتعامل الروس مع تشديد القيود على الإنترنت والحظر الغربي للتطبيقات؟

رجلان يستخدمان حاسبيهما حيث يظهر خلفهما العلم الروسي (رويترز)
رجلان يستخدمان حاسبيهما حيث يظهر خلفهما العلم الروسي (رويترز)

في أوائل شهر مارس (آذار)، بدأ الإنترنت في روسيا يبدو وكأنه مدينة أشباح. توقف تطبيق «تيك توك» عن نشر مشاركات جديدة، وسحبت الكثير من وسائل الإعلام مراسليها من البلاد. منع موقع «يوتيوب» منشئي المحتوى من جني الأموال من مقاطع الفيديو الخاصة بهم. الصمت الرقمي هو النتيجة النهائية لسلسلة من العقوبات التي أُسقطت على روسيا بعد غزو أوكرانيا، حيث ظهر التشريع الروسي الجديد الذي يجرم نشر ما يسمى «الأخبار الكاذبة» داخل البلاد، وفقاً لمجلة «تايم».
وأعلنت الهيئة الناظمة الروسية لوسائل الإعلام (روسكومنادزور)، يوم الجمعة الماضي، أنها بدأت «تقييد الوصول» إلى «تويتر» بعد حجبها موقع «فيسبوك»، حسبما أفادت وكالات الأنباء الروسية.

رداً على ذلك، يقول الروس إنه كان عليهم أن يقرروا كيفية البقاء بأمان وعلى تواصل، وحيثما أمكن، التعبير عن معارضتهم. كانت إحدى النساء في سانت بطرسبرغ مجرد مراهقة في عام 2011، عندما شاهدت المتظاهرين المناهضين للفساد يثورون ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنها لم تتخذ أي إجراء بنفسها. الآن في الثلاثينات من عمرها، مع غزو القوات الروسية لأوكرانيا، تشعر بأن ما يحدث أصبح «ثقيلاً»، وتقول: «لا أعرف كيف يمكن لأي شخص أن يدافع عن ذلك».
ويمثل التعبير عن هذه المعارضة تحدياً. لقد تحدثت السيدة، مثل العديد من الروس الآخرين الذين أخبروا «تايم» عن جهودهم لتجنب رقابة الدولة، بشرط عدم الكشف عن هويتها لأنها كانت تخشى مخالفة قانون الأخبار المزيفة. تقول إن أصدقاءها الذين يشعرون بعدم قدرتهم على الصمت يحاولون إيجاد طريقة للتحدث رغم الرقابة. لقد بدأوا في العثور على الأعمال الفنية والصور التي ينشرونها على منصاتهم بألوان العلم الأوكراني، لكنها ليست مموهة بما يكفي - لمنحهم إمكانية الإنكار المعقولة في حالة اتصال الشرطة بهم. وتضيف: «في الوقت الحالي، نحن خائفون».
وتظل ملفات تعريف الوسائط الاجتماعية الخاصة بها في الوضع الخاص. المعارضة خارج الإنترنت كانت بالفعل خطيرة بما يكفي بالنسبة لها - تم القبض عليها في وقت سابق من هذا الشهر (مع أكثر من 13 ألفاً آخرين)، وتم نقلها بالحافلات إلى مركز الشرطة حيث تم احتجازها في زنزانة ضيقة.

روسيا «تقيّد الوصول» إلى خدمة «تويتر» بعدما حجبت «فيسبوك»

* تسامح أقل وخوف أكثر
تُظهر حملات القمع - عبر الإنترنت وخارجها - افتقار روسيا المتزايد إلى التسامح مع المعارضة السياسية، حيث تشن حرباً تسببت في نبذها من المجتمع الدولي. يُعاقب قانون «الأخبار الكاذبة» في روسيا بالسجن 15 عاماً، أو غرامة قدرها 1.5 مليون روبل (حالياً 11500 دولار، حيث يواصل الروبل تراجعه).
التشريع الجديد، الذي اقترحه في الأصل حليف للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو تصعيد للقواعد السابقة. يقول يفغيني جولوفتشينكو، الباحث في الإعلام الروسي والمعلومات المضللة في مركز كوبنهاغن لعلوم البيانات الاجتماعية، وهو جزء من جامعة كوبنهاغن في الدنمارك: «ما نراه الآن ليست قوانين جديدة جذرياً... لكنها نسخة أكثر صرامة».
رغم أن العقوبات الجديدة واضحة، فإن تطبيق القانون ليس كذلك. تقول المرأة في سانت بطرسبرغ: «لا نعرف حقاً كيف سيعمل القانون ومن سيُتهم بانتهاكه... بالنسبة لي، لا يمكنني التعبير عن رأيي بشأن ما يحدث إذا لم يكن هو نفسه رأي الحكومة الرسمي».
وتوقفت منصات التكنولوجيا الكبيرة مثل «تيك توك» عن العمل في البلاد بسبب القانون الجديد، بينما أضافت منصات أخرى مثل «إنستغرام» ملصقات إلى المحتوى الذي ترعاه الدولة الروسية وبدأت في تخفيض توزيعه داخل التطبيق.
https://twitter.com/TikTokComms/status/1500535434610368518?s=20&t=2maCU77gZ040LdVbDE4LxQ
يطول ذلك المؤثرين الروس الذين يكسبون رزقهم على المنصة. قبل الغزو، نشر المؤثر نيكي بورشين مقاطع فيديو على «تيك توك» أظهرت حياته اليومية: أشياء مثل روتين الوجبات اليومية ودليل لمترو موسكو. هذه الموضوعات تبدو عادية، لكنه يعتبرها محاولة لرأب الصدع بين روسيا والغرب. الآن، رغم ذلك، بدأ في حذف أي مقطع فيديو من المحتمل أن يتم التقاطه في شبكة بوتين. كان بروشين قد نشر في السابق مقاطع فيديو من الاحتجاجات في سانت بطرسبرغ، يقول إنه لم يشارك فيها ولكن بدلاً من ذلك قام بتوثيقها بشكل محايد. يقول: «لقد أزلت المحتوى للتو لأنه ليس لدي أي فكرة عن كيفية ترجمة السلطات الروسية للكلمات التي استخدمتها».
ويقول إيليا يابلوكوف، المحاضر في الصحافة والإعلام الرقمي بجامعة شيفيلد والمتخصص في الإعلام الروسي ونشره للمعلومات المضللة، إن إخافة السكان وإجبارهم على الخضوع، هدف بوتين. يشير يابلوكوف إلى أنه قبل تمرير القانون، وجد عدد من المشاهير الروس الذين تحدثوا ضد الغزو فجأة أن برامجهم التلفزيونية اختفت من قوائم القنوات الحكومية. يقول: «إنها ترسل إشارة معينة... إذا عارضتنا، فإننا سننهي حياتك المهنية وننهي كل شيء».
امتدت المخاوف أيضاً إلى المواطنين الروس الذين يعيشون خارج البلاد، والذين قد يكونون قلقين بشأن توريط أحبائهم في الوطن إذا أعربوا عن معارضتهم. تقول مواطنة روسية من أصل أوكراني في العشرينات من عمرها: «كل شخص أعرفه يؤمن بنفس الشيء: أن هذا خطأ». تعيش السيدة في المملكة المتحدة، ولكن لا يزال لديها أصدقاء وعائلة في روسيا، وقالت: «من الصعب جداً التحدث علناً إذا كنت لا تزال في روسيا، أو لديك صلات هناك».
وأشارت إلى أنه في الآونة الأخيرة، اجتمعت مجموعة صغيرة من الأصدقاء في روسيا لتثبيت برنامج من شأنه مساعدتهم على الوصول إلى المواقع المظلمة عبر شبكة افتراضية خاصة، أو «في بي إن». لقد عارضوا جميعاً الغزو، وتقول إن التجمع كان أيضاً وسيلة غير متصلة بالإنترنت للحديث عن الحملة غير المسبوقة على حريتهم في التعبير. وتوضح: «لقد كانوا في الغالب في حالة حزن حقاً».
وقد يكون التجمع لتثبيت برنامج «في بي إن» هو أهم خطوة في روسيا الآن. بشكل عام، ارتفع الاهتمام بشبكات «في بي إن» بنسبة ألف في المائة تقريباً وفقاً لأحد التحليلات، ولكن لا يزال استخدامها محفوفاً بالمخاطر.


مقالات ذات صلة

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
إعلام تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً ...

إيمان مبروك (القاهرة)
يوميات الشرق لوسائل التواصل دور محوري في تشكيل تجارب الشباب (جمعية علم النفس الأميركية)

«لايك» التواصل الاجتماعي يؤثر في مزاج الشباب

كشفت دراسة أن الشباب أكثر حساسية تجاه ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الإعجابات (لايك)، مقارنةً بالبالغين... ماذا في التفاصيل؟

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
مذاقات الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون...

فيفيان حداد (بيروت)
مبنى لجنة التجارة الفيدرالية في واشنطن - 4 مارس 2012 (رويترز)

لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية تتهم وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة ﺑ«مراقبة المستخدمين»

أفادت لجنة التجارة الفيدرالية الأميركية بأن وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة انخرطت في «عملية مراقبة واسعة النطاق» لكسب المال من المعلومات الشخصية للأشخاص.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
TT

فهد المطيري لـ«الشرق الأوسط»: «فخر السويدي» لا يشبه «مدرسة المشاغبين»

فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)
فيلم «فخر السويدي» تناول قضية التعليم بطريقة فنية (الشركة المنتجة)

أكد الفنان السعودي فهد المطيري أن فيلمه الجديد «فخر السويدي» لا يشبه المسرحية المصرية الشهيرة «مدرسة المشاغبين» التي قدمت في سبعينات القرن الماضي، لافتاً إلى أن الفيلم يحترم دور المعلم ويقدّره حتى مع وجود الطابع الكوميدي في العمل.

الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى ضمن مسابقة «آفاق السينما العربية» بالنسخة الماضية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، تدور أحداثه في 8 فصول حول رهان مدير المدرسة على تأسيس «الفصل الشرعي» ليقدم من خلاله نهجا مختلفاً عن المتبع.

وقال المطيري لـ«الشرق الأوسط» إن «المدرسة تشكل فترة مهمة في حياة كل شخص ولا تزال هناك ذكريات ومواقف راسخة في ذاكرتنا عنها، الأمر الذي سيجعل من يشاهد الفيلم يشعر بأن هناك مواقف مشابهة ربما تعرض لها أو شاهدها بالفعل خلال مسيرته التعليمية»، مرجعاً حماسه لتقديم شخصية الأستاذ «شاهين دبكة» مدير ثانوية «السويدي الأهلية» رغم كون الدور لرجل أكبر منه سناً إلى إعجابه بالفكرة التي يتناولها العمل وشعوره بالقدرة على تقديم الدور بشكل مختلف.

فهد المطيري مع أبطال الفيلم (الشركة المنتجة)

وأضاف المطيري: «إن الماكياج الذي وضعته لإظهار نفسي أكبر عمراً، استوحيته جزئياً من الفنان الراحل حسين الرضا خصوصاً مع طبيعة المدير ومحاولته المستمرة إظهار قدرته في السيطرة على الأمور وإدارتها بشكل جيد، وإظهار نفسه ناجحاً في مواجهة شقيقه الأصغر الذي يحقق نجاحات كبيرة في العمل ويرأسه».

وحول تحضيرات التعامل مع الشخصية، أكد المطيري أن خلفيته البدوية ساعدته كثيراً لكونه كان يحضر مجالس كبار السن باستمرار في منزلهم الأمر الذي لعب دوراً في بعض التفاصيل التي قدمها بالأحداث عبر دمج صفات عدة شخصيات التقاها في الواقع ليقدمها في الدور، وفق قوله.

وأوضح أنه كان حريصاً خلال العمل على إبراز الجانب الأبوي في شخصية شاهين وتعامله مع الطلاب من أجل تغيير حياتهم للأفضل وليس التعامل معهم على أنه مدير مدرسة فحسب، لذلك حاول مساعدتهم على بناء مستقبلهم في هذه المرحلة العمرية الحرجة.

وأشار إلى أنه عمل على النص المكتوب مع مخرجي الفيلم للاستقرار على التفاصيل من الناحية الفنية بشكل كبير، سواء فيما يتعلق بطريقة الحديث أو التوترات العصبية التي تظهر ملازمة له في الأحداث، أو حتى طريقة تعامله مع المواقف الصعبة التي يمر بها، وأضاف قائلاً: «إن طريقة كتابة السيناريو الشيقة أفادتني وفتحت لي آفاقاً، أضفت إليها لمسات شخصية خلال أداء الدور».

المطيري خلال حضور عرض فيلمه في «القاهرة السينمائي» (إدارة المهرجان)

وعن تحويل العمل إلى فيلم سينمائي بعدما جرى تحضيره في البداية على أنه عمل درامي للعرض على المنصات، أكد الممثل السعودي أن «هذا الأمر لم يضر بالعمل بل على العكس أفاده؛ لكون الأحداث صورت ونفذت بتقنيات سينمائية وبطريقة احترافية من مخرجيه الثلاثة، كما أن مدة الفيلم التي تصل إلى 130 دقيقة ليست طويلة مقارنة بأعمال أخرى أقل وقتاً لكن قصتها مختزلة»، موضحاً أن «الأحداث اتسمت بالإيقاع السريع مع وجود قصص لأكثر من طالب، والصراعات الموجودة»، مشيراً إلى أن ما لمسه من ردود فعل عند العرض الأول في «القاهرة السينمائي» أسعده مع تعليقات متكررة عن عدم شعور المشاهدين من الجمهور والنقاد بالوقت الذي استغرقته الأحداث.

ولفت إلى أن «الفيلم تضمن تقريباً غالبية ما جرى تصويره من أحداث، لكن مع اختزال بعض الأمور غير الأساسية حتى لا يكون أطول من اللازم»، مؤكداً أن «المشاهد المحذوفة لم تكن مؤثرة بشكل كبير في الأحداث، الأمر الذي يجعل من يشاهد العمل لا يشعر بغياب أي تفاصيل».

وحول تجربة التعاون مع 3 مخرجين، أكد فهد المطيري أن الأمر لم يشكل عقبة بالنسبة له كونه ممثلاً، حيث توجد رؤية مشتركة من جميع المخرجين يقومون بتنفيذها في الأحداث، ولافتاً إلى أن حضورهم تصوير المشاهد الأخرى غير المرتبطة بما سيقومون بتصويره جعل الفيلم يخرج للجمهور بإيقاع متزن.