الفائض المالي العراقي يدخل على خط الخلافات ويرفع وتيرة التنافس السياسي

TT

الفائض المالي العراقي يدخل على خط الخلافات ويرفع وتيرة التنافس السياسي

في وقت بدأ العراق يحقق فائضاً مالياً كبيراً نتيجة ارتفاع أسعار النفط، لا توجد مؤشرات على إمكانية إقرار الموازنة المالية للعام الحالي 2022، فالخلافات الحادة بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني) تعرقل إمكانية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، علاوة على دخول عامل جديد، بات يعمق من مسار الأزمة، وهو «الثلث المعطل» الذي يملكه كل من التحالف الثلاثي، الذي يضم التيار الصدري، وتحالف السيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، وكذلك الإطار التنسيقي الذي يضم عدداً من القوى الشيعية الرئيسية، بالإضافة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.
عملية إعاقة انتخاب رئيس للجمهورية حيث أغلق البرلمان آخر باب للترشح، بينما لم تحدد رئاسة البرلمان موعداً وشيكاً لانتخاب الرئيس، تعني استمرار الحكومة الحالية، التي يترأسها مصطفى الكاظمي، في مهمة تصريف الأمور اليومية. ولعل أهم ما لا يمكن لحكومة تصريف الأعمال تحقيقه هو تقديم مشروع قانون الموازنة إلى البرلمان. فالبرلمان المنتخب منذ عام 2021، الذي جرى انتخاب رئيسه خلال جلسة عقدت في 7 فبراير (شباط) الماضي، لا يمكنها تسلم مشروع قانون الموازنة إلا من قبل حكومة كاملة الصلاحيات.
وطبقاً للنظام البرلماني في العراق، فإن الحكومة كاملة الصلاحيات هي التي يتم اختيار المكلف بتشكيلها من الكتلة الأكثر عدداً داخل البرلمان. وبسبب الخلافات الكردية - الكردية حول منصب رئيس الجمهورية، فإنه لا يمكن الانتقال إلى الخطوة الدستورية التالية، وهي تكليف رئيس للوزراء من الكتلة الأكثر عدداً. المشكلة التي تواجهها القوى السياسية العراقية أنه في الوقت الذي يحتدم الخلاف الكردي - الكردي حول منصب رئاسة الجمهورية، فإن هناك خلافاً شيعياً - شيعياً لا يزال مؤجلاً حول تسمية «الكتلة الأكبر» التي ترشح رئيس الوزراء. فالتيار الصدري، بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يقود التحالف الثلاثي، يجادل بأنه هو «الكتلة الأكبر» في حين يرى الإطار التنسيقي أنه هو «الكتلة الأكبر». وإلى الوقت الذي يمكن أن تحسم فيه هذه الخلافات بين الأطراف السياسية المختلفة، اندلعت الحرب في أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط.
العراق الذي يعد أحد أبرز البلدان النفطية في المنطقة يُصدر شهرياً ما يقرب من 3 ملايين ونصف مليون برميل نفط. المفارقة التي أدت إلى أن يسيل لها لعاب جميع القوى والكتل السياسية هي أن البرلمان العراقي السابق كان قد حدد سعر برميل النفط بـ45 دولاراً، بينما تخطت الآن أسعار النفط الـ120 دولاراً للبرميل. وطبقاً لإحصائيات وزارة النفط لشهر فبراير الماضي، فإن العراق حقق نحو 8 مليارات دولار من مبيعات النفط خلال شهر واحد.
هذه الزيادة الكبيرة في الأسعار، والفارق الكبير بين السعر الرسمي للبرميل في الموازنة وبين الطفرة الكبيرة في أسعار النفط، أدى إلى دخول هذا الفائض على خط الخلافات، وبدأ يرفع وتيرة التنافس السياسي. ويقول السياسي العراقي، عزت الشابندر، في تدوينة له على «تويتر»، إن «تأخير تشكيل الحكومة مع ارتياح القادة للإبقاء على حكومة تصريف الأعمال يؤخر إقرار الموازنة السنوية لعام 2002»، مبيناً أن من شأن ذلك أن «يجعل الفائض المالي الكبير بسبب زيادة أسعار النفط عرضة للتلاعب والسرقة». وعدّ الشابندر «تأخير تشكيل الحكومة، لأسباب لا علاقة لها بقوت الفقراء وعموم الناس ومصالحهم، جريمة وطنية». وبين هذا وذاك، فإنه في الوقت الذي تشكو فيه حكومة تصريف الأعمال من عدم قدرتها على التحكم بالفائض المالي بسبب عدم وجود تخويل برلماني فإن الأطراف السياسية تتهم الحكومة والأحزاب التي تملك وزارات داخل الحكومة بأنها سوف تستفيد من هذه الطفرة المالية الهائلة لترسيخ أوضاعها أكثر من قبل نتيجة الفساد المالي الذي تتمكن من خلاله القوى النافذة من توسيع إمبراطورياتها المالية ونفوذها السياسي.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.