«بيروت آند بيوند» فسحة فنية شبابية تحت سماء بيروت

يضم برنامجه مجموعة حفلات لفنانين محليين وعالميين

«بيروت آند بيوند» فسحة فنية شبابية تحت سماء بيروت
TT

«بيروت آند بيوند» فسحة فنية شبابية تحت سماء بيروت

«بيروت آند بيوند» فسحة فنية شبابية تحت سماء بيروت

يحتل مهرجان «بيروت آند بيوند» مكانة معروفة في لبنان، منذ انطلاقته الأولى في عام 2013، فهو بمثابة موعد سنوي ينتظره الشباب ليتعرفوا إلى نخبة من الموسيقيين والمغنيين اللبنانيين والعرب الذي أحرزوا إنجازات في عالم الفن. فهم يخاطبون هذا الجيل بموسيقى عصرية وكلاسيكية، وأخرى محدثة لفتت القيمين على المهرجانات والساحات الفنية في برلين وباريس وألمانيا وغيرها.
وابتداءً من اليوم 10 مارس (آذار) تنطلق النسخة الثامنة من هذا المهرجان على مسرح «KED» البيروتي. وتستمر فعالياته لغاية 13 منه مستضيفة أسماء شبابية لامعة في عالم الفن أمثال عازف البيانو طارق يمني، ولين أديب وزين حمدان صاحبي فرقة «بدوين برغر».
وتشير أماني سمعان، مديرة المهرجان، إلى أن النسخة الثامنة من المهرجان تأتي بعد غياب قسري دام لسنتين بسبب الجائحة. وتتابع لـ«الشرق الأوسط»: «الصعوبات التي واجهناها كانت كثيرة وتتعلق بكيفية تسعير بطاقات الدخول مع تدهور سعر الليرة أمام الدولار. وكذلك كان علينا الأخذ بعين الاعتبار مشكلات لوجيستية يمكن أن يواجهها رواد المهرجان، من خلال انقطاع مادة الوقود. حتى إننا توقفنا عند عملية الـ(كايترينغ) لأنواع الطعام الذي نقدمه في المهرجان، في ظل التحدث عن إمكانية انقطاع مادة القمح».
نحو 20 ضيفاً من الخبراء والمتخصصين العالميين، سيشاركون في «بيروت آند بيوند» كي يستكشفوا الساحة الفنية اللبنانية ومواهبها الجديدة، فيتعاقدون معهم لحفلات عالمية. تعلق سمعان: «بعضهم جاء من فرنسا وكندا وبريطانيا والإمارات العربية. فحضور هؤلاء الخبراء هو بمثابة تقليد سنوي نعتمده دائماً في هذا الحدث، فنتيح الفرصة أمام المواهب الشبابية للحصول على عقود عمل جديدة».
وعلى مدى ثلاثة أيام المهرجان، سيتابع رواده حفلات لنجومه من فنانين محليين وعرب وأجانب. فهو يعد حدثاً يرتبط بموسيقى الـ«أندرغراوند»، شاركت في تأسيسه ودعمه المؤسسة النرويجية «أوسلو وورلد». وأصبح اليوم من أساسيات المشهد الفني اللبناني ومنصة إنتاج ودعم.
يُحيي الفنان طارق يمني، الحائز جوائز دولية (مع خالد ياسين وإيلي عفيف) ليلة الافتتاح. وتأتي حفلة يمني في إطار جولة فنية عالمية يقوم بها، يتوقف خلالها في لبنان ليقدم جديده. فهو عازف بيانو معروف، اشتهر بموسيقى خاصة به تمزج بين المقام العربي الشرقي وموسيقى الجاز.
كما تطل فرقة «Bedouin Burger» التي تضم السورية لين أديب واللبناني زيد حمدان. فهما انتقلا من بيروت ليستقرا في باريس، وفي المهرجان سيعرّفان جمهورهما على مقطوعتهما الجديدة «بدوين برغر». فتستوحي لين من الثقافة الموسيقية البدوية، وتسعى لإيصالها من خلال موسيقى الجاز العربية. بينما يواصل زيد حمدان، رائد الموسيقى الإلكترونية العربية، بحثه في موسيقى البوب العربية.
ويطل في هذا الحدث الملحن والموسيقي والمخرج السوري وائل القاق، المقيم في باريس، ويقدم ألبومه الأول «نشاما» المستوحى من الثورة السورية (2011). أما موسيقاه فهي عبارة عن تجربة إلكترونية لموسيقى شعبية من الشرق.
وعن الحماس الذي أبداه الضيوف للمشاركة في «بيروت آند بيوند» في نسخته الثامنة، تقول أماني سمعان في سياق حديثها: «بعضهم تردد في المجيء إلى بيروت في ظل أوضاع غير مستقرة تعيشها كغيرها من العواصم في العالم. فالحرب الأوكرانية الروسية ولّدت حالة لا استقرار عالمية، انعكست أيضاً على لبنان. كما أن بعضهم لم يلبِّ الدعوة لأولويات وارتباطات عمل أخرى».
7 فنانين من لبنان و3 أجانب يُحْيون فعاليات المهرجان هذا العام. ومن الموسيقيين الأجانب الذين سيقدمون حفلات هذه السنة، عازف الغيتار النرويجي Knut، المعروف منذ سبعينات القرن الماضي. وهو حائز عدة جوائز دولية، وفي سجله نحو 300 أغنية من أنماط موسيقية مختلفة. وكان قد أحيا حفلات في البقاع وفي بيروت عام 1980.
تشارك أيضاً في المهرجان الفرقة اللبنانية «Postcards» وتقدم ألبومها «After the fire before the end»، الذي يسترجع المعاناة التي يشهدها لبنان.
وفي برنامج المهرجان، يطل الثنائي Rust الذي يضم بترا حاوي وهاني مانجا، وهما من خلفيات فنية مختلفة. لكنهما يجتمعان معاً في إحياء التراث العربي الكلاسيكي، في إطار مختلف كي يكون بمتناول الجيل الجديد.
أما فرقة NP (جاد عطوي وأنتوني صهيون) فتعنى بالموسيقى الإلكترونية والتجريبية. وتعكس أعمالُ الفرقة التحولاتِ السياسية الحالية لاستكشاف المستقبل الموسيقي. وتقدم المغنية والكاتبة بالفرنسية والعربية ميساء جلاد، ألبومها الفردي الأول. تتناول أغنياتها قضايا شخصية وسياسية، عن المعارك التي تدور في المدن.
وعن كيفية اختيار المهرجان لأسماء ضيوفه، توضح مديرة المهرجان: «نختار هذه الأسماء وفقاً للنوعية الموسيقية الجيدة المتخصصين فيها. فنحرص على أن تحمل أنماطاً موسيقية منوعة تتراوح بين الجاز والبلوز والـ(فولك)، وكذلك الـ(إكسبريمنتيل) مع الشرقي والإلكتريك أيضاً. ولكن هذه السنة سيغيب عنصر الـ(هيب هوب) الموسيقي. ونحاول دائماً في خياراتنا أن نوازي بين ضيوفنا من الرجال والنساء معاً، ونسلّط الضوء على فرق لبنانية موهوبة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».