جوائز «تكريم USA» تُوزّع في ميامي وتحلم بالتوسّع

مؤسسها ريكاردو كرم لـ«الشرق الأوسط»: لا أتدخّل في التصويت

جوائز «تكريم USA» تُوزّع في ميامي وتحلم بالتوسّع
TT

جوائز «تكريم USA» تُوزّع في ميامي وتحلم بالتوسّع

جوائز «تكريم USA» تُوزّع في ميامي وتحلم بالتوسّع

كان ريكاردو كرم السبّاق في محاورة وجوه صنعت تغييراً في مجالاتها حول العالم. لم تكن أسماء مثل نيكولا حايك وزها حديد وكارلوس سليم وغبريال يارد وسواهم، معروفة حينها. استضافهم الإعلامي اللبناني وعرّف الناس إليهم. وجد وقْعاً في لقاءات تروي قصص نجاح وتُلهم الملايين، فخطرت له فكرة، وفق ما يروي لـ«الشرق الأوسط»: «المقابلات لا تدوم إلى الأبد. لِمَ لا أوجد منصة جامعة، تستمر بحضوري وغيابي؟ فكانت ولادة مؤسسة (تكريم) التي تُقدِّر سنوياً حكايات نجاح لوجوه عربية، ليسوا بالضرورة أشخاصاً معروفين. وجوه يعملون بصمت في ميادين الحياة، لنعرّف الأجيال إلى مغامراتهم وجرأتهم».
وُلدت المؤسسة وجائزتها السنوية من أجل مَن يتركون بصماتهم في مجالات إبداعهم. لا فارق في الجنس والهوية والنقاط الجغرافية في اختيار الوجوه العربية. ينهمك ريكاردو كرم الآتي إلى بيروت من ميامي، مكان إقامة حفل توزيع جوائز «تكريم USA»، الأسبوع الماضي، ويُسابق الوقت مع فريق عمله. يحرص الرجل على التفاصيل. يخبرنا أنّ الجائزة بدأت خجولة ثم كبُرت، «وسعيد بهذا التطوّر بعد 12 سنة. الحلم الذي رادوني يصبح حقيقة، وسط رغبة متزايدة من شركاء ليكونوا جزءاً من روح المؤسسة».
يفضل ألا يسمّيها «جائزة تُمنح»، بل «تحية شكر لوجوه أحدثت تغييراً من دون أن تحقق شهرة واسعة». بحماسة، يُذكّر بالهدف: «إلهام الشباب وإعطاء صورة مغايرة عن العالم العربي». بعد 10 سنوات على انطلاق مؤسسة «تكريم»، تساءل ريكاردو كرم: ماذا لو مدّد وكبّر، ووصل إلى القارة الأميركية؟ فأنشأ «تكريم أميركا»، كتحية لعرب الأميركيتين. يتحدث عن خصوصية قارة ضخمة وبقعها الجغرافية (أميركا الجنوبية، كندا، الولايات المتحدة)، وتميُّز العرب في أرجائها: «علينا الإضاءة على النجاحات».
تُلحق «تكريم USA» بـ«تكريم» لتكون «المؤسسة الأخت» التي لا تتوخى الربح. كانت الانطلاقة قبل أسبوع في الحفل الكبير المقام في ميامي. انضم أصدقاء لريكاردو كرم إلى مجلس أمناء المؤسسة وشاركوه الإيمان بالحلم، «وهو مجلس ينمو مع الوقت». ببث مباشر عبر قناته على «يوتيوب»، تابعنا الحفل. حضور نوعي لنخبة توافدت من الأميركيتين، ومن سويسرا وإسبانيا وإنجلترا وفرنسا ولبنان.
يشدد ريكاردو كرم على معايير الجائزة، و«هي ثابتة، حازمة، ومعقّدة بعض الشيء لضمان الصرامة والشفافية. لا نوزّع الجوائز على خلفية علاقات أو صداقات. الأسماء تتكلم عن نفسها وتُعرّف عن مسيرتها». يعترف بصعوبة إيجاد هذه الأسماء، خصوصاً لكونها غير معروفة ضمن حيّز عريض، فيقول: «نبذل جهداً في البحث، وما دام مجلس الأمناء يتوسّع، فإنّ نظاراتنا التي تتبع اللامعين تعطي رؤية واضحة».
لا بد من سؤاله عن الصدقية، وسط همس من هنا وهناك يشكك في بعض الجوائز وشفافيتها. يحسم على الفور: «لا يحق لي التصويت ولا أقرر في شيء. وضعتُ نفسي خارج هذه المعادلة، لئلا يُقال إنني أتدخّل في النتيجة. أكتفي بالترشيح إن وجدتُ أسماء تستحق ترشيحها. دوري يقف هنا. أتولى باقي المهمات من الألف إلى الياء، إلا هذا الشق للحفاظ على الصدقية واحترام اسمي وعقول الناس».
نعود إلى «TAKminds»، وهو منتدى أنشأه عام 2018 حيث انطلق من الكويت، وكان يُفترض أن تحتضنه بيروت بعد سنة، لكن المآسي هبطت دفعة واحدة، فأُلغي بتدخّل من «الكوفيد» أيضاً. قبل أسبوع، أُقيم الحفل المنتظر في ميامي.
مبدعون من أصول لبنانية وأردنية وفلسطينية، كرّمتهم الجائزة: زينة ونجاد فارس عن فئة «إنجازات العمر»، لتاريخهما من النجاح في مجاليهما بهيوستن وتفانيهما للمجتمع اللبناني الأوسع في الولايات المتحدة. وعن الفئة عينها، نال غسان ومنال صعب الجائزة، لالتزامهما السخي والمستمر في الكثير من القضايا، وتخصيص وقتهما والموارد للجمعيات الخيرية والمنظمات في أميركا وخارجها.
يستمر توزيع الجوائز: بيتر رحال عن فئة «المبادرون والشباب»، وهو مؤسس مشارك ومدير تنفيذي لشركة «RXBAR» والمدير العام لـ«Litani Ventures». وميشيل مسلم عن فئة «ريادة الأعمال»، لإنجازاته في مجال الابتكارات الطبية، وتقديم إنجازات إنقاذية ومستدامة في أنحاء العالم. وهدى وويليام الزغبي عن فئة «جائزة الإبداع العلمي والتكنولوجي» لتطويرهما تقنيات غير جراحية لتقييم وظائف القلب واضطراب الصمامات. وشيرين دعيبس عن فئة «الإبداع الثقافي»، وهي مخرجة سينمائية وتلفزيونية فلسطينية - أميركية، تمهد الطريق بلا كلل لتمثيل عربي أصيل في هوليوود. وأسعد رزوق عن فئة «التنمية البيئية والاستدامة»، وهو رجل أعمال لبناني - بريطاني يعمل في مجال الطاقة النظيفة، ومحلل «بودكاست» ومعلق.
متحدثون كثر في مواضيع إنسانية، تولّوا الكلام طوال ساعات الحفل. ختام الحدث، عبر الفيديو مع الأمير السعودي تركي الفيصل، رئيس «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية». يشكر ريكاردو كرم، وكان يشاء الحضور لولا قيود «كورونا». يتحدث بإلهام عن تمكين المرأة من خلال التعليم، فيصغي الجميع إلى كلام موزون، يقارب الواقع بلغة المساواة والمستقبل.
تسبب فارق التوقيت بين العالم العربي وأميركا بتفاوت التفاعل، ومع ذلك، امتلأت «السوشيال ميديا» بصور المبدعين. يكشف ريكاردو كرم أنّ التحضيرات قائمة ليشهد العام الواحد حفلين أو ثلاثة لجوائز «تكريم USA» لتكريم ملهمين عرب في مختلف أصقاع العالم.
تمدّ الجائزة جسراً بين صنّاع الرأي ووجوه شابة طموحة، وصلة مع شباب الاغتراب والانتشار، وآخرين لم يذوبوا في مجتمعاتهم الجديدة، فحافظوا على خصوصيتهم وانتمائهم، وبوجودهم يؤكد العرب هوياتهم التي يتمنى ريكاردو كرم ألا تتضعضع.
من أميركا، يودّ أن يقول للعالم إنّ ثمة قصصاً تستحق أن تُروى، بعيدة عن الخلافات والحروب والدم. قصص نجاح، تآزر، أحلام، أمل وحب. في نهاية الحفل، جُمعت التبرعات لمساعدة طلاب لبنانيين لمتابعة دراستهم في أميركا، بعدما نُهبت أموال عائلاتهم في المصارف، وهذه الخطوة ستلحقها أخرى، إيماناً بأنّ الخير خلاص الإنسانية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».