هل استنسخت روسيا «التجربة السورية» في حربها على أوكرانيا؟

نازحون سوريون وسط الثلوج في ريف حلب شمال البلاد في 19 يناير الماضي (إ.ب.أ)
نازحون سوريون وسط الثلوج في ريف حلب شمال البلاد في 19 يناير الماضي (إ.ب.أ)
TT

هل استنسخت روسيا «التجربة السورية» في حربها على أوكرانيا؟

نازحون سوريون وسط الثلوج في ريف حلب شمال البلاد في 19 يناير الماضي (إ.ب.أ)
نازحون سوريون وسط الثلوج في ريف حلب شمال البلاد في 19 يناير الماضي (إ.ب.أ)

تتزايد التحليلات، وخصوصاً في وسائل الإعلام الغربية، حول آليات تعامل القوات الروسية مع الواقع الأوكراني، وأدوات الحرب المستخدمة لتحقيق الأهداف الموضوعة للعملية العسكرية. وذهب عدد من المعلقين والخبراء إلى عقد مقارنات بين الحرب الأوكرانية والحرب التي شهدتها روسيا في الشيشان مثلاً، في وقت مبكر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وخصوصاً لجهة محاصرة المدن وقصفها واستخدام آليات واسعة لإجبارها على الخضوع، حتى أن بعض السياسيين الغربيين والمعلقين العسكريين رأوا أن خاركوف الأوكرانية تكرر حالياً مسار تطور الأحداث في غروزني الشيشانية، في تسعينات القرن الماضي.

روسيا الجديدة
لكن روسيا تغيرت كثيراً على مدى العقود الثلاثة الماضية، وتبدلت قدراتها العسكرية بشكل جذري، كما تبدلت آليات تعاملها مع الأزمات المحيطة. وللمقارنة، يكفي القول إن الفارق في الوضع الراهن يبدو كبيراً جدا بالمقارنة مع قدرات روسيا العسكرية التي ظهرت عام 1995 في الشيشان، ثم في 2008 في جورجيا. صحيح أن روسيا نجحت في حرب الأيام الخمسة في جورجيا في تحقيق نصر سريع، لكن هذا كان سببه الرئيسي طبيعة «العدو» الذي واجهته، والذي كان ضعيفاً بشكل ملحوظ وغير قادر على خوض معركة حربية.
في أوكرانيا الوضع مختلف تماماً، والخطط العسكرية كذلك مختلفة لجهة الأهداف الموضوعة وآليات التحرك لتنفيذها. هنا، ليس المطلوب تحقيق هدف تكتيكي صغير مثل «إجبار أوكرانيا على السلام» وفقاً للتسمية التي حملتها العملية العسكرية ضد جورجيا في 2008، التي انتهت بسيطرة سريعة على العاصمة تبليسي، قبل الانسحاب بوساطة أوروبية وفرض استقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وإقفال ملف الصراع مع جورجيا إلى أجل غير مسمى.
فالأهداف الموضوعة في أوكرانيا أبعد وأكثر تأثيراً، ولها أبعاد تتجاوز حدود الدولة الأوكرانية، لترتبط أكثر بهندسة الأمن الأوروبي عموماً، وبدور ومكانة روسيا في منظومة العلاقات الدولية الجديدة.
كما أن أوكرانيا الشاسعة المساحة، وبقدراتها العسكرية الضخمة نسبياً، وبحجم المساعدات الغربية التي تدفقت عليها، لا تشكل هدفاً سهلاً للروس، وهو ما أظهره حجم «المقاومة الشرسة» في المدن الكبرى ومعدلات الخسائر غير المسبوقة التي تكبدتها روسيا حتى الآن.
من هذه الزاوية، ومع فهم أن موسكو تواجه عملياً تحالفاً في أوكرانيا، وتعقيدات مرتبطة بتدخل أطراف خارجية كثيرة في هذا الصراع، بدا استنساخ التجربة السورية في الحرب الأوكرانية أمرا مفيداً ومهماً.
فهذه الحرب هي الأولى التي تخوضها روسيا بعد «الاختبار السوري»، الذي ساعد موسكو كثيراً في تطوير قدراتها من خلال «التدريب» في ظروف حرب حقيقية، فضلاً عن أن موسكو نجحت خلال سنوات تجربتها السورية في تطوير تقنياتها العسكرية بشكل غير مسبوق، ما جعلها تضع برامج واسعة لتعديل اتجاه الصناعات العسكرية وتحديث إنتاجها الحربي بناء على دروس الحرب.
لذلك، كان من الطبيعي أن تنعكس «التجربة السورية» في ميادين القتال في أوكرانيا، وهذا ما اتضح من خلال جملة من العناصر العسكرية والسياسية المرتبطة بتقدم العمليات في هذا البلد.

السلاح المجرب
بدايةً، يمكن التوقف عند استخدام طرازات من الأسلحة الحديثة التي خاضت التجارب في سوريا، مثل المروحية الضاربة «صياد الليل» التي تم تطويرها بشكل كبير بعد مشاركة فاعلة لها في مواجهات تدمر وحلب ومناطق أخرى. هذه المروحية تلعب حالياً أدواراً مهمة في مهاجمة المواقع والمنشآت الأوكرانية في ساعات الليل.
أيضاً، كان ملاحظاً استخدام الضربات الصاروخية الموجهة نحو المواقع التي فشلت روسيا في الوصول إليها والسيطرة المباشرة عليها، كما حدث مع مطار عسكري في وسط أوكرانيا، تم تدميره كلياً قبل يومين بصاروخ موجه يمتلك قدرات تفجيرية هائلة، كان خضع للتجارب في سوريا.
ومع القدرات الهجومية، بدا أن تكتيك توزيع العمليات مستعار أيضاً من الحرب السورية، لجهة آلية تقسيم المناطق والأهداف، والاعتماد على «الحلفاء» في خوض معارك برية لتوسيع مساحات السيطرة الميدانية في بعض المناطق في الجنوب والشرق، في مقابل تقدم الجيش باتجاه محاصرة المدن الكبرى.
أيضاً، كان لافتاً استخدام آليات الحرب الإعلامية نفسها التي جربت طويلاً في سوريا، مثل التنبيهات المتكررة من وزارة الدفاع بأن «النازيين يجهزون لاستفزاز عبر استخدام مواد تفجيرية محظورة»، بهدف إلقاء اللوم على الجيش الروسي، أو «سعي أوكرانيا لتطوير قنبلة نووية قذرة» لاستخدامها ضد مواقع مدنية بهدف اتهام الروس بارتكاب جرائم حرب، فضلاً عن اتهامات بقيام الأوكرانيين بقصف وتفجير منشآت أو مواقع مدنية، وغير ذلك من آليات الحرب الإعلامية التي استخدمت بعبارات مماثلة في سوريا، لكن بدلاً من السلاح النووي تم في سوريا الحديث عن «الكيماوي»، وبدلاً من «النازيين» كان المخططون في سوريا هم «الخوذ البيضاء» و«الإرهابيون».
وثمة عنصر آخر للمقارنة لا يمكن أن يغيب عن المشهد، وهو يتعلق بآليات المفاوضات الجارية بين الروس والأوكرانيين، إذ تحولت جولات التفاوض إلى مناقشة مشكلات «إنسانية»، تتمثل في المعابر الآمنة والممرات الإنسانية، والهدف، كما كان حصل في سوريا مراراً، تسهيل عملية خروج المدنيين والمقاتلين من التجمعات السكانية الكبرى، لتيسير السيطرة عليها لاحقاً.
والغريب أن جولات التفاوض التي جرت على الأراضي البيلاروسية لم تناقش البعد السياسي أو آليات لوقف النار والانتقال إلى تسوية سياسية، رغم أن مستوى التمثيل فيها، خلافاً مثلاً للوضع حول «مفاوضات أستانة»، يسمح بذلك، لجهة وجود ممثلين عن الديوان الرئاسي في أوكرانيا وروسيا وممثلين عن وزارتي الخارجية والدفاع في البلدين.
وجاء أخيرا الإعلان المتكرر على ألسنة المسؤولين الروس حول «توافر معطيات عن وجود مسلحين قاتلوا في سوريا على الأرض الأوكرانية»، ليضع عنصراً جديداً في هذه المقارنة، رغم أنه لم يثبت وجود أي مقاتل أجنبي حتى الآن في أوكرانيا، فضلاً عن نفي جهات سورية، بينها المكون الكردي، صحة هذه التقارير.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.